ورقة بحثية جديدة للباحث محمد عبد الكريم، يرصد خلالها التفاعلات الإقليمية المتعددة، التي أثرت أو تأثرت بمسار الأزمة الإنسانية في السودان، والتي يصفها بأنها “الأزمة الإنسانية الأكبر “في العالم، والتي دخلت بالفعل عامها الثاني، دونما رصيد يذكر من آمال وقفها، واللجوء إلى حلول سياسية ناجعة.

لقراءة التقرير كاملا:

تتناول الورقة الجديد في المشهد السوداني بعد مرور أكثر من عام على بدئها، راصدة عدم وجود اختراقات تذكر في مسار التسوية، الأمر الذي أبرز معاناة السودان من مشكلات هيكلية خطيرة للغاية، وتراجع آفاق عودة “الدولة” وسيادتها على كافة أرجاء السودان، مع تعاظم احتمالات اندلاع حرب أهلية شاملة، لا تقتصر على المواجهة بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع؛ لتنسحب إلى اصطفافات آخذة في التسارع، كما بدا في إعلان عدد من الجماعات المسلحة “القبلية في ولايات دارفور وقوفها في صف ميليشيات الدعم، أو خلف القوات المسلحة السودانية، بينما تترقب أنظار العالم “معركة الفاشر” (عاصمة ولاية شمال دارفور، وتأوي راهنًا أكثر من 1.6 مليون نسمة أغلبهم من المشردين داخليًا في الموجات، التي أعقبت بدء الأزمة في إبريل 2023).

القابلية للمزيد من التصعيد

ثم يتوقف الباحث عند الانسداد السياسي وقابلية الأزمة، لمزيد من التصعيد غير المسبوق والممهد، ربما لدخول السودان حربه الأهلية الأكثر سوءًا (من جهة الخسائر البشرية المتوقعة، واتساع رقعة خطوط المواجهة)، وما يرافق هذا من تعاظم الأزمة الإنسانية القائمة دون وجود استجابة دولية حقيقية لمواجهتها. وعلى سبيل المثال قدرت هيئات الإغاثة الإنسانية بالأمم المتحدة حاجتها إلى 2.7 بليون دولار في العام الجاري؛ لتوفير الغذاء والرعاية الصحية وإمدادات أخرى لنحو 24 مليون سوداني، (من أصل عدد سكان إجمالي 51 مليونا) متضرر من الحرب الجارية (مع توقع ارتفاع هذا الرقم بشكل قياسي حال سقوط مدينة الفاشر في يد ميليشيات الدعم السريع، وتمكن الإمارات من فرض نفوذها الكامل في مثلث تشاد- ليبيا- غربي السودان).

وينتقل البحث لرصد المشهد السوداني في نقاط محددة، ليقول إنه يمكن رصد المشهد الراهن بعد انقضاء أكثر من عام على الحرب على النحو التالي:

-تغول قوات الدعم السريع في ولايات دارفور، منذ منتصف إبريل الفائت، وبعد استيلائها على مدينة ميليت في شمال دارفور، والتي تقع استراتيجيًا على الطريق الرابط بين ليبيا وشمال دارفور، مما أدى إلى ظهور ديناميات صراع جديدة في الإقليم مع تعمق البعد الإثني المتمثل في إقدام ميليشيات الدعم مدعومة بمجموعات مسلحة “عربية” متحالفة معها بمهاجمة المدنيين “غير العرب”، على نحو أجمع أغلب المراقبين على تماثله مع الصراع في دارفور قبل أكثر من عقدين في عهد الرئيس المعزول عمر البشير. وعزز هذا السيناريو نجاح ميليشيات الدعم في هزيمة تحالف للجماعات المسلحة الموالية للقوات المسلحة السودانية، وقدرة ميليشيات الدعم المتحققة راهنًا في مد خطوط إمدادات مباشرة نحو ليبيا للحصول على مساعدات من الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، والوصول إلى الولاية الشمالية، التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية عبر فرقة المشاة التاسعة عشر.

-عودة الطابع الإثني “العرقي” إلى الواجهة في الصراع الدائر في دارفور مع تكثيف قوات الدعم السريع هجماتها الانتقامية، ضد الزغاوة (قوات حركة/ جيش تحرير السودان بقيادة مني مناوي، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم الداعمة للقوات المسلحة السودانية). مع ملاحظة انخراط القوات الأخيرة في عمليات الدفاع عن مدينة الفاشر الراهنة جنبًا إلى جنب مع القوات السودانية النظامية.

-كما لوحظ أنه بعد سقوط أربع ولايات من ولايات دارفور الخمسة في يد قوات الدعم السريع منذ نوفمبر 2023، أن عددًا كبيرًا من المجموعات والميليشيات المتمردة بدأت في الاحتشاد؛ لدعم القوات المسلحة السودانية، ودفاعها عن مدينة الفاشر “العاصمة الوحيدة في ولايات دارفور، التي لم تسقط بعد في يد ميليشيا الدعم”. ويتوقع بشكل شبه قاطع تصاعد الهجمات إثنية الطابع من قبل قوات الدعم السريع والميليشيات “العربية” الداعمة لها لسببين رئيسين، وهما: أن تجمعات الزغاوة في شمالي دارفور تمثل حاضنة دعم قوية لفصيل مني مناوي. أما السبب الثاني، فهو إعلان إدارة الزغاوة الأهلية الحرب، ضد قوات الدعم السريع.

أزمة جوع

-تعمُق أزمة الاقتصاد السوداني: قبل اندلاع الصراع عانى الاقتصاد السوداني بالأساس من التضخم المفرطـ، ونقص حاد في السلع الأساسية، مما قاد إلى احتجاجات مستمرة في أرجاء البلاد. وزاد الصراع من عمق هذه الأزمة بطبيعة الحال، إذ بات نحو نصف سكان السودان عاطلون عن العمل، وتدهورت قيمة الجنيه السوداني بنحو 50%. وتم نهب المصانع والمصارف والمتاجر في الخرطوم بشكل منهجي، مما أثر بقوة على قدرة السكان على الوصول للسلع والخدمات والنقد. وعلى سبيل المثال تم غلق ما لا يقل عن نحو 11 ألف مدرسة في المناطق التي ضربها الصراع العسكري، ما عنى خروج 19 مليون تلميذ مؤقتًا من العملية التعليمية. كما بات نحو 18 مليون سوداني (37% من سكان البلاد) في مواجهة المستويات الأشد تطرفًا من عدم الأمن الغذائي، مع وجود أزمة جوع في بعض المناطق في السودان.