باتت الحكومة بين خيارين كلاهما مر في التعامل مع نقص إمدادات الغاز، اللازمة لتشغيل محطات الكهرباء ومواجهة الغضب المتزايد، إزاء انقطاع التيار، خاصة بعد توقف شركات صناعية كبرى عن الإنتاج؛ بسبب نقص الوقود الوارد إليها.
توقفت مصانع شركة سيدي كرير للبتروكيماويات عن العمل؛ بسبب انقطاع غازات التغذية، ما يؤثر على الإنتاج في العديد من الصناعات الأخرى التي تعتمد على منتجها، باعتبار “سيدي كرير” شركة رئيسية في صناعة البولي إيثيلين ومادة الكلوريد البولي فينيل “PVC”.
مادة “PVC” إحدى المواد البلاستيكية المستخدمة على نطاق واسع في الصناعة لمقاومته الكيميائية العالية، وتدخل في مجالات مهمة مثل، النسيج المقاوم للماء، والستائر، وأغطية الحماية، واللوازم المكتبية، ومواد البناء، وغيرها.
أما البولي إيثيلين، فهو عالي الكثافة، ويدخل في إنتاج الأنابيب، خاصة أنابيب الغاز والحاويات والعلب ومستلزمات التعبئة والتغليف والألعاب، بجانب الأجزاء البلاستيكية للأدوات والأجهزة الطبية.
تكررت مشكلة “سيدي كرير” مع شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية، التي أوقفت مصانعها الثلاثة عن العمل؛ بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعي لها، مع ارتفاع معدلات استهلاك الطاقة بشكل غير مسبوق، وتوقف بعض مصادر إمداد الغاز الإقليمي، ما أدى إلى تأثر مخزون شبكة الغاز بالسلب.
تماشى البيان مع تصريحات مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء خلال مؤتمر صحفي أمس، أن زيادة فترات انقطاع الكهرباء سببها خروج أحد حقول الغاز بإحدى الدول المجاورة من الخدمة.
تزايدت المخاوف على الإنتاج المحلي، بعدما قال مصدر بوزارة البترول، في تصريحات صحفية أمس، إن القابضة للغازات الطبيعة “إيجاس” أوقفت إمدادات الغاز عن مصانع شركات البتروكيماويات والأسمدة، وخاصة شركة أبوقير للأسمدة، وأن الضخ سيعود تدريجيا نهاية الأسبوع الجاري.
خسائر البتروكيماويات.. الأسهم تتفاعل
في تعاملات البورصة أمس تراجع قطاع البتروكيماويات، إذ هبط سهم “أبو قير” بنحو 2.69%؛ ليسجل سعر السهم 54.33 جنيها، وسهم “موبكو “بنحو 1.54%؛ ليسجل سعر 44 جنيها.
كما هبط سهم شركة الصناعات الكيماوية المصرية “كيما” بنحو 0.41%، بينما تراجع سهم شركة سيدي كرير للبتروكيماويات– “سيدبك” بنحو 1.15%، وهبط سهم شركة مصر لصناعة الكيماويات بنحو 0.60%.
شكوى إنتاجية.. الأزمة تصل للمياه الغازية
انعكست المشكلات الإنتاجية لأبي قير على شركات عالمية، تعمل بمصر، إذ قدمت مجموعة “بيبسيكو العالمية” و”كوكاكولا هيلينك مصر” بشكويين للحكومة، تحذران فيها من أن مصانعها تواجه خطر توقف الإنتاج؛ بسبب وجود أزمة في إنتاج ثاني أكسيد الكربون بشركة أبي قير للأسمدة.
وثاني أكسيد الكربون، يستخدم من الدرجة الغذائية في تطبيقات تجهيز الأغذية مثل، التبريد والتجميد والتعبئة في الغلاف الجوي المعدل والنقل البارد، بالإضافة إلى صناعات المشروبات الغازية، ويسبب توقف إنتاجه فشل عمليات التبريد اللازمة لها.
