كتب: الجيلاني محمد

مع اندلاع الحرب في ١٥ إبريل من العام الماضي بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع في الخرطوم، بدأت معاناة المدنيين السودانيين في رحلة الفرار بحثا عن مناطق آمنة.

العاصمة البالغ عدد سكانها قرابة الـ 30 مليونا، وفقا لآخر تعداد سكاني عام 2010 م، تأوي ثلاثة ملايين نازح داخليا من مناطق متفرقة كاقليم دارفورــ منذ حرب 2004م ــ تلتها موجات نزوح من ولايات جنوب كردفان والنيل الأزرق؛ بسبب النزاعات المسلحة والقبلية، إضافة لآلاف اللاجئين من دول جنوب السودان و سوريا و اليمن وإثيوبيا.

ويستضيف السودان 1.1 مليون لاجئ، يمثل اللاجئون من جنوب السودان أكثر من 70% (800,000 شخص) منهم، يليهم 126,000 لاجئ إريتري (11%). و(700.000) من دول اليمن وسوريا، بحسب مفوضية شؤون اللاجئين بالسودان، ما جعل الخرطوم مكتظة بالسكان، وبالتالي تضاعف مستويات النزوح و اللجوء.

مع الطلقة الأولى من معسكر قوات الدعم السريع  تجاه جنوب الخرطوم، بدأت موجات النزوح إلى الولايات الآمنة التي يسيطر عليها الجيش، وتشير الإحصائيات في بداية العام الحالي إلى نزوح 11 مليون شخص من منازلهم، لكن الحرب  سرعان ما لحقتهم؛  لتصل ولايات دارفور الخمس وولاية الجزيرة بوسط السودان، وإقليم كردفان ومؤخرا ولاية سنار، كما أدت حالة الذعر لفرار المواطنين، حتى الذين يعيشون في المناطق الآمنة.

إن تسارع امتداد الحرب فاقم الأوضاع الإنسانية، وتعثرت فرص المساعدة في استقرار السودانيين، ومحاولة إعادة حياتهم للشكل الطبيعي.

الحرب تسببت في لجوء قرابة 1.8 مليون سوداني، توزعوا على الدول المجاورة، فبلغ عدد اللاجئين إلى مصر (500.000)، وتشاد (553.000)، وإثيوبيا (70.000)، وجنوب السودان (102.000)، وليبيا (40.000)، وإفريقيا الوسطى (7.942).

ويفتقر معظم اللاجئين لسبل الحماية و المساعدة الإنسانية و القانونية، فضلا عن عدم وضوح الرؤية حول كيفية الاستجابة للأزمة.

وإضافة للأزمات التي تعاني منها الدول التي تستضيف اللاجئين السودانيين، يسلط التقرير الضوء على الأزمة والعوامل والآثار المترتبة ومسئوليات الأطراف المتحاربة، ودور منظمات المجتمع المدني والدور الدولي و الإقليمي.

الأوضاع الإنسانية للنازحين داخل السودان:

النازحون في السودان يعيشون في معسكرات ومراكز إيواء هي بالأساس عبارة عن  مدارس وجامعات ومعاهد ومبان حكومية ودور عبادة وجمعيات، وكلها تفتقر للأساسيات اللازمة لحياة النازحين،

ويعيش النازحون أوضاعاً إنسانية بالغة التعقيد، وتطرق المجاعة أبوابهم بشدة فهم على حافة مسغبة “الجوع مع التعب” حقيقية أحدثتها الحرب التي تدور رحاها منذ عام و نصف.

وهذه الأوضاع تتطلب تدخل المنظمات الإنسانية؛ لتقديم الإغاثة بصورة عاجلة، حتى لا تقع كارثة إنسانية، أشد فتكاً من رصاص الحرب التي شردت الملايين، وأحدثت هذه الأزمة الإنسانية.

في (إقليم النيل الأزرق)، يعيش حوالي 3000 نازح بمراكز الإيواء بمدينتي الدمازين والرصيرص، وغالبيتهم نزح من ولايتي الخرطوم والجزيرة، وهم يحتاجون لكل المعينات من أدوية وأغذية وأغطية، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف.

وبعض النازحين من ذوي الأمراض المزمنة، يعانون من عدم توفر الأدوية، مما يضطرهم للذهاب إلى ولايات القضارف، وكسلا والبحر الأحمر للحصول عليها.

كما يواجه النازحون في مراكز الإيواء بـ “ولاية نهر النيل” شمال السودان، واقعاً صعباً مع نقص الغذاء والدواء والمتطلبات الضرورية.

