كان طه حسين يقول التعليم كالماء والهواء، ليتضح لنا مع انقطاع الكهرباء ان تخفيف الأحمال هو بالمعنى الحرفي يمس حقوقنا الأساسية في الماء والهواء والعلاج والغذاء والعمل. بكلمة واحدة الكهرباء هي الحياة. ومن يقطعها ينتقص حقنا في الحياة.

فالكهرباء وتسعيرها من الحقوق الأساسية للمواطن على مستوى العالم، فهي معيار أساسي للتمتع بباقي الحقوق الأخرى  فبمنتهى البساطة “التيار الكهربائي أصبح معادلاً للحياة”.

قطع الكهرباء يمس بحق المواطن في الصحة في ظل قطع التيار عن العيادات، والحق في التعليم مع عدم قدرة الطلاب على المذاكرة في ظل درجات حرارة، تصل إلى 48 في الظل ببعض المحافظات، والحق في الغذاء ايضًا، بعدما كان السب في ارتفاع أسعار منتجات غذائية حيوية كالدواجن والبيض، وأخيرا وليس آخرا الحق في العمل مع إضراره بإنتاج المصانع الصغيرة. وليس آخرا لأننا رأينا أن هذا القطع قد يقطع حقنا في البقاء على قيد الحياة كما رأينا في حوادث الأسانسيرات.

الحق في الصحة.. بين المواطن والوزارة

نظمي النقيب، مواطن من محافظة الغربية، يقول إن شركة كهرباء مدينه المحلة الكبرى تقطع الكهرباء عن مستشفى رمد المحلة الكبرى ٣ ساعات يوميًا، دون مراعاة للمرضى من كبار السن.

المواطن إسلام عامر اشتكى هو الآخر من قطع التيار عن مستشفى أبو الريش بالقاهرة يوم الخميس 6 يونيو، قبل أن تدخل أخته الصغيرة “ياسمين” غرفة العمليات، مضيفًا أن قطع الكهرباء ليس فقط “مروحة أو تكييف ولا حتى أسانسير، ولكنها حياة بشر”.

يأتي ذلك رغم تأكيد  وزارة الصحة والسكان عن استثناء جميع المستشفيات والوحدات الصحية على مستوى الجمهورية من انقطاع الكهرباء تمامًا، وتوفير مولدات احتياطية لجميع المستشفيات، لتوفير الطاقة الكهربية لها حال حدوث طوارئ وانقطاع للتيار الكهربى.

قطع الكهرباء والإجهاد الحراري

بحسب الأطباء، فإن مواجهة الإجهاد الحراري الذي يتزامن مع درجات الحرارة المرتفعة، خطير  لمرضى الأمراض المزمنة مثل، الضغط والسكري، وتتطلب كثرة الاستحمام بالماء الفاتر، والجلوس في أماكن ذات تهوية جيدة، وهو أمر لا يتحقق مع قطع الكهرباء الذي يتزامن معه في أحيان كثيرة انقطاع المياه، بسبب عدم تشغيل مواتير الرفع.

تقول الدكتورة آية علاء، مدربة إسعافات أولية في الهلال الأحمر المصري، إنَّ الحرارة الشديدة تؤدي إلى تعرق شديد وبعد فترة طويلة من كثرة فقدان الجسم للأملاح، يحدث له إنهاك حراري، ويؤدي لتداعيات سلبية.

انقطاع التيار خلال امتحانات الثانوية العامة التي بدأت هذا الأسبوع، أثار انتقادات الإعلاميين المقربين من الحكومة مثل، مصطفى بكري، الذي طالب باستثناء محافظات الصعيد من الأحمال في ظل امتحانات الطلاب.

الإعلامي عمرو أديب، قدم الطلب ذاته، باعتبار أسوان محافظة سياحية، وعدم تخفيف أحمال الكهرباء بها، بعدما زادت درجة الحرارة عن 50 درجة مئوية الأسبوع الماضي.

