“نكتب لك بشأن التقارير الخاصة، بأن محكمة الجنايات الدولية قد تنظر في إصدار مذكرات اعتقال دولية، بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين. نعتبر مثل هذه الخطوات غير شرعية، ونرى أنها تفتقر للأسس القانونية، وإذا تم إقرارها، سينتج عنها عقوبات قاسية بحقك وبحق مؤسستك”.

تهديد واضح بتوقيع 12 مشرعا أمريكيا، ينتمون للحزبين الجمهوري والديموقراطي، يمثل سابقة تاريخية في مجال السياسة والحقوق والقانون، والعلاقات بين الدول والمنظمات الدولية.

التهديد نشره السيناتور عن ولاية فلوريدا، ريك سكوت، عبر صفحته الموثقة على “إكس”، وأشار بها لمكتب مدعي الجنائية الدولية تحت عنوان مختصر.

 “استهدف إسرائيل.. وسنستهدفك”

من جهتها، اكتفت المحكمة الدولية ببيان، نشرته أيضا على حسابها على منصة إكس قالت فيه: “يدرك مكتب المدعي العام الاهتمام الكبير بتحقيقاته، ويستقبل التعليقات والبلاغات، ويسعى للتعاون بشكل بناء مع جميع الأطراف المعنية ومع ذلك، فإنه يحذر من التهديدات أو التأثيرات السلبية على استقلالية وحيادية المحكمة، ويطالب بوقف أي محاولات لعرقلة أو تخويف موظفي المحكمة بشكل غير لائق”.

لهجة أشد، وإن لم تخرج عن إطار القانون، استخدمها المدعي العام بالمحكمة، حيث قال بحسم واختصار: “مكتبي يحقق بنشاط في أي جرائم، يُزعم ارتكابها، ومن ينتهك القانون سيحاسب”.

وحذر المدعي العام من التهديدات بالانتقام، قد ترقى إلى مستوى جريمة ضد إقامة العدل بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسي.

الأمر هنا أخطر من ملاسنة كلامية بين طرفين، تجاوز الأول حدوده، وهدد بشكل صريح منظمة وكيانا أمميا، بل هو بمثابة مسمار في نعش فكرة الأممية والقانون الدولي، وتكريس لمبدأ الافلات من العقاب، وقبل هذا وذاك سلوك، يضع المدافعين عن القانون وحقوق الإنسان في العالم كله في مأزق أخلاقي، وعلماني.

وفي بيان وقعه أكثر من 40 خبيرا أمميا مستقلا، اعتبروا أنه من المحزن أن نرى مسؤولي دولة، يهددون بالانتقام من محكمة، تسعي لتحقيق العدالة الدولية”.

وقال الخبراء، إنه من المثير للصدمة رؤية الدول التي تعتبر نفسها مناصرة لسيادة القانون، تحاول تخويف محكمة دولية مستقلة، ومحايدة لإحباط المساءلة.

وأضافوا أن “التهديدات باتخاذ إجراءات انتقامية تنتهك معايير حقوق الإنسان؛ بشأن الهجمات على موظفي العدالة، وتتجاوز الحدود المقبولة لحرية التعبير”.

وشدد الخبراء على أن المحكمة الجنائية الدولية لديها ولاية التحقيق مع الأفراد ومحاكمتهم على الجرائم الدولية الخطيرة بما فيها الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية

وقال الخبراء، إن غالبية دول العالم تدعم المحكمة، وإن دور المحكمة الجنائية الدولية أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.

وأضافوا، إن “إعاقة عمل المحكمة ومدعيها العام سيكون ضارا، ليس فقط للمساءلة في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولكن للعدالة الدولية ككل”.

التحذيرات فيما يبدو لم تكن كافية لردع النواب الأمريكيين عن خطتهم لترهيب المحكمة، ومدعيها العام، حيث تواصل رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب مايكل ماكول، ومشرعون آخرون من الحزب الجمهوري مع مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بهدف تحذيره من أنهم بصدد إعداد تشريع فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية كإجراء احترازي، إذا صدر قرار باعتقال مسؤولين إسرائيليين.

التشريع سيكون مصاحبا في مجلس النواب لتشريع السيناتور توم كوتون، الذي تم تقديمه في فبراير الماضي، “لمعاقبة مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية المشاركين في التحقيقات مع حلفاء الولايات المتحدة، الذين ليسوا أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، مثل إسرائيل.

والتشريعان لا علاقة لهم بعدالة أو سياسة، هما فقط سيفان مسلطان في حال صدور قرارات اعتقال لمسؤولين إسرائيليين متورطين في جرائم حرب.

النواب الأمريكان أبلغوا المدعي العام، أنهم سيحتفظون بمشروع القانون، ولن يتقدموا به لإقراره إلا في حال صدور قرارات اعتقال، أما إذا خافت المحكمة الدولية من التهديد الأمريكي، وتراجعت فلن يتم تمرير القانون!

ونقل موقع أكسيوس، رسالة كوكتون لكريم خان، والتي كانت تهديدا واضحا ومباشرا، من أن أوامر الاعتقال “ستؤدي إلى عقوبات شديدة ضدك وضد مؤسستك”.

حملة الترهيب ضد المحكمة بدأها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ومن على منصة إكس، حيث نشر “إن التهديد باعتقال الجنود والمسؤولين في الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والدولة اليهودية الوحيدة في العالم أمر مثير للغضب”.

ولم يبرر نتنياهو، لماذا هو غاضب أو بالأحرى خائف، طالما أنه “الدولة الديموقراطية الوحيدة” في الشرق الأوسط.

بالعودة لموقع أكسيوس الذي بات مصدرا مهما لكواليس العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في الفترة الأخيرة، نجده يكشف عن أن نتنياهو أثناء مكالمة حول الحرب والمفاوضات لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، طلب من الرئيس الأمريكي جو بايدن المساعدة في منع المحكمة الجنائية الدولية من إصدار أوامر اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين كبار، بما في ذلك نفسه.

المواجهة الحالية ليست الأولى من نوعها بين الإدارة الامريكية الراغبة في فرض إرادتها، وتصورها على العالم، حيث سبق وقامت إدارة ترامب في عام 2020، بإدراج المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، والمسؤول بها فاكيسو موتشوتشوكو على القائمة السوداء؛ بسبب تحقيقهما فيما إذا كانت القوات الأمريكية قد ارتكبت جرائم حرب في أفغانستان، وحظرت دخولهما إلى البلاد وسمحت بتجميد أصولهم”.

الجديد هذه المرة هو أن التدخل الأمريكي ليس للتغطية على جرائم محتملة، ارتكبتها الولايات المتحدة بنفسها، بل من أجل حليفتها المدللة إسرائيل .