ضمت الحكومة الجديدة وزراء أكفاء، وأسماء ذات خبرة مهنية وعلمية كبيرة تماما، مثلما كان الحال في الحكومة السابقة التي ضمت كفاءات مهنية كبيرة لا غبار عليها، أبرزهم الدكتورة هالة السعيد، ووزير الكهرباء محمد شاكر وغيرهم، كما ضمت الوزارة الجديدة أسماء لامعة ذات تاريخ وكفاءة مهنية مثل، وزير الخارجية الجديد د. بدر عبد العاطي، الذي يعتبر ليس فقط دبلوماسي كفء، إنما أيضا لديه أيضا تاريخ علمي وبحثي، فقد عمل في بدايات حياته المهنية في مركز الأهرام للدراسات السياسية بجانب عمله كمتحدث باسم وزارة الخارجية في فترة حساسة ونجاحه في التواصل مع الجماعة الصحفية والإعلامية، بحيث اكتسب خبرات ومهارات أخرى بجانب عمله الدبلوماسي. أما وزير الأوقاف أسامة الأزهري، فهو أيضا نموذج للشيخ المثقف المستنير الدارس بعمق للفقه الإسلامي وأحكام الشريعة والمتمكن من التراث والمنفتح على قضايا العصر، بحيث ينطبق عليه تماما مقوله رجل الدين المستنير، كما أشاد كثيرون بكفاءة أحمد كوجك وزير المالية الجديدة، وهناك أيضا إشادات بكثير من الوزراء الجدد من حيث تاريخهم المهني وخبراتهم العلمية.
والحقيقة أن وجود الكفاءات في الحكومة السابقة والجديدة، لم ولن يحل بمفرده مشكلات مصر التي تحتاج إلى إرادة سياسية، تتحرك على مستويين الأول هو الاعتراف، بأن هناك أخطاء حدثت في المرحلة السابقة تتعلق أساسا بإدارة الملف الاقتصادي وأولويات التنمية في مصر، والثاني مرتبط بالأول بمعنى، إذا كان هناك إقرارا بوجود سياسات خاطئة، (وهو لم يحدث حتى الآن) فإن هذا سيعني ضرورة طرح سياسات جديدة تعلن الحكومة، أنها تنوي تطبيقها.
والمؤكد أن تغيير الوجوه يعطي رسائل إيجابية لأي مجتمع، فيعني ضخ دماء جديدة وروح جديدة، ولكنها تعتبر أشبه بالفرصة التي يمكن الاستفادة منها بتطبيق سياسات جديدة، أو إضاعتها بالاكتفاء بالنسيم الذي يلوح في الأفق عقب ظهور وجوه جديدة.
والحقيقة أن أبرز السياسات المطلوب مراجعتها تتعلق بالأداء الاقتصادي، والتي لم يأت على ذكرها خطاب تكليف الحكومة، إنما قيل كلام عام، يتعلق “بضرورة أن تلبي الحكومة احتياجات المواطنين، وتعمل على حل مشاكلهم”، وهي كلها عناوين، تصلح مع أي حكومة، فلم نشاهد مثلا مجموعة اقتصادية جديدة بفكر جديد، تقول إن برنامجها للإصلاح الاقتصادي يشمل النقاط أ وب و ج، وأنها تقر، بأن هناك سلبيات حدثت، وحتى لو لم تقل فعلى الأقل تقدم رؤى لسياسيات اقتصادية جديدة، سيفهم منها ضمنا، أنها ستعمل على تصحيح أخطاء الماضي.
إن هذا الإصرار على بناء هذا الكم من الطرق والمحاور بصورة فاقت بكثير، ما تحتاجه البلاد، وأن الهوس بالأبراج الضخمة والمدن الجديدة والمساجد والكنائس الكبرى، بدا وكأنه هو معيار التنمية والتقدم في الوقت الحالي، ولم نجد من داخل الدولة من يقول علنا، إن الحكومة الجديدة ستقوم بمهام جديدة، تختلف عما سبق، وستعيد ترتيب أولويات التنمية بشكل جديد.
لم يتحدث أحد على أن كل هذه الأمور ستحتاج مراجعة أو تعديل في المسار.
صحيح إن مبدأ الاستثمار في السياحة والعقارات والطرق والمدن الجديدة مقبول، لو أحسن التخطيط له وفق منظومة متكاملة تشجع على جوانب أخرى من الاستثمار وعلى رأسها الصناعة والزراعة، لكن اختزال المشاريع في الاستثمار فقط في مدن جديدة سواء كانت رأس الحكمة أو أي رأس أخرى أو العاصمة الإدارية، سيمثل مشكلة حقيقية لاقتصاد أي بلد سواء كان في مصر أو غيرها.
الاستثمار المنتج هو الذي تحتاجه مصر، لأنه بالقطع سيعني بناء منظومة جديدة، تحتاج كفاءة في الأداء وخطط علمية وتشريعات قانونية، تنفذ في الواقع وتشجع على الاستثمار والمنافسة الحرة.
دوران عجلة الإنتاج، وبحث مشكلات الصناعة والزراعة والمصانع المغلقة والمستثمرين الذين خرجوا من السوق، أو أغلقوا مصانعهم أو نقلوا استثماراتهم خارج البلاد، هو الذي سيخرج مصر من أزمتها، ويجعلها قادرة على حل مشاكلها الاقتصادية.
ولذا بدا غريبا إضافة وزارة الصناعة إلى وزارة النقل، لأنه سيعطي انطباعا، أن الصناعة أصبحت قضية هامشية، ويقودها وزير مع وزارة أخرى، وهو عكس المرجو، فهناك إجماع من كل الخبراء الاقتصاديين من كل الاتجاهات، على أن البلاد لن تخرج من أزماتها إلا بتطوير الصناعة، وجعلها قادرة على التصدير والمنافسة مع الخارج، وإن ضم وزارة الصناعة مع النقل لا يعطي رسالة، بأن الصناعة أصبحت أولوية قصوى للبلاد.
الحكومة الجديدة لن يكون لها صلاحيات سياسية، إنما هي ستدير البلاد وفق رؤية سياسية، تكرست على مدار عشر سنوات وتحديدا عقب التهديدات الوجودية التي تعرض لها الشعب المصري في ٢٠١٣، من عنف وإرهاب وهو الأمر الذي دفع الدولة إلى تبرير إغلاق المجال العام والمساحات الآمنة للتعبير عن الرأي تحت حجة محاربة الإرهاب، فغابت المحليات، وغيبت المشاركة الشعبية في أي خطة لتطوير الأحياء، وحوصرت الأحزاب في مقراتها، واكتفت بإصدار بعض البيانات، كما غاب أي دور يذكر للنقابات المهنية أو العمالية.
وبما أن الظروف قد تغيرت، والبلاد استقرت أمنيا، فإن المطلوب وضع قواعد جديدة وتدريجية تحكم عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي وتتحرك في إطارها الحكومة الجديدة.
غيرت الحكومة الجديدة في الوجوه، وضمت كفاءات لا غبار عليها مهنيا، لكن لا توجد مؤشرات حتى اللحظة، أنها ستتبنى سياسات جديدة أو قادرة على طرح سياسات جديدة.