هل كان من الممكن تلافي موت أكثر من 600 حاج مصري، وما يزيد عن ألف حاج من جنسيات متعددة، لو قامت المملكة السعوديةــ وجهات أخرىــ بواجبها الطبي والإنساني تجاه الحجاج غير النظاميين؟

من التساؤل السابق، ينطلق الباحث شريف هلالي؛ ليقدم “ورقة موقف” حول ما حدث في الاراضي المقدسة خلال موسم الحج 2024، والذي لا يمكن تجاوز كونه مأساة حقيقية.

ورقة الموقف الصادرة عن مركز التنمية والدعم والإعلام “دام”، تلقي بالمسؤولية على جميع الأطراف التي لم تقم بواجبها في حماية حجاج بيت الله الحرام، في ظل ارتفاع أسعار الحج العادي والسياحي.

للاطلاع على ورقة الموقف كاملة:

أول هذه الأطراف ــ حسب الورقة ــ هي المملكة العربية السعودية، الدولة المنظمة لشعائر الحج، والتي لم تقم بواجبها القانوني في إسعاف وعلاج هؤلاء الحجاج الذين لم يجدوا من ينقلهم إلى المستشفيات أو إسعاف عاجل لحالاتهم.

ويرى الباحث، أنه لا يوجد سبب أو عذر لتهرب الدولة السعودية من دورها في إسعاف هؤلاء المواطنين، الذين دخلوا أرضها بشكل قانوني.

مؤكدا أن حماية الحق في الحياة هو التزام قانوني، وإنساني حتى لمخالفي القانون والمجرمين، فما بالك بأناس سعوا؛ لأداء إحدى الشعائر التي فرضها الإسلام لمن استطاع إليه سبيلا.

ثاني الأطراف المتورطة في المسؤولية هي بعض شركات السياحة المصرية التي فتحت الباب للحج بتأشيرة سياحية، وهي أقل من نظيرتها الخاصة بالحج، وبالتالي سمحت للمئات الذين يعانون من الضيق المالي بزيارة السعودية.

والطرف الثالث، هو بعثات مصر في الخارج وأبرزها السفارة المصرية في الرياض، والتي يتساءل الباحث بخصوصها، هل قامت بواجبها بالفعل في متابعة أوضاع الحجاج المصريين؟

وترصد الورقة خلفية الأحداث التي جرت تحت شمس الأراضي المقدسة في درجة حرارة، بلغت في الأيام الأخيرة من الحج من 15 ـ 20 يونيو 51,8 درجة مئوية في مكة المكرمة. وتراوحت درجات الحرارة في هذه الفترة بين 48 و52 تقريبا.

وكانت وزارة الصحة السعودية أعلنت، الأحد 17 يونيو، تسجيل “2764 حالة إصابة بالإجهاد الحراري، بسبب “ارتفاع درجات الحرارة بالمشاعر المقدسة، وعدم الالتزام بالإرشادات”. لكنها لم تعطِ أي معلومات عن الوفيات.

وحسب الإحصاءات، تجاوز عدد حالات الوفاة في صفوف الحجّاج هذا العام الألف حاج، بحسب حصيلة جمعتها وكالة فرانس برس، من سلطات دول عربية وآسيوية ودبلوماسيين، أشار أحدهم إلى أن معظم الضحايا لا يحملون تصاريح للحج.

وقال دبلوماسي عربي لوكالة فرانس برس، إن عدد المصريين المتوفين في الموسم الحالي إلى 658 على الأقل، بينهم 630، لا يحملون تصاريح للحج.

ويتوقف الباحث عند الإجراءات الجديدة التي فرضتها السعودية، والمتمثلة في قصر إمكانية أداء شعائر الحج، على من يحملون تأشيرة حج، دون من يحملون تأشيرة سياحة أو زيارة أو عمرة.

وكيف لجأ عدد من المصريين، كما عدد من الحجاج العرب لاستخراج تأشيرات زيارة للسعودية، وهذه التأشيرة غير مصرح لها بالحج.

وتكون المفاجأة أنهم عندما يدخلون مكة، يتم القبض عليهم واحتجازهم؛ بسبب عدم حملهم لتصاريح الحج التي من ضمن شروط أداء المناسك في السعودية.

وبالفعل، نفذت السلطات السعودية مداهمات للعمائر والفنادق في مكة والعزيزية بشكل متكرر، وترحيل المخالفين إلى جدة باستمرار، لمنع أية محاولات لأداء الحج بطرق غير نظامية.

كما شنت وزارة الحج حملات أمنية مكثفة في مساكن مكة ومداخلها الرئيسية والفرعية، واتخذت إجراءات مشددة تجاه، من يثبت معاونته للمخالفين مع تطبيق الغرامات المالية والإدارية والإبعاد الفوري من المملكة.

الوقائع المأساوية حدثت حسب عدة مصادر، يوم الصعود إلى جبل عرفات، حيث سمح للحجاج غير النظاميين بالذهاب إلى الجبل سيرا على الأقدام، ولأنهم غير نظاميين فلم تكن لهم عربات أو حافلات توصلهم، وتبلغ هذه المسافة حوالي ٢٣ كم، وبدأ الحجاج التحرك إلى عرفات فجرا، ليصلوا في ذروة الحر بين الظهر والعصر، فوجدوا كمينا من الأمن السعودي، منعهم من الصعود إلى جبل عرفات؛ لأنهم غير نظاميين، وعدد كبير من هؤلاء من كبار السن.

وأدى المشي في الحر والانتظار عند الجبل، بدون مظلات أو مياه أو خدمات، إلى تساقط أعداد كبيرة منهم بضربات الشمس، وهو ما سجلته مقاطع فيديو لجثث حجاج متوفين في الشارع.

تخلص الورقة إلى توصيات هي:

ـ على السلطات السعودية إجراء تحقيق عاجل في أسباب هذه الوفيات من خلال تشكيل لجنة مستقلة، تضم عدد من الأطباء المصريين، تختارهم نقابة الأطباء، لمعرفة أوجه القصور التي لم تتم مراعاتها والجهات المسئولة عن هذا القصور.

ـ دفع تعويضات عاجلة لأهالي الحجاج المتوفين والسماح لهم بزيارة موتاهم، وحضور إجراءات الدفن، إذا رضوا بدفنهم في المملكة.

ـ ضمان عدم تكرار ما حدث في هذا الموسم من الحج بوضع إجراءات دائمة للتعامل مع مشكلة تأشيرات الزيارة