ربما استمع عازف الساكسفون السكندري “محمد علي نصر” أو رجل الأعمال القاهري محمود خطاب.. لبيان رئاسة الوزراء الخاص بتخفيف الأحمال، عبر إحدى الشاشات، أو قرأه وهو يتصفح الأخبار عبر هاتفه المحمول، لكن أيا منهم لم يكن يتوقع، أن يتحول إلى خبر، بعد أن أنهت حياتهما حوادث؛ سببها جداول انقطاع التيار الكهربائي، التي لم يكونوا على علم بها، وهم معلقون في مصاعد العمارات.
لا توجد إحصائية موثقة أو رصد دقيق لعدد من قضوا نحبهم، في “آبار المصاعد”، أثناء محاولات الخروج بعد توقف المصعد لانقطاع الكهرباء، هناك حوادث متعددة في عام 2023، والواقعتان الشهيرتان هذا العام، اللتان كان ضحاياها خطاب ونصر، وبات من المؤكد أن هناك 6 ستة أرواح، ذهبت ضحية خطة تخفيف الأحمال، التي أصبحت خطة لتقصير الأعمار لهؤلاء المنكوبين.
الفائض الذي انقلب ندرة
بدأت خطة تخفيف الأحمال الكهربائية في مصر بشكل رسمي في يوليو 2023، كرد فعل على أزمة نقص الوقود وزيادة استهلاك الكهرباء.
رغم أنه في يناير من العام نفسه، أعلنت الحكومة وعبر منابر متعددة، أن مصر بات لديها فائض في الكهرباء، يبلغ 30%، كما تم تداول أخبارا عن خطط للربط بشبكات دول عربية منها السودان، والمملكة العربية السعودية.
خطة تخفيف الأحمال تستهدف توفير 300 مليون دولار شهريا، حسبما قال الرئيس السيسي في مؤتمر بعنوان “حكاية وطن”.
الحكومة تؤكد أنها قادرة على حل مشكلة انقطاع الكهرباء، لكن المهندس طارق الملا، وزير البترول، لن يكون قادرًا على توفير الموارد الدولارية اللازمة، حسب المعادلة التي أفصح عنها السيسي: ” طارق بيبيع الغاز، وبنسيبه يبيع عشان يجيب البترول اللي بنخليه سولار وبنزين للناس”.
ربما لم يستمع نصر وخطاب وغيرهم من الضحايا لشرح الحكومة، لكنهم جميعا ماتوا، هذه الفوضى والعشوائية الحكومية التي تنقلب الأمور معها رأسا على عقب من الفائض إلى الندرة. وقبل أن يشرح الرئيس السيسي معادلة تخفيف الأحمال؛ لتوفير 108 مليار جنيه سنوياُ.
في اليوم التالي لرحيل العازف السكندري، خسرت البورصة المصرية 25 مليار جنيه، أي أقل قليلا من ربع المبلغ السنوي الذي يوفره قطع الكهرباء.
بالتأكيد لا يوجد رقم يوازي حياة إنسان، لكن هناك بنودا أخرى في الموازنة اعترض عليها نواب البرلمان أثناء مناقشتها.
النائب مصطفى سالم وكيل لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان قال، إن وزارة البترول خصصت في موازنتها الختامية للعام 2022/2023 أكثر من 144 ألف جنيه شهريا لبند الأجور، رغم أن هناك موظفا واحدا على قوة الوزارة، والباقون منتدبون من شركات تابعة للوزارة، والهدفــ بحسب البرلماني المخضرم ــ الهروب من “القوانين والقواعد والتعليمات الحكومية المنظمة لأجور العاملين بالدولة”.
الضحايا الآخرون
لسبب أو لآخر، تابعت الصحف والمواقع الإخبارية حادثتي وفاة محمد علي نصر، ومحمود خطاب، لكنهما بالطبع ليسا وحدهما على القائمة.
دفتر حكايات “الأضرار الجانبية ” لضحايا تخفيف الأحمال، يضم أيضا عامل دليفري اسمه “أحمد” عمره 27 عاما، كان في مهمة توصيل عادية.
كما يضم حارس عقار اسمه “أحمد” أيضا، حاول- كالعازف السكندري نصرــ إنقاذ طفلين من نيران، اندلعت داخل المصعد بعد انقطاع الكهرباء، فتمكن من إنقاذهما، لكنه رحل متاثرا بإصاباته المتعددة.
هناك آخرون تم تداول أخبارا عنهم بشكل محدود، منهم موجهة لغة عربية في بني سويف، ومدرس بالمحلة، ومدرس آخر بمنطقة المرج، لكن البيانات عن وقائع رحيلهم شحيحة نسبيا.
مدرس المحلة محمد البغدادي في العقد الثالث من عمره، تعطل المصعد به إثر انقطاع التيار الكهربائي، وأثناء محاولته الخروج من إحدى الفتحات، انزلقت قدماه بين المصعد والحائط؛ فسقط الشاب من الطابق السابع وتوفي في الحال.
أما موجهة اللغة العربية إلهام جابر، فكانت قد تعرضت لحادث سير أثناء خروجها من عملها، وأجرت جراحة ناجحة، وأثناء ترددها على عيادة الطبيب للمتابعة، واستكمال العلاج، سقط بها مصعد عمارة الطبيب لترحل في الحال، ويصاب ابنها بإصابات بالغة.
أما أحمد رجب حارس العقار بأحد “الكومباوندات” في منطقة المعادي، سمع استغاثات صادرة من عمارة ملاصقة للتي يعمل بها، فبادر بمحاولة إنقاذ أطفال كانوا محتجزين، ونجح في إخراجهم، لكنه فشل في الخروج من المصعد الذي ملأته الأدخنة؛ فرحل قبل أن تأتي قوات المطافي لإخراجه.
من السبب؟
الحكومة أعلنت بشكل واضح، أن خطة تخفيف الأحمال مستمرة حتى نوفمبر أو ديسمبر القادمين، كحد أقصى ـ لتنتهي المشكلة بعدها نهائيا، إذا صدقت، وذلك بالتوازي مع ما تسميه خطة لتحريك أسعار الكهرباء، تدريجيا، وعبر عدة شرائح للاستهلاك، رغم أن أسعار الكهرباء شهدت عدة ارتفاعات متتالية في فترات ليست متباعدة ورغم أن بنود الميزانية لا تتضمن جنيها واحدا لدعم الكهرباء، ورغم أن الأزمة من إلفها ليائها هي نتيجة سوء التخطيط والعشوائية في الاستثمارات دون دراسة، ورغم ورغم.. وهي كلها أمور ليست في البلاد التي مثل بلادنا، شأن المواطنين، الذين يتحملون العواقب والعقوبات البالغة حد الموت، التي تنتج عنها. فمن سيكون الضحية القادمة؟