ويصطبغ الوضع العام للنازحين والقادمين من ولاية الجزيرة مؤخراً، بتعقيدات بالغة، فيما يخص نقص الأدوية والمعينات الأساسية، وبحسب تصريحات مفوض العون الإنساني، (يتبع لوزارة التنمية الاجتماعية) بولاية نهر النيل قال، إنّ الولاية استقبلت وافدين بسبب الحرب، يقدر عددهم بنحو مليون و980 ألفا، جرى توزيعهم على 288 مركز إيواء بالمحليات الست.

بين هذه المراكز 95 مركزا في مدينة عطبرة موزعة بين الأحياء المختلفة، و52 جمعية (زاوية)، و4 أندية رياضية، و39 مدرسة، فيما يبلغ عدد النازحين في المدينة أكثر من 15 ألف شخص بواقع 380 أسرة في حي الوحدة، و227 أسرة في حي النهضة، والثورة 58 أسرة، والمعمورة 45، والفردوس 63 أسرة، والسرور 218 أسرة، والكلية الطبية 45 أسرة.

إلى جانب ذلك، نزحت منذ بدء الحرب نحو 17 ألف أسرة لمدينة بربر (بولاية نهر النيل)، يوجد الكثير منها في مراكز الإيواء داخل المدارس والجمعيات، وغيرها وفق مصادر بالمحلية تحدثت لنا.

ووسط ظروف قاسية|، كما يؤكد (س ح)، الذي ترك منزله في الخرطوم، إن هناك مبادرات شبابية، وأخرى تقودها منظمة محلية، تقف مع الوافدين رغم إمكانياتها المتوسطة، لكنها تقوم بعمل كبير في المساعدة في توفير الغذاء والدواء، والاحتياجات الخاصة للأطفال والنساء.

وذكر عاملون في ثلاث جمعيات طوعية لإكرام الموتى في ولاية نهر النيل، إنهم قاموا بمواراة نحو 100 جثمان الثرى من الوافدين للولاية؛ بسبب الحرب خلال الشهرين الماضيين.

وتقول مصادر طبية في الولاية، إن نسبة كبيرة من أسباب تلك الوفيات بين كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة تعود لمعاناتهم من ضغوط هائلة، أثرت على صحتهم العامة، وتدهورت إلى أن فارقوا الحياة، فيما لا يجد كثيرون الرعاية الطبية التي يحتاجون إليها مثل الأشعة المقطعية التي توجد في شندي وعطبرة فقط، بجانب عدم وجود جهاز للرنين المغناطيسي بالولاية.

مسئولو اللقطة

مدينة شندي (ولاية نهر النيل)، تضم ستة مراكز إيواء، ويتواجد داخل كل مركز، ما لا يقل عن (150) أسرة، ويوجد عدد كبير من النازحين، يتوزعون في (داخلية على كامل) و(مباني التنمية)، و(مدرسة التفوق) و(مدرسة شندي الثانوية ) وفي (هيكل مربع (14)) و(دار الفلاحة)، ومستشفى (حوش بانقا)، حيث يعيش جميع هؤلاء النازحين داخل المراكز أوضاعا إنسانية صعبة، وبالكاد يحصلون على الغذاء والدواء وسط تجاهل تام من السلطات المحلية.

أخبرنا ( محمد) أنهم لا يحصلون على أي مساعدات من حكومة الولاية ولا من سلطات الولاية المحلية وان المساعدات التي يحصلون عليها تأتيهم من غرف الطوارئ سواء كان أكل او شرب أو دواء

وأضاف: “المسئولون لا يعيرونهم أي اهتمام باحتياجاتهم، وأنهم يحضرون إلينا ليأخذوا الصور فقط”.

وفي مدينة المتمة (ولاية نهر النيل)، ثلاثة مراكز إيواء يتوزعون مابين (داخلية كلية القانون) و(مدرسة سلمان الفارسي الأساسية) في السيال الكبير ومدرسة (السيال الصغير الأساسية).

أما (الولاية الشمالية)- دنقلا فيوجد فيها 21 مركز إيواء، ويضم حوالي 4,819 أسرة، وفي (الدبة)، مراكز إيواء وفي مروي فيوجد فيها 43 مركزا، وفي حلفا والتي كانت تضم 75 مركزا، منذ بدء النزاع، ولكن بعد ذلك تقلص هذا العدد الى 47 مركز إيواء، وتضم هذه المراكز، ما يزيد عن (2.325)، ويعيش هؤلاء حالة خوف دائم؛ بسبب عزم السلطات المحلية بفتح المدارس وإخلاء هذه المراكز، بحسب إفادات المواطن (س.ح)

وتستقبل مدينة بورتسودان الساحلية، والتي تقع شرق السودان على الساحل الغربي للبحر الأحمر، آلاف النازحين،  وبها  نحو 21 مركزاً للإيواء تتوزع بالمساجد والمستشفيات والمدارس والمتنزهات، لكن هذه الدور تفتقد لأبسط مقومات الحياة، فضلاً عن تكدسها بأعداد كبيرة من الأسر، ما يجعل غالبية قاطني هذه الدور يفضلون الجلوس في ظلال الأشجار نظراً إلى الازدحام داخل المراكز.

