كتب- الجيلاني محمد 

يوما بعد يوم، تتوسع رقعة الحرب في السودان، مع استمرار اجتياح قوات الدعم السريع لمناطق متفرقة من جغرافيا السودان تفعيلاً لنوايا معلنة من قبل قادة الدعم ، منذ نشوب الحرب في الخامس عشر من إبريل في السنة الماضية.

بالطبع لم تكن الحاميات والمواقع العسكرية هدفا رئيسيا، وقد أثبتت التطورات المتسارعة في السودان، شن قوات الدعم هجمات على مدن وبلدات خالية من المظاهر العسكرية؛ بهدف السيطرة على كل جغرافيا السودان.

وصاحبت الهجمات انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ضد المدنيين العزل، وارتكاب جرائم القتل الجزافي والنهب والاعتقال والتعذيب، إضافة للاغتصاب والتي تُكيَف جميعها قانونا، على أنها جرائم حرب مكتملة الأركان.

يوضح هذا التقرير مسئولية الأطراف المتحاربة، والنهج الذي استخدمته قوات الدعم السريع في الهجوم العسكري على مدينة سنجة بولاية سنار، وفق استراتيجيات التعامل السابقة لقوات الدعم السريع، استنادا على إفادات شهود العيان والآثار المترتبة على المدنيين، إضافة لردود أفعال الطرف الثاني “الجيش”، وكذا المجتمع الدولي والإقليمي لما لها من آثار هامة على الوضع الحقوقي، والإنساني في السودان في مقبل الأيام.

الموقع والجغرافيا والسكان:

سِنْجَة هي عاصمة ولاية سنار بالسودان على الضفة الغربية لنهر النيل الأزرق بارتفاع 439 مترا “1400 قدم”  فوق سطح البحر، وتبعد عن العاصمة الخرطوم بحوالي 360 كيلومتر، باتجاه الجنوب الشرقي، وعن مدينة سنار حوالي 60 كيلومتر، وتحد سنجة من الناحية الجنوبية قرية أم بنين، ومحلية أبو حجار الجديدة، ومن الناحية الشمالية محلية سنار، ومن جهة الغرب محلية الدالي والمزموم، ومن الشرق مجرى النيل الأزرق.

تبلغ مساحة محلية سنجة 750 كيلو مترا مربعا ، كما ويبلغ عدد سكانها حوالي 164.676 نسمة.[6] ويمثلون 27.6% من سكان ولاية سنار. كما تقع مقرات الفرقة 17 مشاة في وسط المدينة من ضمنها اللواء 67 واللواء 165.

تعكس البيانات والمعلومات السابقة الأهمية القصوى للمدينة، وحجم الكارثة المترتبة على هجوم قوات الدعم السريع، كما تبين الكثافة السكانية مدى الأضرار والانتهاكات الواقعة، وكلفة الأزمة وكيفية الاستجابة لها، وحماية المدنيين بشكل أساسي.

القتل الجزافي والغارات بالبراميل المتفجرة 

استهدفت قوات الدعم السريع جميع المدنيين، دون استثناء، وخاصة فئات النساء والشباب وأسر العاملين بالأجهزة الأمنية، فقد ارتقت روح الطفلة (دان عبد الله البشير)، كأول ضحايا المدينة، وهي ابنه ضابط بالجيش، تم تصفيتها بواسطة أفراد من الدعم السريع بعد مداهمة المنزل باحثين عن والدها.

ولقد ضاعف القصف المتبادل بين الجيش والدعم السريع معدلات الضحايا؛ فتسقط القذائف المدفعية الخفيفة والثقيلة على المدنيين، وضلت البراميل المتفجرة الملقاة من قبل طائرات الحربية للجيش أهدافها العسكرية، فأدت لدمار عشرات المنازل فوق رؤوس ساكنيها. هذا الأمر يخالف مبدأ التمييز والتناسب للأهداف العسكرية المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني وهي أحد المعضلات الأساسية في حرب المدن، حيث تحتمي قوات الدعم السريع بالمدنيين كدروع بشرية، مما يؤدى لسقوط القذائف لغير الأهداف العسكرية.

النزوح الجماعي لأهالي مدينة سنجة

النزوح الجماعي لأهالي مدينة سنجة

قبل أيام من الهجوم على سنجة، شهدت مدينة سنار معارك ضارية بين قوات الجيش بجانبهم مجندين من مواطني المدينة، يسمونهم (مستنفرون)، إضافة لتشكيلات عسكرية مختلفة نظامية غير نظامية، قاوموا هجوم قوات الدعم السريع، وهنا كانت البداية الفعلية للنزوح الجماعي إلى خارج الولاية، وهو ما فسرته إفادات النازحين التي أثبتت النهج المستخدم لطرفي الحرب في السودان، فالدعم السريع يرتكب منسوبوها جرائم عدة، يأتي أولها التهجير القسري، والنهب والتي عادة ما تصاحبها جرائم قتل، واعتداءات جسدية وجنسية.

النزوح الجماعي لأهالي مدينة سنجة

النزوح الجماعي لأهالي مدينة سنجةوأثبتت الإفادات أيضا النهج السابق لتعامل الجيش بالانسحاب الكامل واللجوء للقصف الجوي كأداة حرب، وهو ثاني أهم سبب للنزوح.

في 29 يونيو، تفاجأ المدنيون في سنجة باجتياح قوات الدعم السريع مدينتهم، قادمين عبر الطريق البري الطويل من مدينة سنار، وقامت القوات بالسيطرة على مقر الفرقة 17 مشاة، ورئاسة حكومة الولاية ومن ثمة بدأت سلسلة من الاقتحامات للمنازل والسرقات وفر على إثرها المئات سيرا على الأقدام لأيام متتالية.

