“لن أوقع على مشروع قانون المالية لعام 2024، وسيتم سحبه لاحقاً، لقد قال الشعب كلمته”.

التراجع أعلنه بوضوح الرئيس الكيني وليام روتو، في خطاب متلفز وجهه أمس الأربعاء، للشعب كمحطة هي الأخيرة في سلسلة التراجعات الحكومية أمام الاحتجاجات، لكنها قد لا تكون الأخيرة أو النهائية في مسار الاحتجاج المرشح للتدحرج، والذي تصفه وسائل الإعلام الأمريكية بالـ “الاحتجاجات الدموية”، وتضفي عليه بعض مراكز الأبحاث الغربية سمات “الشبابية والرقمنة”؛ لتمنحه بعداً مؤنسن.

هل كان القانون سبباً أم تكأة؟

في مايو قدمت الحكومة الكينية للبرلمان “مشروع قانون المالية”، الذي تضمن زيادة ضريبة القيمة المضافة من 16% إلى 18% على معظم السلع والخدمات، وكذا زيادات في الضرائب على الوقود  والمكالمات والرسائل النصية، والإيجارات وأرباح العمل مع التطبيقات الإلكترونية مثل أوبر.

وبالتوازي مع جهود النقابات العمالية ووحدات المجتمع المدني، انطلقت الاحتجاجات والدعوات رفمياً، عبر منصات تيك يوك،وإكس، وبحسب الناشط والخبير أيوب موورا ــ الباحث في مركز ويتس للصحافة ــ استعانت الاحتجاجات الكينية على وسائل التواصل بالذكاء الصناعي، وولد الناشطون نماذج جي بي تي مخصصة للمساعدة في تثقيف جماهير أوسع، والإجابة على الأسئلة المتعلقة بفاتورة التمويل.

الرئيس الكيني المولود عام 1966، والمتحالف مع حزب التحالف الديموقراطي، هو أول رئيس انجيلي للبلاد، والذي سبق وأن سخر معارضوه، من مظاهر تدينه فلقبوه بـ “نائب يسوع”، يمتلك شخصية مقاتل، وسبق له الانتصار في معركة تبرئة اسمه من اتهامات بالعنف وجههتها له الجنائية الدولية، وقد بادر إلى اعلان رفضه للحراكات الاحتجاجية، وقال إن الزيادات الضريبية “ضرورية للدولة المثقلة بالديون”.

وشرح للمحتجين، أن “الخطة تتضمن تدابير لمكافحة البطالة في صفوف الشباب، وتسهيل الوصول إلى مستوى تعليم أفضل”.

تفسيرات روتو لم تكن كافية لـ “شباب الاحتجاجات” الذين أطلقوا هاشتاجات#احتلوا البرلمان# ورفضوا مشروع قانون التمويل 2024، ودشنوا حملات تبرع لتمويل انتقالات المحتجين لأماكن التجمعات!!

من الفضاء الرقمي إلى شوارع العاصمة، هبطت الاحتجاجات؛ لينجح المتظاهرون في اقتحام مبني البرلمان، و”قاموا بتخريب مقتنياته الداخلية، وإشعال النار في أجزاء من المجمع، كما تمت سرقة الصولجان الاحتفالي الذي يرمز إلى سلطة المجلس التشريعي”.

روتو اختار أالمواجهة، فأعلنت حالة الطوارئ، وتم نشر قوات الدفاع لتدعم الشرطة في مواجهة الاحتجاجات، التي أشاد بسلميتها قبل يومها المشهود في 25 يونيو الجاري.

استخدمت الشرطة القنابل المسيلة للدموع، وخراطيم المياه، وانتهت المواجهات الأولية بحصيلة بلغت 23 قتيلا و31 جريحا حسب الجمعية الطبية الكينية.

على منصة إكس برز اسم “حنيفة أدان” كمنظمة للاحتجاجات، وعلى حسابها الشخصي، كتبت داعية لتنظيم مظاهرة سلمية لتخليد ذكري الضحايا.

حنيفة قالت: “كل السلطة السيادية تعود لشعب كينيا.. لا يمكنكم قتلنا جميعاً”.

روتو اختار هذه المرة، أن يستبق الحراك؛ ليعلن أنه لن يوقع القانون وبالتالي لن يصبح سارياً.

السيناريو ذو الطابع “الربيعي الملون” يبدو غريبا انطلاقه بعد أيام قلائل من إعلان واشنطن، عزمها منح كينيا صفة “حليف رئيسي من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو)”؛ لتكون أول دولة أفريقية من جنوب الصحراء، تنال هذا التصنيف.

الإعلان تم خلال زيارة الرئيس الكيني لواشنطن في الأسبوع الأول من يونيو الجاري، حيث التقى الرئيس الأمريكي بايدن، ووصفت مجلة بوليتكو الأمريكية الزيارة، بأنها “استثنائية، معتبرة إياها رهانا لإدارة بايدن على “شراكتها العسكرية مع كينيا للمساعدة في قلب دفة الأمور في “سياسة البيت الأبيض المتعثرة تجاه إفريقيا، وحل الصراعات في القارة وخارجها”،

كينيا تستضيف على أراضيها قاعدة عسكرية أمريكية، تتركز مهامها في “محاربة الإرهاب” في الصومال، كما وقع الطرفان في سبتمبر 2023 اتفاقية تعاون دفاعي مدتها 5 سنوات، تستهدف إحلال السلام والأمن الإقليميين،

ردود الفعل الأمريكية والغربية كانت لافتة ..

حيث اعتبر متحدث باسم البيت الأبيض الأربعاء، أن الحق في التظاهر “يجب أن يحترم” من قبل السلطات الكينية.

الولايات المتحدة وأكثر من 12 دولة أوروبية الثلاثاء، وكذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وأعربت جميعها عن “قلقها” من أعمال العنف ودعت إلى الهدوء.

الرئيس يتراجع.. والمعارضة “لا تنسوا موتاكم”

من المواجهة، انتقل الرئيس الكيني الي محاولة الاحتواء، فأعلن “هناك حاجة لنا كأمة للانطلاق من هنا والذهاب إلى المستقبل”، مضيفا أنه سيعقد لقاءات مع الشباب في كينيا للاستماع إلى أفكارهم ومقترحاتهم.

وأرسل تعازيه لأسر”الذين فقدوا أحباءهم بهذه الطريقة المؤسفة للغاية”.

حنيفة رفضتــ فيما يبدوــ تراجع الرئيس، واعتذاره فغردت “لقد تم سحب مشروع القانون، ولكن هل يمكنكم إحياء كل من ماتوا؟”.

وأضافت “لا تنسوا، لا تغفروا”.