وهناك مراكز ذات مساحات صغيرة، لا تحظى بأي حماية أو إشراف، ولا يوجد من يوفق أوضاع ساكنيها، ويقف عند حاجاتهم اليومية من غذاء وعلاج.

وأوضحت الممرضة (و ع) العاملة في مستشفى المواني ببورتسودان، أن “المستشفى يستقبل حالات مصابة بالإسهال من أطفال ومسنين نازحين ومعظمهم من مراكز الإيواء”، وأرجعت ذلك إلى “عدم النظافة الكافية والتكدس، مما أدى إلى ظهور مشكلات صحية كثيرة، وهناك تخوف من تفاقم هذه المشكلات بالتالي تزايد الإصابات بالأمراض والأوبئة”.

وأشارت إلى قلق الأسر النازحة وشعورها بالحزن، إزاء الظروف السيئة التي يعيشها الأطفال، لا سيما أن بورتسودان تعاني من قطوعات مستمرة في التيار الكهربائي، وشح في المياه وارتفاع في درجات الحرارة والرطوبة.

وأخبرتنا المواطنة (ن أ) نازحة من الخرطوم، ومعها أربعة أبناء، أصغرهم يبلغ من العمر شهرين، أنها جاءت إلى مدينة بورتسودان ابتعادا عن الصراع الدائر في الخرطوم، وللبقاء إلى جانب أقربائها وبعد رحلة بحث عن سكن يلائم ظروفها وبعد مشقة، وجدت مركز إيواء للنازحين، كان قُبيل الحرب نادياً لممارسة الأنشطة الرياضية، تحول إلى دار لإيواء النازحين مع تفاقم الأزمة الإنسانية، ولقربه من مستشفى المواني.

وتابعت: “للأسف لم أجد في هذا المركز مكاناً يأويني وأطفالي الصغار، وبمجهودات شخصية، استطعت تجميع ما يلزم من مواد لتشييد مظلة صغيرة، نحتمي بها نهاراً من شدة الحر، وليلاً نفترش الأرض للنوم، لكن المشكلة أن الحشرات المنتشرة تؤرقنا.

وأردفت: “تعاني النساء اللاتي يتخذن من الشارع ملجأ لهن من التعرض للانتهاكات على مختلف أنواعها، إلى جانب خوفهن على الأطفال الذين أصبحوا في مهب المجهول بفعل التشرد واكتساب سلوكيات غير حميدة؛ نتيجة وجودهم في الشارع طوال الوقت.

الانتهاكات الواقعة على النازحين:

تظهر السلطات الحكومية في السودان عجزاً ملحوظاً عن تلبية احتياجات النازحين، حيث تعيش البلاد حالة اللا دولة، منذ اندلاع الحرب بعد توقف تام للجهاز المصرفي وحركة الاقتصاد، ومع ذلك تضع العراقيل أمام الجهات الراغبة في نجدة ضحايا الصراع المسلح.

ففي القضارف، أخلت السلطات المحلية  “بيت الشباب”، وهي بناية تتبع لوزارة الشباب والرياضة، تستغلها غرفة الطوارئ كمقر لها، تدير من خلاله شؤون 34 مركزاً لإيواء النازحين في الولاية، كما يقيم فيه بعض الفارين الذين يعانون من أمراض مزمنة كالقلب والسكري وبعض الأشخاص ذوي الإعاقة.

وأصدر والي القضارف في 9 نوفمبر 2023 م، قرارا بإخلاء عدد من دور الإيواء بناء على طلب جامعة القضارف بغرض استئناف الدراسة، وتنفيذا لقرار الوالي أخلت الشرطة مقرات، تضم أعداداً كبيرة من النازحين بالقوة المفرطة.

وتستضيف مدينة القضارف، ما يزيد على 270 ألف نازح، فروا من الحرب يقيمون في مراكز إيواء مؤقتة وسط ظروف إنسانية بالغة التعقيد.

وقد اتخذ الوالي هذا القرار التعسفي، دون توفير حل بديل للنازحين، أو حتى إخطارهم مسبقا.

