لا زالت أصداء منح إجازة للعاملين بمناسبة عيد الأضحى المبارك مدة مجملها من الناحية العملية 9 أيام، يثير الكثير من اللغط والجدل في مصر، وذلك على المستوى الرسمى أي عبر الحكومة ومؤسسات قطاع الأعمال العام ووزارة القوى العاملة. وكذلك على المستوى الشعبي، ليس فقط من خلال ملايين من الناس الذين هم من العمال في القطاع الخاص أو الموظفين في دواوين الحكومة وقطاع الأعمال العام، بل على مستوى جمهور المواطنين، باعتبار هؤلاء هم المتأثرون بهذا الكم الكبير من الإجازات كمتلقين للخدمات المختلفة.

بداية، يتحتم أن نشير إلى قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، هو المنظم الرئيس لإجازات الموظفين في الحكومة وقطاع الأعمال العام، ويبلغ عدد المخاطبين بأحكامه وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والعامة والإحصاء في أكتوبر 2023، استنادًا لبحث أجرته وزارة القوى العاملة في الربع الثاني من ذات العام نحو 5385600 موظف تقريبًا. بينما قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، هو المنظم لعلاقات العمل الخاصة في كافة مؤسسات القطاع الخاص، ويبلغ عدد المخاطبين بأحكامه نحو 23356800 عامل تقريبًا.

هنا من المهم أن نشير إلى نصوص التشريع المصري، فيما يخص كل ما يرتبط بغياب الموظفين عن العمل. وما يهمنا تحديدًا هنا هو الإجازات العامة، أي التي يتفق على موعدها من الناحية الزمنية جميع العاملين بالدولة تقريبا، وهي الأعياد والمناسبات الرسمية التي تحددها الدولة المصرية.

فيما يتعلق بقانون الخدمة المدنية، تشير مواد الباب السادس، وهي بعنوان الإجازات (المواد46-56) إلى عديد الموضوعات التفصيلية. لكن ما يهمنا هو المادة 47 من ذات القانون، ويقول نصها: “يستحق الموظف إجازة بأجر كامل عن أيام عطلات الأعياد والمناسبات الرسمية التي تحدد بقرار من رئيس الوزراء. ويجوز تشغيل الموظف في هذه العطلات، إذا اقتضت الضرورة ذلك. مع منحه أجرًا مماثلًا مضافًا إلى أجره المستحق أو إجازة عوضًا عنها. ….”.

أما قانون العمل، فتشير مواد الباب الرابع وهي بعنوان الإجازات (المواد من 47-55) إلى عديد الأمور التى من خلالها تتحدد إجازات العامل. هنا تقول المادة 52 من القانون المذكور “للعامل الحق في إجازة بأجر كامل في الأعياد التي يصدر بتحديدها قرار من الوزير المختص بحد أقصى ثلاثة عشر يوما فى السنة. ولصاحب العمل تشغيل العامل في هذه الأيام، إذا اقتضت ظروف العمل ذلك، ويستحق العامل فى هذه الحالة بالإضافة إلى أجره عن هذا اليوم مثلي هذا الأجر.”

وهكذا يتبين، أن القانونين مختلفين في تفاصيل منح الإجازة خلال الأعياد والمناسبات الرسمية، فالدولة تقريبا تشجع موظفيها على الكسل أو التعطل عن العمل بدرجة أكبر من القطاع الخاص. وهذا الأمر إذا كان مبررًا في السابق، حيث كان دولاب العمل في الحكومة وقطاع الأعمال العام أكبر بكثير، عما هو الآن، فلم يعد مبررا الآن.

وفي تفاصيل ذلك نجد أن قانون الخدمة المدنية على عكس قانون العمل لم يضع سقفًا لعدد أيام إجازات الأعياد الرسمية. هنا نشير إلى أنه بالنسبة إلى العام 2024، فهناك إجازات أعياد ثابتة مدتها تسعة أيام هي عيد 30 يونيو، يوم رأس السنة الهجرية، 23 يوليو، المولد النبوي الشريف، انتصار 6 أكتوبر، القيامة المجيد، شم النسيم، يوم العمال، ميلاد السيد المسيح. فوق ذلك هناك خمسة أيام حددها رئيس الوزراء مدفوعة الأجر، تخصص لعيد الأضحى، وهي من السبت 15 يونيو إلى الخميس 20 يونيو 2024، وستة أيام لعيد الفطر من الثلاثاء 9 إبريل-الأحد 14 إبريل 2024. وهكذا أصبح موظف الحكومة وقطاع الأعمال يحصل على 21 يومًا إجازة (منها يومي جمعة وسبت توسطت إجازة عيد الفطر، ويوم سبت افتتحت به إجازة عيد الأضحى).

