أتساءل من داخلي، هل لنا أن نحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة؟ تلك المهنة التي خُلقت؛ لتعبر عما يدور في أروقة الأوطان من أحداث وملمات، وتلك المهنة التي تعبر عن المعنى الحقيقي للكلمة، وقيمتها في بنيان الأمم، فكيف لنا من البدء، أن نحتفل مثلنا مثل دول العالم، التي تقدر قيمة الصحافة، وتحق قيمة الكلمة، ونحن وفق ما أعلنته منظمة مراسلون بلا حدود، من أن مصر تحتل المرتبة رقم 170 من بين 180 دولة على مستوى دول العالم في مؤشر حرية الصحافة، كما أنها تراجعت عن العام الماضي أربعة مراكز. فهل هناك جدوى من وجود هذه المهنة، بينما نحتل آخر عشرة مراكز في ذيل القائمة؟.

ومن الناحية الداخلية، فإن هناك العديد من المواقع يتم حجبها بصورة أو بأخرى، وكان من بين تلك المواقع، هذا الموقع الذي نكتب من خلاله، وهو موقع مصر 360، كما أنه تم تهكير صفحة الفيس بوك الخاصة به عن طريق عمل بلاغات عنها، إضافة إلى تضييق المساحات المسموحة عبر الشبكة العنكبوتية، وتضييق سبل الوصول إلى المنصات الصحفية والإعلامية، ذلك بخلاف وجود العديد من الصحفيين وراء جدران السجون؛ نتيجة لقيامهم بمهام أعمال مهنتهم.

ومن ناحية أخرى، فقد عبر المفوض السامي للأمم المتحدة احتفالاً بذلك اليوم العالمي بقوله، إن حرية التعبير ليست مجرد حق أساسي من حقوق الإنسان، بل هي شريان الحياة الذي يغذي المجتمعات الصحية والحيوية، فمن دون حرية التعبير، لا يمكننا التصدّي للظلم، ولا إحداث التغيير ولا الانخراط في المناقشات التي تجعلنا من البشر في الأساس، ومن دون حرية التعبير التي تشكّل عامل تمكين بارز لجميع حقوقنا الأخرى، بالكاد يمكننا التمتّع بأي شكل من أشكال الحرية.

وإذا ما اعتمدنا على كون للصحافة حق، فالحق يقتضي وجود وسيلة مشروعة لحمايته وتنظيمه، وهذه الوسيلة هي القانون، الذي يجب أن يكون صادراً وفق مبادئ وأسس المشروعية، فمبدأ الشرعية يفترض ألا يتعارض مع مبدأ الاستقرار والأمن الاجتماعيين، لأن الشرعية تقلل الفوضى، وتحقق ضمان العلاقات الاجتماعية. وقد ارتبط بموجب التوجهات التقليدية لدولة القانون والمؤسسات، بقوة السلطة في فرض القانون. إلا أن التحولات المعاصرة سحبت الحصرية من يد الدولة، وافترضت نمطاً من الانتظام النابع عن المجتمع، وغير الخاضع لمبدأ القوة، وإنما لمبدأ التشارك والتوازن. لذا، أصبح التمييز واضحاً بين الشرعية أي احترام القرارات للقواعد المنصوص عليها بموجب القوانين الوضعية، والتي ثبت أنها تحقق مصالح فردية على أساس استغلال السلطة في الدول العربية التي شهدت حركات اجتماعية، والمشروعية بما تعنيه من مدى ملاءمة هذه القرارات “للحقوق الإنسانية”، وما تشمله هذه الحقوق من تطوّر في مضمونها. على خلفية هذه الانعطافات، أعيد طرح التساؤل حول مشروعية النصوص القانونية، وحول مشروعية السلطة التي أصبحت مرتبطة بمدى فاعلية هذه السلطة في خدمة المجتمع.

