تثير أزمة الكهرباء تساؤلات حول مدى تحرك الحكومة في خطط زيادة الطاقة المتجددة، واستغلال المزايا الطبيعية لمصر التي تمتع بأنقى، وأقوى شعاع شمسي في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن معدل رياح عال في منطقة قناة السويس.

ووضعت الحكومة خطة؛ لرفع نسبة مصادر الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة بالبلاد إلى 42% بحلول عام 2030، مع توقعات بنمو قدرات الطاقة المتجددة بنحو 65% بحلول عام 2027.

لكن تشير خريطة إنتاج الكهرباء بمصر، إلى استحواذ الوقود التقليدي من المازوت والغاز والسولار على الحصة الكبرى، من قدرات إنتاج محطات الكهرباء، بنسبة تتجاوز 88% في عام 2023، مقابل 93% في عام 2021، في حين لا تتجاوز قدرات الطاقة المتجددة المركبة (الرياح والشمس والسد العالي) نحو 12% فقط.

من المفترض، أن يبلغ إنتاج مصر من الطاقة المتجددة 20% بحلول عام 2022، و33% بحلول 2025ـ، لكن لا تزيد الحصة الخاصة بالطاقة المتجددة من مزيج الطاقة حاليًا، على 10.6 ألف ميجاوات، من إجمالي الطاقة التي تبلغ 216.2 ألف ميجا وات.

بحسب تقرير الشركة القابضة للكهرباء للعام المالي 2022/ 2023 ارتفع إجمالي الطاقة المولدة على مستوى الجمهورية من إنتاج الطاقة المتجددة عن العام السابق 2021/ 2022 بنسبة تقل عن 1% (0.99%).

إمكانيات كبيرة لطاقة الرياح والشمس

ووفقًا لأطلس طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فإن مناطق شرق وغرب النيل لديها القدرة على إنتاج حوالي 31,150 ميجاوات من طاقة الرياح، و52,300 ميجاوات من الطاقة الشمسية.

تتمتع مصر بكمية كبيرة من إمدادات طاقة الرياح التي لا تنضب، خاصة فبشبه جزيرة سيناء والمناطق المحيطة بخليج السويس. تعد مصر من أهم الأماكن على وجه الأرض لحصاد طاقة الرياح، بسبب سرعات الرياح العالية والمتسقة، والتي تتراوح بين 8 و10 أمتار في الثانية على ارتفاع 100 متر، ووجود مناطق صحراوية كبيرة غير مأهولة، على مدى العقد الماضي، تطور تسخير طاقة الرياح بمصر.

كما تتمتع مصر بوفرة من الإشعاع الشمس، إذ تتلقى متوسط 3050 ساعة من ضوء الشمس سنويًا، وتتراوح الإشعاعات العادية المباشرة من 1970 إلى 3200 كيلووات ساعة /م2 سنويًا، ويتراوح إجمالي الإشعاع الشمسي السنوي من 2000 إلى 3200 كيلووات ساعة /م2.

تؤكد تلك البيانات، أن مصر لديها موارد شمسية استثنائية، يمكن تطبيقها على مجموعة واسعة من أنظمة، وصناعات الطاقة الشمسية، بما في ذلك محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية أو الطاقة الشمسية المركزة.

بحسب الدراسات، تمتلك مصر إمكانات طاقة شمسية، تبلغ 74 مليار ميجاوات في الساعة سنويًا، وفقًا للأطلس العالمي للطاقة الشمسية، ما يجعل مشاريع الطاقة الشمسية مجدية اقتصاديًا.

 معوقات إنتاج مصر من الطاقة المتجددة

قالت الوكالة الدولية للطاقة، في تقريرها حول صناعة الطاقة المتجددة عالميًا لعام 2022، إن الجهود المبذولة لإضافة قدرات جديدة من الطاقة المتجددة أعُيقت؛ بسبب “عدم اليقين بشأن خطط الحكومة لمشروعات المرافق المملوكة للدولة، والتأخير في نظام المناقصات التنافسية”.

أضافت أن الطاقة الفائضة أعاقت أيضًا تطوير مشروعات جديدة للطاقة المتجددة، مشيرة إلى أن إجمالي قدرات الطاقة المركبة (المتجددة وغير المتجددة) بالبلاد، تقترب من ضعف حجم الطلب وقت الذروة تقريبًا،  قالت الوكالة، إن نقص التمويل الخاص للمشاريع الجديدة شكل تحديًا آخر.

وفقًا للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، فإن الاعتماد على الطاقة المتجددة يؤدي إلى خفض التكاليف الإجمالية، بما في ذلك تكاليف الطاقة والبيئةوالتكاليف المرتبطة بالصحة بمقدار 9 مليارات دولار سنويًا في المتوسط، ​​مقارنة بخطط الطاقة الحالية.

يواجه إنتاج الطاقة المتجددة في مصر العديد من التحديات أولها، عمليات الموافقة المعقدة فالحصول على التصاريح والموافقات اللازمة وقتًا طويلاً ومعقدًا، ويشتمل على هيئات حكومية متعددة، ولا يزال تطوير البنية التحتية الكافية لدعم مشاريع الطاقة المتجددة، بما في ذلك توصيل الشبكة، يمثل تحديًا.