أما قانون العمل والمعني بتنظيم العمل في القطاع الخاص فقد وضع سقفًا مدته 13 يومًا، لمجمل الإجازات الرسمية التي تحددها الدولة في شأن الأعياد والمناسبات الرسمية، وما فوق ذلك فهو ليس من حق العامل، بمعنى أنه لو افترضنا أن إجازات العام 2024، هي التسعة أيام في الأعياد سابقة الذكر، فإنه يتبقى للعامل 4 أيام تخصص لعيدي الفطر والأضحى، وإذا قررت الحكومة غير الأربعة أيام المتبقية من الـ 13 يومًا المحددة في القانون، باعتبار الوزير المختص في قانون العمل هنا هو وزير القوى العاملة، فإن الإجازة تكون خصمًا من رصيد الإجازات السنوية للعامل. وهذا هو ما فعلته الحكومة إبان عيدي الفطر والأضحى الحاليين، إذ منحت العمال في العيد الأول إجازة من الثلاثاء 9 إبريل حتى الأحد 13 إبريل 2024، وأشارت إلى أن اليوم الأخير (الأحد) سيكون خصمًا من الإجازة السنوية. أما عيد الأضحي الحالي، فأشار وزير القوى العاملة إلى أن الإجازة الممنوحة للعمال هي خلال الفترة من السبت 15 يونيو إلى الخميس 20 يونيو 2024، شرط أن يحتسب يومي الأربعاء والخميس من رصيد الإجازات السنوية. وهكذا يبدو أن القانون أغفل تمامًا عن معالجة وضع العمال الذين استنفدوا إجازاتهم السنوية قبل إقرار إجازات الأعياد. فلم يقل هل سيتغافل عنها صاحب العمل، أم سيخصمها من الراتب، وهو الأرجح.

هكذا يتبين، إننا أمام فارق كبير بين موظفي الدولة والعاملين في القطاع الخاص، وأن الأول أصبح تقريبا عبئا على الحكومة برضاء كامل منها. بالطبع لم تقل الحكومة، أن هؤلاء منهم بطالة مقنعة أو عمالة زائدة، أو أنهم يذهبوا إلى العمل دون جدوى، ولم تقل إن هناك استغلال للكهرباء في تلك المؤسسات، وهو أمر يفوق في تقديرها فوائد تواجد الموظفين في أماكن عملهم، بعد أن أصبح قطع الكهرباء هو السائد هذه الأيام.

لقد كان بإمكان الدولة ألا تشجع موظفيها (موظفو الحكومة وقطاع الأعمال العام) على الكسل بأكثر من طريقة.

الطريقة الأولى: هو أن تخير الحكومة موظفيها بأن تكون إجازة عيدي الأضحى والفطر، كما حددتهما مع خصم يومين مثلا من رصيد الإجازات في كل عيد من الإجازة السنوية، أو خصمًا من الراتب، أو أن يقوم الموظفين بالالتزام باجازة يومين لعيد الفطر (الأربعاء والخميس 10-11   إبريل 2024) وثلاثة لعيد الأضحى (الأحد والاثنين والثلاثاء 16-19 يونيو 2024). هنا نذكر أن قانون الخدمة المدنية يتيح للحكومة ذلك، إذا يشير نص المادة 53 من القانون رقم 81 لسنة 2016 على أن “تكون حالات التراخيص بالإجازة بدون أجر على الوجه الأتي 1-….2- يكون للسلطة المختصة منح الموظف إجازة بدون أجر للأسباب التي يبديها ويقدرها السلطة المختصة ووفقًا لحاجة العمل”. والسلطة المختصة هنا يقصد بها الوزير أو المحافظ أو رئيس مجلس إدارة الهيئة بحسب الأحوال).

الطريقة الثانية والأكثر نجاعة، أن تقوم الحكومة حتى لا يتعطل دولاب العمل بمنح مدراء مؤسسات العمل المختلفة سلطة تقديرية؛ لتقسيم العمل بين الموظفين في أيام إجازات العيدين، فيمنح الجميع اليوم الأول والثاني إجازة، أما باقي الإجازة في كلا العيدين فيقسم لقسمين، يحضر نصف الموظفين في النصف الأول ونصفهم الثاني في النصف الثاني. هنا ستكون الاستفادة كبيرة من عدة جوانب.

فأولا: لن يتعطل دولاب العمل ولن تتعطل مصالح الناس في البنوك والبريد والشهر العقاري والمرور والأحوال المدنية وغيرها من المصالح الحكومية هذه المدة الطويلة.

ثانيًا: لن يتكدس الناس على المصالح الحكومية المعنية بتخليص أوراق المواطنين على شبابيك تلك المصالح عقب انتهاء الإجازة الطويلة التي قررتها الحكومة.

ثالثًا: ستوفر الحكومة نفقات وتدر عوائد، فهي لن تدفع رواتب لموظفين في البيوت، وسيدخل خزينة الدولة ضرائب ورسوم نظير تخليص مصالح الجمهور التي ستستمر في العمل، كما أن ضغط الكهرباء (وهو هدفها الرئيسي اليوم) سيتحقق بحضور نصف عدد الموظفين.

تبقى كلمة أخيرة وهي ضرورة تعديل قانون الخدمة المدنية فيما يتعلق بالمادة 47 التي تمنح الموظف حق النزول للعمل في أيام الإجازة الرسمية الأسبوعية (الجمعة والسبت) وفقًا لحاجة العمل، شرط منح الموظف ضعف الراتب عن هذا اليوم أو منحه إجازة ليوم مقابل. هنا يستغل عديد من مدراء العمل هذا النص أسوء استغلال، لأنهم لا يقومون بمنح الموظف مالا مقابل نزوله أيام العطلة الأسبوعية، بل يقصرون الأمر على الخيار الثاني وهو منح الموظف يوم بديل في وسط الأسبوع وهو ما يغضب الكثير من الموظفين، ومن ثم يتهرب الكثير منهم من مسئولية النزول للعمل إبان العطل الأسبوعية، حتى لو احتاج العمل ومصالح الجمهور ذلك.