يقول أحمد أسامة، مُعلم، إن المشكلة تتفاقم مع رفض محطات البنزين بيع البنزين في جراكن؛ لاستخدامها في تعبئة مواتير توليد الكهرباء، وأنه اضطر أخيرًا لتأجير تريسكيل من أجل حمل المولد لمحطة الوقود، حتى يوافقوا على تعبئته بالبنزين من أجل تشغيله في أوقات انقطاع التيار في السنتر التعليمي المرخص الذي يعمل به، والذي سجله بالضرائب.

في العمارات السكنية التي تشهد توافر أنشطة إدارية، تتزايد معاناة القاطنين، فمع قطع التيار تتحول العمارة إلى كتلة صوتية من الإزعاج مع عمل جميع مولدات الطاقة الرخيصة في وقت واحد.

مع ارتفاع أسعار المولدات الكهربائية العازلة للصوت لمستويات تتجاوز الـ 100 ألف جنيه، في أعقاب تحرير سعر الصرف، تعتمد الأنشطة الإدارية والمحال التجارية والصيدليات على مولدات صينية شديدة الإزعاج باعتبار أن سعرها في المتناول ما بين 7 و15 ألف جنيه في المتوسط.

يقول محمد وليد، طالب، إن العمارة التي يقطن فيها مليئة بعيادات الأطباء، ومع انقطاع التيار تتحول إلى “كيان مزعج” مع تشغيل جميع العيادات مولدات مرتفعة الصوت، ويضطر للخروج إلى الشارع، حتى عودة التيار؛ فالإزعاج لايقل سوءا عن الحرارة.

الحق في العمل

بحسب أجاي بانجا، رئيس مجموعة البنك الدولي، فإن الحصول على الكهرباء هو أساس التنمية، فالكهرباء هي المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، كما إنها ضرورة لخلق فرص العمل على نطاق واسع.

تلقى اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، شكاوى من الشركات بالمناطق الصناعية بسبب؛ قطع التيار الكهربائي عنها، ما أدى إلى تراجع الإنتاج وزيادة تكاليف التصنيع بنسبة تصل إلى 20%.

بحسب الاتحاد، فإن قطع التيار الكهربائي أدى لتأخير توريد البضائع في الوقت المحدد لها، وبالتالي تفرض على الشركات غرامات مالية كبيرة، كما أن تشغيل الماكينات والآلات عندما تتوقف لمدة ساعتين، يستغرق وقتًا طويلاً للتشغيل، ما يتسبب في حدوث تأخير إضافي في عملية الإنتاج.

يقول ‏أحمد الباز، عضو مجلس الباحثين الشباب العرب، إن قطع الكهرباء يؤثر على شركات إقليمية صغيرة ومتوسطة، فتحت فروعًا لها في مصر لإدارة أعمال المقر الرئيسي للشركة بالدولة صاحبة المشروع، والتي قد تكون دولة خليجية أو أوروبية، ويتسبب الانقطاع المستمر في رفع تكلفة تشغيل فرع الشركة في مصر؛ نظراً لاضطرار الشركة للاعتماد على أجهزة توليد الكهرباء والإنترنت، مع العلم أن هذه الشركات افتتحت فروعاً في مصر للاستفادة من ميزة تكلفة التشغيل الرخيصة، إلا أن القطع المستمر للكهرباء، يتسبب في فقدان مصر لهذه الميزة التنافسية

وفقا للبيانات الحكومية، فإن قطع الكهرباء ساعتين يوميًا يوفر نحو مليار دولار، على اعتبار أن منظومة الكهرباء تحتاج كميات كبيرة من الوقود، وتستهلك وحدها ما يقرب من 60% من الغاز المصري.

أضاف الباز، إن الانقطاع المستمر للكهرباء يتسبب في تعطيل أعمال الشركات، حيث وصل عدد ساعات الانقطاع نحو 30% من مدة الدوام اليومي، وهو ما يؤثر سلباً في سيولة العمل، وتسليم المهام وشحن المنتجات المُعدة للتصدير.

قطاع السياحة.. عمالة كثيفة

يحذر الباحث من تأثير قطع التيار على قطاع السياحة، حيث قد يتسبب في دفع السائحين نحو إعادة النظر في مصر كوجهة سياحية لقضاء عطلة الصيف، وعلينا أن نأخذ العبرة من حالة لبنان، حيث تسبب الانقطاع المستمر للكهرباء في ضربات قاسية لقطاع السياحة، وفي ظل عدم إدراك السائح لملابسات انقطاع الكهرباء بمصر وأنها أمر مؤقت، فإن النتيجة واحدة في الحالتين بالنسبة له.