و يحتفل العالم في الثالث من مايو كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وذلك لزيادة الوعي بأهمية مهنة «البحث عن الحقيقة»، وضرورة الحفاظ على حريتها، واحترام تبادل المعلومات والبيانات، ونقل الأخبار الحقيقية للتعامل بشفافية مع المواطنين، وقد جاء الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة بناء على توصية مؤتمر اليونسكو، وإحياء لذكرى إعلان ويندهوك التاريخي، خلال اجتماع الصحفيين الأفارقة، الذي نظمته اليونسكو، وعقد في ناميبيا في 3 مايو 1991، وأعلنت وقتها الجمعية العمومية للأم المتحدة موافقتها على اعتبار يوم 3 مايو اليوم العالمي لحرية الصحافة، كما أن الاحتفال بهذا اليوم كل عام يؤكد على العلاقة التاريخية بين حرية التقصي عن المعلومات، ونقلها وتلقيها من جهة، وبين المنفعة العامة من جهة أخرى.

لكن ماذا هناك في الأفق العام؛ لتصبح الصورة العامة عن الحريات الصحفية بكل هذه القيود، على الرغم من كون هناك ضمانات دستورية، تشكل الإطار الحاكم للمجتمع بأسره ومفرداته، بما في ذلك حرية الصحافة، والتي تمثل امتداداً طبيعيا وحقيقيا لكافة الحريات شخصية، كانت أم عمومية، كما تبدو فكرة القانون في ذاتها كضامن أو حام لمجموعة الحقوق والحريات، فإن فكرة القانون تدور في فلك تحقيق مضمون الحق بمعناه الواسع، الذي يتسع ليشمل كافة أنواع الحقوق سواء كانت شخصية أو عمومية، فالقانون والحق يجب أن تكون هناك علاقة ترابط، وتكامل بين هذين المصطلحين, فالقانون هو مجموعة من القواعد التي تنظم سلوك الفرد في المجتمع وفي علاقته مع غيره، أما الحق فهو الصلاحية التي يمنحها القانون لشخص ما، و التي تمكنه من الاستئثار بشيء معين في مواجهة الغير، فهنا يكمن التكامل بينهما، لأن الحق هو نتاج للقانون؛ فالحقوق لا توجد و لا تحترم إلا في ظل القانون وبوجوده.

فهل نحن جديرون بالاحتفال أو الاحتفاء بذلك اليوم، أو تلك المناسبة، ونحن نستخدم القواعد القانونية أو الإدارية في التضييق على هذا الأفق العام، بخلاف استخدام السبل الأخرى التي تمتلكها السلطات التنفيذية في الاستحواذ على مضمون، ومعنى حرية الصحافة، بما في ذلك السيطرة بتملك الجرائد بطرق أو بأخرى أو السيطرة الفعلية على مقدرات الأمور فيها ، ووضعها تحت الرقابة بسبل إدارية أو من وراء ستار، الأمر الذي لا ينتج في مجموعه سوى انعدام لقيمة الكلمة المعبر عنها من خلال الصحف، أو المواقع الإخبارية، كأنها باتت لا تعبر سوى عن رغبة القائمين على السلطة، ولا يمر إلا ما يُسمح به، أو يتناسب مع الاحتياجات المعلنة.

ذلك من الناحية الداخلية، بخلاف ما تؤثر به العلاقات الدولية على حرية العمل الصحفي، والحدود المسموح بها للنشر، وما أطرته الحروب العدوانية والسياسات الخارجية بما لها من تأثيرات على السياسات الداخلية، إذ أنه بات من الواضح اليقيني، أن الحريات الصحفية في عام 2024 مُهدَّدة أكثر من أي وقت مضى، بحسب المؤشرات والتقارير الصادرة عن الجهات المختصة بهذا الشأن، والأكثر تأثراً بالتطورات التي يشهدها العالم، لا سيما الحروب العسكرية والصراعات السياسية، في حين باتت أبرز مصادر هذه التهديدات هي الجهات ذاتها المخوَّلة والمسئولة عن رعاية وصون الحريات الإعلامية، خاصة الحكومات والسلطات السياسية حول العالم، التي ما عادت تتوانى عن محاولاتها تطويع العمل الصحفي، لينسجم مع أجنداتها.

فهل فعليا يسعى العالم بما به من قواعد قانونية أو حقوقية، وكذلك الدول بما فيها من قواعد دستورية أو قانونية إلى إقرار حرية الصحافة بشكل حقيقي، بما يضمن تطوير أدائها، وحماية العاملين فيها؟ أم أنها تشكل خطورة، بحسب كونها هي الأداة الوحيدة القادرة على فضح الانتهاكات، سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي.