في وقت سابق من هذا الشهر، إبريل/ نيسان 2023، كانت الأحزاب السياسية، والقوات المسلحة، والمجتمع المدني في السودان يستعدون لتوقيع اتفاق سياسي جديد، وتشكيل حكومة جديدة الآن، القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في حالة حرب.
لذلك، أجرى معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط/ TIMEP، مقابلة مع حميد خلف الله، الزميل غير المقيم للمعهد، والمستقر في الخرطوم. لدراسة العوامل التي أدت إلى الصراع، والوضع الأمني والإنساني الحالي على الأرض في السودان، والدور الذي تلعبه القوى الإقليمية والدولية.
في المقابلة، أشار خلف الله: إلى أن الاتفاق السياسي الذي كان على وشك التوقيع قد ساهم في تسريع التوتر والخلاف بين الفريقين المتناحرين.
يقول: منذ عام 2019، كانت الشراكة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع مريحة للغاية. كان من المفيد لهم مراعاة مصالحهم ضد المدنيين، حتى يتمكنوا من كسب المزيد من الأرض، وحماية مصالحهم الاقتصادية، مع حماية أنفسهم أيضًا من الملاحقة القضائية على الفظائع التي ارتكبوها على مر السنين.
يضيف: أنه كان من المنطقي بالنسبة للجنرال عبد الفتاح البرهان قائد الجيش، ونائبه محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، العمل معا، واستمرا في القيام بذلك طوال الفترة الانتقالية في السودان “لقد دبروا الانقلاب معا”، ويمكن القول إنه كان هناك دور أكبر للجيش من قوات الدعم السريع. ولكن منذ الانقلاب، بدأنا نشهد تزايد الخلافات بين الزعيمين. ومع تصاعد التوترات بين الجنرالات، اندلع العنف في النهاية”.
اقرأ أيضا: ورقة سياسات| الأزمة السودانية.. صراعات القوى الكبرى وأمن البحر الأحمر
أوضح زميل معهد التحرير أنه “كان من المنطقي للجنرالين أن يتجاهلا خلافاتهما، ويركزا على ما وحدهما، أو المصالح المشتركة بينهما، حتى خلافهما من الواضح أن هذا الخلاف كان يمكن أن يكون أقل حدة، لو لم تتدخل الجهات الخارجية، وصبت الوقود على النار”.
أيضا، فعل الإسلاميون المرتبطون بنظام الرئيس السابق عمر البشير كل ما في وسعهم؛ للاستفادة من الاحتكاك بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع “لقد أرادوا أن يحدث هذا، لأن العنف والفوضى سيمنحهم فرصة للظهور مرة أخرى، والعودة إلى السلطة. لقد قاموا بتسريع الموقف بين الجنرالات، على أمل أن يتحول إلى حرب شاملة”، كما يقول خلف الله.
ما هو الوضع في الخرطوم؟
يصفه خلف الله بأنه “لا يقل عن كونه كارثيا”، إنه وضع أمني صعب للغاية ومتوتر. يدور القتال في كل مكان، حتى في المناطق السكنية. لذا فإن المواطنين ليسوا في مأمن من الرصاص الطائش، أو القصف، أو المدفعية الثقيلة، حتى في منازلهم”.
يضيف: تقضي العديد من العائلات معظم أيامها مستلقية على الأرض أو تحت أسرتهم. لحماية نفسها من الأصوات، وكذلك من القصف والاشتباكات بالأسلحة النارية.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضا أزمة إنسانية تتكشف بسبب الانقطاع المستمر للكهرباء، والمياه، وانقطاع الإنترنت، ونفاد الإمدادات الغذائية في جميع أنحاء البلاد، مع بقاء عدد قليل جدًا من المتاجر مفتوحة.
لكن الأزمة الأكبر، من حيث الوضع الإنساني، هي الرعاية الطبية والرعاية الصحية.
أفادت الأنباء أن أكثر من 70% من مستشفيات الخرطوم، والمناطق المجاورة خارج الخدمة الآن، إما بسبب قصفها أو مهاجمتها من قبل المتقاتلين، أو لعدم وجود طاقم طبي لتشغيل هذه المرافق. كما أن بعض الأطباء والممرضات -وغيرهم من الكوادر الطبية- غير قادرين على الوصول إلى المستشفيات لتقديم الخدمات بسبب الوضع الأمني.
تابع خلف الله: حتى في حالة وجود عدد قليل من المستشفيات، أو مراكز الرعاية الصحية التي لا تزال مفتوحة، لا يستطيع المواطنون الوصول إلى المرافق بسبب عدم الأمان. من الخطير للغاية أن تنزل إلى الشوارع، وأن تقود سيارتك وتحاول الوصول إلى المستشفى. لذا، فإن الوضع صعب.
كيف تتأثر المناطق الأخرى بالصراع؟
يشير خلف الله إلى المعارك، والاشتباكات العنيفة الجارية خارج الخرطوم “لكن لسوء الحظ، فإن معظم اهتمام وسائل الإعلام ينصب على العاصمة”.
يشتد الصراع خارج الخرطوم، وتحديداً في بلدة مروي، في الشمال، حيث نشرت قوات الدعم السريع قواتها في البداية بالقرب من قاعدة عسكرية للقوات المسلحة. وبصرف النظر عن بعض المعارك الطفيفة في عدد قليل من المدن الأخرى، هناك اشتباكات عنيفة كبيرة داخل منطقة دارفور، حيث لدى قوات الدعم السريع روابط قبلية قوية هناك، مما سهل عليهم تعبئة الناس والمقاتلين وتجنيدهم.
ويلفت الباحث السوداني: إلى أن بعض المدن السودانية شهدت اشتباكات عنيفة للغاية، أثرت بشكل كبير على المواطنين، لكنها لم تتم تغطيتها بشكل جيد من قبل وسائل الإعلام “أظن أن القتال سيستمر في دارفور، حتى لو تم إعلان هدنة أو وقف إطلاق النار في الخرطوم؛ لأن دارفور وضعها أكثر هشاشة، حيث يصعب السيطرة على الصراع”.
الجماعات المؤيدة للديمقراطية
هنا، يشير خلف الله: إلى أن الجماعات المقاومة للهيمنة العسكرية “تلقت ضربة قوية عندما اندلعت هذه الحرب”.
يقول: هؤلاء تكمن قوتهم في تعبئة المجتمعات، وكان من المستحيل عليهم تقريبا استخدام أي من أنشطة التعبئة الشعبية هذه، أو القيام بأي شيء كانوا يفعلونه سابقًا لقد كانوا يحاولون التفكير في طرق مختلفة يمكنهم من خلالها الدفاع عن السلام، وإنهاء الحرب. لقد كان من الصعب عليهم إعادة التخطيط الاستراتيجي، حيث تغير السياق بشكل كبير بين عشية وضحاها. كان لا بد من تغيير الأولويات”.
في الوقت نفسه، أدى هذا الوضع إلى شل الحركة الحالية من نواحٍ عديدة، لكنهم بدأوا في تكييف، وتعديل رسائلهم إلى السياق الجديد، لا سيما التركيز على بناء السلام، والسرديات المناهضة للحرب.
يضيف خلف الله: ما يحتاجون إليه في الوقت الحالي هو منصات مختلفة، لا سيما على المستوى الدولي، لمنحهم مساحة للتحدث، وتوضيح ما يجري، لأن كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، يدعيان أن الوضع الحالي ليس صراعًا على السلطة أو شخصيا.
اقرأ أيضا: صراع الجنرالات وخطأ الحسابات الخليجية
إلى أين يهرب الناس؟
الآن، يفر الجميع من الخرطوم التي صارت جحيما “كانت عملية صعبة للغاية بالنسبة للعائلات، لاتخاذ قرار ترك حياتهم ومنازلهم ورائهم”، كما يقول خلف الله.
يشير الخبير بمعهد التحرير: أن النازحين انتقلوا إلى أماكن مثل: مدني -التي تبعد ساعتين بالسيارة جنوب الخرطوم- أو توجهوا شمالا إلى شندي وعطبرة، أو إلى مدن أخرى مثل: القضارف في شرق السودان. فيما عاد الكثير منهم إلى مسقط رأسهم خارج الخرطوم، أو إلى المدن التي لديهم فيها عائلات، أو إلى أماكن بها خدمات جيدة نسبيًا.
أيضا، بعض النازحين يحاولون الوصول إلى البلدان المجاورة مثل: مصر وإثيوبيا وجنوب السودان.
ويلفت خلف الله إلى الوضع الاقتصادي الصعب” تتزايد أسعار تذاكر الحافلات كل ساعة، حيث تستفيد العديد من خدمات النقل من يأس الناس للفرار. قبل أيام قليلة فقط، كان الناس يستمتعون بالمدينة والآن يمكنهم فقط حزم بعض الأشياء بسرعة للفرار، وترك كل شيء وراءهم”.