كما تواجه عقبات في تأمين التمويل لمشاريع الطاقة المتجددةرغم الحوافز الحكومية، وهوأمر صعب؛ بسبب المخاطر المتوقعة والتكاليف الأولية المرتفعة، علاوة على تقلبات السوق، إذ يخضع سوق الطاقة المتجددة لتقلبات في تكاليف التكنولوجيا، وأسعار الطاقة العالمية وتغييرات السياسات، ما قد يؤثر على جدوى المشروع، فضلاً عن مواكبة التقدم التكنولوجي السريع بمجال الطاقة المتجددة مع التوافق مع المعايير التنظيمية تحديًا كبيرًا.

 رهان على القطاع الخاص

 في 2022، ووقّعت الحكومة اتفاقيات مع شركات من القطاع الخاص؛ لتنفيذ مشاريع ضخمة لطاقة الرياح بقدرة 29.5 جيجاوات خلال انعقاد “كوب 27” نوفمبر الماضي.

تضمنت الاتفاقيات مشروعين لطاقة الرياح بقدرة 10 جيجاوات، من المتوقع أن يكونا من بين أكبر المشاريع في العالم، ومن المتوقع أن تتجاوز التكلفة الاستثمارية الإجمالية لهذه المشاريع مجتمعة 34 مليار دولار، لكنها في المراحل الأولى من التطوير، ولا تتوفر تفاصيل حول كيفية تمويلها.

حوافز مطلوبة لتنمية الطاقة المتجددة

يحتاج زيادة إنتاجية الطاقة المتجددة في مصر إلى العديد من الحوافز في مقدمتها، تعريفات التغذية وهذه هي الأسعار المضمونة، التي يمكن للمنتجين من خلالها بيع الطاقة المتجددة إلى الشبكة الوطنية، وتوقيع عقود طويلة الأجل، مما يضمن تدفق إيرادات مستقرًا، ويمكن التنبؤ به لمشاريع الطاقة المتجددة.

كما تتطلب أيضًا حوافز ضريبية، بتوفير إعفاءات من الرسوم الجمركية، وضرائب المبيعات على معدات الطاقة المتجددة المستوردة، وغيرها من المزايا المتعلقة بالضرائب؛ لتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة، مع تقديم الأراضي بأسعار مدعومة أو بشروط خاصة؛ لإنشاء مرافق الطاقة المتجددة، لا سيما في المناطق ذات الإمكانات العالية للطاقة المتجددة.

تحركات سريعة مطلوبة

يقول الدكتور طارق سعد عبد السلام، الأستاذ بكلية الهندسة جامعة عين شمس، إن مستثمري محطات الطاقة الكهروضوئية يحتاجون دراسات جدوى اقتصادية مفصلة من الشركات المختصة، ومع ذلك، لا تأتي هذه الدراسات على نحو مرض، حيث تغفل الكثير من التفاصيل، ولا تقوم بحساب فترة السداد بطريقة، تتسم بالمهنية والوضوح.

أضاف أن حساب الطاقة الشمسية بالغ الأهمية أثناء عملية التوليد، ويجب دراسته بإمعان. ومن هنا، تم استخدام العديد من التقنيات لحساب الطاقة الشمسية، ومنها تقنيات الذكاء الاصطناعي. كما تم تدريب الشبكات العصبية باستخدام قياسات الطقس المحلية وتحسن معدل دقة حساب الطاقة الشمسية باستخدام بيانات الأقمار الصناعية. وتم تطوير طريقة جديدة تسمى CIADCast، والتي تُستخدم لحساب الطاقة الشمسية على المدى القريب.

تقول الدكتورة إيناس إسماعيل، أستاذ إدارة الأعمال لكلية التجارة جامعة عين شمس، إن تطبيق تكنولوجيا الطاقة الخضراء قد حقق قدًرا من النجاحات في مصر، لكنها لا تزال قاصرة على التنمية التكنولوجية، ولم تحقق نجاحات على المستوى التجاري، كما أن ما تحقق من توفير الطاقة كان في حدود متواضعة، بسبب خوف المستثمرين من قدرة الدولة على الالتزام بالمستحقات المالية، وبالتالي انخفاض قيمة الاستثمارات في مختلف مراحل سلسلة القيمة الخاصة بقطاع الطاقة، بالإضافة إلى البيروقراطية.

وأشارت عدم وجود تشريعات تنظم المشاركة الفعالة للقطاع الخاص في استيراد المنتجات البترولية أو تصديرها، ومن  ثم المشاركة في تحقيق أمن الطاقة المنشود، وضعف آلية تشجيع اللامركزية في إنتاج الكهرباء؛ حيث يعتمد الوضع الحالي على مصدر واحد وشبكة واحدة لتوصيل الكهرباء، ولا توجد أي آلية لتشجيع توصيل الطاقة بأساليب مختلفة للأماكن النائية عن طريق اللامركزية في الإنتاج والشبكات متناهية الصغر.