الأسمدة.. المرة الثانية في شهر واحد
تعطل شركات الأسمدة هو الثاني خلال شهر واحد، إذ سبق أن توقفت شركات أسمدة وبتروكيماويات في الخامس من يونيو الحالي؛ بسبب تذبذب الضغوط في شبكة تداول الغاز مع زيادة معدلات الاستهلاك المحلي من الكهرباء؛ نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
وأكدت الشركات حينها، أن سبب التوقف هو إجراءات الصيانة الوقائية في جزء من شبكات تداول الغاز الإقليمية، ما أدى إلى عدم انتظام الضغوط في الشبكة، والتوجيه بإيقاف المصانع لفترة مؤقتة لحين استقرار ضغوط الشبكة.
وتوفر “موبكو” 25% من احتياجات السوق المحلية من اليوريا بالتعاون مع وزارة الزراعة من خلال ما يقارب 55% من إنتاج الشركة من اليوريا، ويتم تصدير باقي الإنتاج إلى أسواق أوروبا والأمريكتين وآسيا وإفريقيا.
كما توفر الشركة 60% من احتياجات السوق المحلية من الأمونيا من خلال بيع فائض الإنتاج من الأمونيا محليًا، ويتم تصدير باقي الكميات للأسواق العالمية.
ارتفاع مستوى التضخم.. أمر متوقع
تدور مخاوف في السوق، حاليًا، من أن يؤدي توقف “أبو قير للأسمدة” المؤقت للتأثير على أسعار الخضر والفاكهة، فهي مورد أساسي لكل سماد اليوريا محليًا للأراضي الزراعية والفائض يتم تصديره.
تعتبر شركة أبي قير للأسمدة أكبر شركة مصرية متخصصة في إنتاج الأسمدة النيتروجينية بطاقة إنتاجية تبلغ حوالي 2.3 مليوني طن سنوياً، 50% منها موجه للسوق المحلية، والباقي يتم تصديره للخارج.
وقال حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن توقف إنتاج شركات الأسمدة يرفع أسعار الخضروات والفاكهة بنسبة 25% لتزامنه مع أزمة يعيشها قطاع الزراعة؛ بسبب عدم صرف الأسمدة المدعمة لقطاع من المزارعين، ما رفع طن السماد في السوق السوداء إلى 20 ألف جنيه، والشيكارة لـ 850 جنيها.
واشتكى أبو صدام من زيادة كميات الأسمدة المصدرة للخارج على حساب السوق المحلية، وعدم التزام المصانع بتوريد الحصة المخصصة كسماد مًدعم والمحددة بـ 55% من إنتاجها، ما يؤدي لعدم وصول السماد المدعم للجمعيات الزراعية بالكميات والأوقات المناسبة، الأمر الذي يجبر الفلاحين على شراء الأسمدة من السوق السوداء.
وتوزع الأسمدة الكيماوية المدعمة على أصحاب الحيازات، والتي يقل عددها عن 6 ملايين حيازة، ويبلغ سعر الأسمدة المُدعمة 5 آلاف جنيه للطن، بينما يصل السعر في السوق الحر إلى 17 ألف جنيه.
وتجاوزت صادرات مصر من الأسمدة، ما قيمته 6 مليارات دولار عام 2023، وبحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، فإن السماد جاء بالمرتبة الثانية بين قائمة الصادرات المصرية بقيمة 3.4 مليارات دولار.
وأوضح أبو صدام، أن ارتفاع درجات الحرارة يجبر الفلاح على زيادة معدلات الري والتسميد، ما يؤدي لتزايد أمراض النباتات، ويزيد تكلفة الزراعات الصيفية، والتي أهمها الأرز والقطن والذرة مع تزايد استخدام المبيدات، خاصة أن المزارعين يواجهون مشكلة أخرى، تتمثل في درجات الحرارة المرتفعة التي تثير معها هجمات دودة الحشد، التي تبلغ أعباء مواجهتها 2000 جنيه للفدان الواحد.
وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”، فإن دودة الحشد عبارة عن آفة حشرية يمكن أن تصيب أكثر من 80 نوعًا نباتيًا، وتسبب ضررا بالغا لمحاصيل الحبوب الهامة اقتصادياً مثل، الذرة الشامية، والأرز، الذرة الرفيعة، وكذلك لمحاصيل الخضر والقطن، ويعتبر طور اليرقات لتلك الحشرة هو الطور الضار. وتقوم الحشرة بالتكاثر بعدة أجيال في السنة الواحدة، وتستطيع الحشرات الكاملة (الفراشات) الطيران لمسافات طويلة، تصل إلى 100 كم في الليلة الواحدة.