التدخل الأجنبي وتأثير القوى الإقليمية والدولية في السودان
لا يصدق خلف الله أن القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع تخوضان هذه الحرب دون أي تنسيق مع الجهات الأجنبية.
يقول: لا يخفى على أحد أن كلا المتصارعين لهما حلفاء إقليميون وعابرون للحدود. يدعمون بقوة كلاً من الكيانات العسكرية سياسيا، من خلال ضمان بقائهم في السلطة. وماليا، من خلال توفير الأسلحة، والمساعدات المالية الأخرى.
وأعرب عن اعتقاده، بأن الحلفاء الخارجيين لعبوا دورا كبيرا في الحرب المستعرة “إن لم يكن بالضغط من أجل حدوثها، فعندئذ بالسماح لها بالاستمرار. إن بقاء القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع في السلطة في السودان، مفيد لمصالح هذه الدول الأجنبية”.
ويشير: إلى أن هناك الكثير الذي يتعين على المجتمع الدولي القيام به للمضي قدما، لا سيما أثناء عملية الوساطة “ولكن، نأمل أيضًا في الانتقال الديمقراطي في السودان. “في رأيي”، يجب على المجتمع الدولي أن يبدأ بالاعتراف، بأن التسوية الأمنية فوق الديمقراطية التي دفعوا من أجلها. والتي من خلالها تأكدوا أن كلا من القادة العسكريين كانوا جزءًا من المعادلة السياسية وجزءا من المؤسسات الحكومية، “هذه الصيغة”، قد ساهمت في الوضع الحالي. عليهم أن يبدأوا بالتفكير في ذلك، والاعتراف بخطئهم”.
ولفت إلى أنه “بينما ينخرط المجتمع الدولي في المفاوضات، ينبغي له إعطاء الأولوية للأزمة الإنسانية كضرورة ملحة، وألا يركز فقط على الوضع السياسي”.
وتابع: لقد أضاعوا فرصة، كان من الممكن أن يستغلوا فيها الوقف اللحظي للعنف في الخرطوم، الذي تم خلاله إجلاء الدبلوماسيين والأجانب. هذا الهدوء يثبت أن كلا الفصيلين العسكريين يمكنهما الالتزام بوقف إطلاق النار، إذا كان لديهما الإرادة للقيام بذلك. كان بإمكان المجتمع الدولي، أن يدفع باتجاه المزيد، والضغط من أجل المرور الآمن للمساعدات الإنسانية، والوصول إلى المستشفيات، لكنهم فوتوا هذه الفرصة”.
التعلم من الخطأ
يؤكد زميل مركز التحرير، أنه يجب على المجتمع الدولي أن يتعلم من أخطائه السابقة، المتمثلة في الثقة في الجنرالات.
يقول: لقد حان الوقت لكي يعلم المجتمع الدولي أن الكيانات العسكرية في السودان تكذب علانية وبوقاحة. وأنها مخادعة منذ عام 2019، ولا ينبغي الوثوق بها خلال العملية السياسية المقبلة -إذا كانت ستحدث- ويجب محاسبتهم على أفعالهم.
تابع: كانت الولايات المتحدة تتحدث بصوت عالٍ بشأن فرض عقوبات على القادة العسكريين، الذين دبروا الانقلاب في عام2021. وبعد ذلك بعامين، لا يزال كل من قادة الانقلاب في السلطة، ولم يتم تطبيق العقوبات مطلقًا. يحتاج المجتمع الدولي إلى أن يكون أكثر حزما في ردود أفعالهم، ما يجب عليهم إعادة العملية الديمقراطية إلى مسارها، لضمان عدم إعطاء الأولوية للأمن مرة أخرى على حساب الديمقراطية.
وأكد أن “الأحداث التي وقعت في السودان منذ عام 2019، تثبت أنه لا يمكن التفكير في الديمقراطية، والأمن بشكل منفصل. يجب العمل معا كجزء من عملية واحدة.
حميد خلف الله
زميل غير مقيم في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط/ TIMEP. يركز عمله على الحوكمة الشاملة، والتعبئة في السودان. وهو ممارس تنمية وباحث ومحلل سياسات، ويعمل حاليًا كمسئول برامج في المعهد الدولي للديمقراطية، والمساعدة الانتخابية /IDEA، لدعم التحول الديمقراطي في السودان.
حصل على درجة الماجستير في إدارة التنمية الدولية من جامعة برادفورد في المملكة المتحدة، حيث درس كباحث في تشيفنينج، وحصل على جائزة أفضل أطروحة من جمعية دراسات التنمية في المملكة المتحدة لعام 2019.