وكشف وليد البطوطي، مستشار وزير السياحة السابق، أخيرا عن انقطاع الكهرباء داخل المعابد الأثرية، قائلا: “المعابد بتبقى كحل من جوه، الموضوع بيتحول إلى حالة من الرعب، بنضطر نقول للجميع كله يقف مكانه، نعتمد على كشافات الموبايلات اللي معانا ومع السياح، والزيارة بتبوظ، والسياح بتمشي من المعبد قبل ميعادها”.

يتسم قطاع السياحة، بأنه قطاع كثيف العمالة، حيث يعمل ما يقرب من 12.6% من إجمالى قوة العمل بمصر في مهن، ترتبط بصورة مباشرة وغير مباشرة بالسياحة، مما يخفف من مشكلة البطالة، ويعمل على تحسين مستوى المعيشة.

الحق في الأمن

وحذر أحمد الباز، عضو مجلس الباحثين الشباب العرب، من مخاطر الأمن والسلامة التي سترافق التشغيل غير الواعي لأجهزة المولدات الكهربائية، بالإضافة لمخاطر وقوع ضحايا أثناء استخدام المصاعد في توقيتات انقطاع الكهرباء.

لا يوجد رقم رسمي لضحايا توقف المصاعد أثناء انقطاع الكهرباء، لكن بحسب التقديرات الصحفية هناك 6 ضحايا، آخرهم عازف الساكسفون السكندري “محمد علي نصر” و رجل الأعمال القاهري محمود خطاب، كما تكررت أكثر من مرة حرائق مولدات الكهرباء التي تنجم عن سوء الاستخدام على مدار العامين الماضيين.

الحق في الغذاء

انتقلت تأثيرات قطع الكهرباء للحق في الغذاء، فوفقا لثروت الزيني، نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن، فإن المزارع المنتجة للدواجن في الدلتا والمناطق المختلفة، تأثرت سلبا من عمليات قطع الكهرباء لتخفيف الأحمال في ظل ارتفاع درجات الحرارة، ما سبب ارتفاع أسعار الدواجن والبيض.

أضاف أن سعر كرتونة البيض ارتفع بنحو 17 جنيهًا، لتسجل مستوى 132 جنيها بدلًا من 115 جنيهًا، مع نفوق آلاف الفراخ بسبب قطع الكهرباء، مؤكدا على ضرورة التنسيق بين الحكومة واتحاد منتجي الدواجن لحل الأزمة، مشددا على تأثر المنتجين، وكان من المفترض أن يكون هناك تنسيق قبل اتخاذ قرارات تخفيف الأحمال.

الكهرباء حق أساسي كالمياه

منظمة هيومن رايتس ووتش قالت، إنه ينبغي للسلطات المصرية اتخاذ خطوات فورية وعاجلة لضمان حصول جميع السكان على تغذية بكهرباء مستمرة، ونظيفة وميسورة التكلفة، مع التركيز على زيادة قدرة التوليد من الطاقة الكهرومائية، والرياح، والطاقة الشمسية. فكلما كان الانتقال إلى الطاقة المتجددة أسرع، زاد توفير مصر للأموال، وخُلقت فرص عمل أكثر، وقلّت مساهمة مصر في أزمة المناخ.

وقال آدم كوجل، نائب مديرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش، إن انقطاع الكهرباء يقلص بشدة قدرة الناس على الحصول على حقوقهم، بما فيها الحق في الغذاء، والماء، والرعاية الصحية”.

أضاف أن الحكومة تعلم منذ فترة طويلة، أن صادرات الغاز الطبيعي المخطط لها تتعارض مع احتياجات المصريين من الكهرباء، ومع ذلك تفضل اللجوء إلى تقنين الكهرباء بدل الاستثمار في الطاقة المتجددة لتعويض الفارق، إذا اضطرت الحكومة إلى قطع الكهرباء، ينبغي لها على الأقل توزيع التقنين بالتساوي ودون تمييز.