نزح معظم سكان المدينة إلى ولاية النيل الأزرق في مدينة الدمازين تحديدا، وواجه النازحون ظروفا قاسية، اضطرت بعضهم لقطع نهر والمبيت في العراء ومجابهة مخاطر متعددة، وقد خلف الأمر آثارا مدمرة بناء على إفادتهم. كما أدى إخراج المرضى من المشافي إلى وفاة آدم شلبي 80 عاما، وتدهورت حالة المرضى بشكل كبير، وما زالت حياتهم مهددة بالخطر بعد تعطل الخدمات الصحية والعلاجية بالمدينة.

المدينة كانت تأوي أعدادا مأهولة من النازحين من مناطق مختلفة، منذ اندلاع الحرب، وتضاعفت أعداد النازحين بعد الهجوم على ولاية الجزيرة في ديسمبر من العام الماضي، مما خلف أوضاعا إنسانية غاية في السوء، مما يفتح تساؤلا هاما حول ضمان حماية الأشخاص المهجرين قسريا، وإيوائهم بما يضمن احترام وصون كرامتهم.

القانون الدولي، عرف التهجير القسري، بأنه إخلاء غير قانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها، وهو يندرج ضمن جرائم الحرب، وجرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، وقد عرفته مفوضية حقوق الإنسان السامية للأمم المتحدة، بأنه الإبعاد الدائم أو المؤقت للأشخاص، وأسرهم أو المجتمعات المحلية من المنازل أو الأراضي التي يشغلونها، ضد إرادتهم ودون توفير لأي شكل من أشكال الحماية القانونية، وتعتبر ممارسة الإخلاء القسري انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان، لا سيما الحق في السكن اللائق، وبناء على هذا، تعتبر قوات الدعم السريع متهمة قانونا بارتكاب جريمة، تضاف لسلسلة أفعالها السابقة.

النهب والسلب للمؤسسات الحكومية والمنازل:

منذ الساعات الأولى لدخول قوات الدعم السريع لمدينة سنجة، سارعت بالهجوم على الأسواق والمتاجر المختلفة، واعتدت على المدنيين داخل منازلهم؛ بغرض نهب الممتلكات، وصاحبت عمليات النهب حالات قتل جزافي، بلغت (9) حالات في اليوم الأول من دخول الدعم السريع للمدينة، وكما حدثت إصابات متفرقة للمواطنين في أحياء السلام، والإنقاذ وأركويت وفريق السودنة وحي الدرجة؛ بسبب مقاومتهم عمليات النهب والسلب للمنازل والمحال التجارية.

عرقلت عمليات النهب فرص إجلاء العديد من المدنيين، وخاصة المرضى كبار السن والنساء والأطفال، واستمرت حالة الانفلات الأمني الكامل في المدينة، والذعر الشديد، دون تدخل لمساعدة وحماية المدنيين.

وعبر أحد المتطوعين في غرف المساعدة الإنسانية عن عجزهم في تقديم العون؛ بسبب المضايقات الأمنية التي قامت بها الأجهزة الأمنية التابعة للجيش باعتقال عشرات من المتطوعين، والناشطين في العمل الإنساني الذين كانوا يواجهون تهما بالتخابر لصالح قوات الدعم السريع، مما تسبب في إغلاق العديد من الأنشطة التابعة لهم، وبالسؤال عن مصير المعتقلين لدى الأجهزة الأمنية، فقد جاءت إفادات بأنه قُبيل هجوم الدعم السريع على المدينة بساعات، أفرجت الاستخبارات العسكرية للجيش عن جميع المعتقلين في مقر الفرقة 17 مشاة.

إهدار الكرامة الإنسانية والاعتقال وطلب الفدية

احتجزت قوات الدعم السريع عددا من الشباب، دون أي مسوغات، وطلبت من ذويهم فدية وبعض المقتنيات كالذهب والهواتف، واضطر بعض الأهالي لجمع أموال الفدية، وفشل آخرون في تلبية طلبات القوات، مما يهدد حياتهم.

وقد استمعنا لإفادة ذوي أحد المعتقلين الذي اقتحمت قوات الدعم السريع منزله في أول ساعات الصباح، وقامت بتفتيش المنزل، ورغم حرصه على إخفاء ممتلكاته، إلا أن الدعم السريع اقتاد (3) أشخاص، وطلب فدية مقدارها مليون ونصف جنيه سوداني، وذهب وهواتف، وتمكنت الأسرة من الإفراج عن أحد المعتقلين، وظهرت آثار التعذيب على جسد المعتقل، ولا يزال مصير الشخصين الآخرين مجهولا.

المجتمع الدولي والإقليمي في سُبات عميق

تضاءل مستوى الاهتمام الدولي والإقليمي بالتطورات المتسارعة في السودان، وامتدادات الحرب إلى الجزء الجنوبي من الدولة، لا سيما توجهات الدعم السريع لتوسيع رقعة الحرب جنوبا، والمتوقع دخولها ولاية النيل الأزرق مع حدود دولة جنوب السودان.

إن ترك المدنيين يواجهون مصائر مجهولة، خاصة النازحين والوضع الإنساني المزري في الولايات المجاورة لسنار، يفتح الباب للتساؤل حول الموقف العام الخارجي المتفرج، دون أدنى إجراءات مساءلة عن الأفعال المجرمة في القانون الجنائي الدولي.