شرطة لا ترحم

إلى ذلك، أفاد طبيب بمستشفى القضارف التعليمي، بأن طفلا رضيعا توفي اختناقا؛ بسبب الاستخدام المفرط للغاز المسيل للدموع. إضافة إلى حالات اختناق أخرى لعدد من الأطفال، وعدد من الإصابات بكسور وكدمات جراء الضرب بالهراوات.

وأكد عدد من النازحين، أن الشرطة تعاملت معهم بعنف مفرط، وأطلقت عليهم كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع، واعتدت على بعضهم بالهراوات.

وفي مطلع أكتوبر الفائت 2023 م، وجه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان بفتح المدارس في ولاية نهر النيل شمالي البلاد، وهي إحدى الولايات غير المتأثرة بالحرب.

ولاحقا، أعلن والي الولاية المكلف عن استعداده لفتح المدارس، وجاهزيته لسداد مرتبات العاملين وتشكيل لجنة لوضع الترتيبات اللازمة، وبعدها عاد وأمر بإخلاء دور الإيواء في 1 مايو 2024 بالقوة الجبرية.

وكانت نحو 27 أسرة نازحة تقيم في مدرستين بمدينة عطبرة، فيما تزال 15 أسرة تعيش في العراء وبين يوم وليلة، استيقظت 27 أسرة المقيمين بمدرستي (الحميراء للبنات، وبدر الكبرى بنين) على عنف مفرط من قبل القوات الأمنية التي أجبرتهم على مغادرة المدرستين بعد رفضهم خيارات الترحيل للقرية 6 المناصير أو الرجوع لأم درمان.

واستعملت القوات الأمنية العنف في مواجهة المعترضين على القرار، فيما اعتقلت فردين من المدرسة، أحدهم ظل في قسم شرطة الأوسط بعطبرة طوال أربع ساعات؛ بسبب رفضه المغادرة، واضطرت بعض الأسر من المدرستين إلى البحث عن حلول بديلة، فيما ظلت أكثر من 15 أسرة مرابطة في ساحة مكشوفة أمام المدرسة.

حيث قالت لنا المواطنة (ن ع)، إن وفدا من وزارة التربية حضر الى المدرسة صباح اليوم الذي تم فيه الإخلاء، وأخبرهم أن عربات الشرطة والأمن ستأتي للمساعدة على إخلاء المدارس وطالبوهم بإخلاء المدرسة، وبعدها حضر عدد أكبر من عساكر الشرطة المدججين بالسلاح الأبيض والناري، وهدموا الخيام الصغيرة التي شيدها النازحون.

المواطن ( ع ب) وبعد اعتقاله لأربع ساعات بالقسم أوسط عطبرة، والإفراج عنه، يقول إن الاحتجاز تم على خلفية عدم انصياعه للقرار واعتراضه “لماذا لم تخطرنا قبل مدة كافية؟”

وكانت السلطات في المدينة قد أخلت نازحين من مدرسة الشروق بنفس الطريقة، فيما اشتكى نازحون في مدرسة عباس بولاد بحي المطارمن حضور أفراد من الأمن إلى المدرسة في خطوة قد تكون استباقية لانتهاج نفس السلوك في الإخلاء.

لم تتوقف السلطات السودانية عند هذا الحد، بل امتدت لفرض قيود على وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وحرمانها من تصاريح الوصول إلى مراكز الإيواء لإبراز معاناة النازحين، كما بدأت حربا على مجموعات شبابية تطوعية، تعمل تحت مسمى “غرف الطوارئ” في مختلف مدن السودان، تساعد الفارين من نيران الصراع.

ويواجه الصحفيون السودانيون صعوبات بالغة في الوصول إلى مراكز الإيواء في ولايات البلاد المختلفة، حيث تحظر الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش عمليات التصوير بالكاميرات، والهواتف النقالة وإجراء المقابلات مع الفارين من الحرب، كما تفرض إجراءات امنية مشددة، واعتقالات لمخالفي الأوامر.

وفي بورتسودان تم إخلاء مدرستي الدفاع الجوي بنين وبنات اللتين كانت تأويان ما لا يقل عن 270 أسرة، تم طردهم وتحويلهم إلى مكان آخر في إحدى المدارس، والتي لا تسع لهذا الكم من الأسر وبعضهم وزعوا على خيم.

مقابلات

ومن أجل الوقوف على أوضاع النازحين القادمين من ولاية جنوب كردفان، وما واجهتهم من مصاعب في طريق وصولهم إلى هنا، أجرينا عددا من المقابلات.

النازحة (ع.ب) وهي أم لستة بنات، أفادتنا بالآتي (أنا في الأساس، كنت ساكنة الخرطوم، وبعد الحرب، نزحت إلى مدينة العباسية تقلي بولاية جنوب كردفان، حيث مسقط رأسي أنا وبناتى، ومكثت هناك فترة، وبعدها تغير الوضع إلى الأسوأ، هناك في قرية تبسة بالقرب من العباسية (تبعد حوالى 3 كم عن مدينة العباسية تقلي) في معسكر تابع للحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو (فصيل متمرد على الجيش)، وشرقا بمنطقة جبل أبودوم أيضا، يوجد معسكر للحركة الشعبية جناح مالك عقار. بدأ إطلاق نار من هذه الأطراف المذكورة، ونحن في وسطهم والجيش أيضا بالقرب منهم، وحدث انفلات أمني كبير، ظهرت جماعات مسلحة تنهب المواطنين في الشوارع والبيوت. بعد ذلك نزحنا إلى مدينة (أم روابة) في ولاية شمال كردفان، وبعد ذلك مدينة كوستي (ولاية النيل الابيض)، ثم مدينة سنار والدمازين والقيسان (ولاية النيل الأزرق)، ثم الى دولة إثيوبيا.

الرحلة استغرقت معنا تقريبا أسبوعين أو أكثر، واجهتنا في الشارع، ونحن جايين هنا، إشكالات كتيرة في نقاط التفتيش اعتداءات وأحيانا احتجاز. حتى وصلنا هنا، وسجلونا لاجئين، ووزعونا في الخيام. وموضوع الإغاثة يتم الصرف بالشهر في البداية، ولكن لا يكفي حتى لأسبوع واحد والوضع هنا صعب جدا.

أجرينا مقابلة أخرى مع النازحة (ر.م)، وجاءت إفادتها كالآتي، (أنا أم لطفلين، وزوجي عسكري بالجيش، جينا من (أبوجبيهة)، مدينة في ولاية جنوب كردفان، وكان معي أبنائي وآخرين، وقد تحركنا بعد الحرب بشهر تقريبا، والوضع عندنا هناك قبل الحرب، لم يكن مستقرا، وبعد الحرب أصبح أسوأ، واضطررنا لترك بيوتنا، ونزحنا محلية التضامن (بولاية شمال كردفان بعدها إلى ولاية النيل الأبيض، وثم ولاية سنار، ثم مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق، إلى أن وصلنا دولة إثيوبيا. وهذه الرحلة الطويلة؛ بسبب وجود فصائل عسكرية كثيرة في الطريق. وفي إثيوبيا تم استقبالنا في البوابة، وتم تسجيلنا كلاجئين، ووزعونا في المخيمات. وقاموا بصرف إغاثة بداية كل شهر، لكن لا تكفي إلا لأيام قليلة.

أيضا تقابلنا مع النازح (ع.ع)، وأفادنا بالآتي: جئت معسكر شيركولي من جنوب كردفان منطقة العباسية تقلي بعد بداية الحرب، وامتدادها إلى مناطق أخرى، وأنا طالب، كنت بالخرطوم، ولكن سافرت قبل اندلاع الحرب إلى مسقط رأسي العباسية تقلي، وبعد بداية الحرب، واستمرارها وامتدادها، حتى منطقتى بين الحركة الشعبية والجيش بمحلية العباسية، نزحنا أنا وأسرتى وأسر ثانية إلى ولاية سنار، مكثنا أيام عديدة، ثم واصلنا إلى الدمازين، حتى دولة إثيوبيا في الطريق، تم احتجازنا عدة مرات، أنا وشباب لآخرين من قبل استخبارات الجيش. لكن تم إطلاق سراحنا إلى أن وصلنا الى هذا المعسكر، وتم تسجيلنا في بوابة الاستقبال، وتم توزيعنا على المخيمات.

وتعيش مئات الأسرة السودانية الفارة من جحيم الحرب داخل إقليم الأمهرة، والذي يعاني من حالات انفلات أمني ناجمة عن الحرب بين الحكومة الإثيوبية، وجبهة تحرير تيجراي، والتي أسهمت في تردي الوضع الإنساني، والأمني داخل الإقليم.

اللاجئون

لاجئون سودانيون في تشاد

أجمعت التنبؤات التي سبقت اشتعال الحرب بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع على كارثية نتائجها حال حدوثها على إقليم دارفور المثخن بجراح الحرب الأولى، والتي خلفت أزمة إنسانية، ما تزال آثارها حاضرة حتى الآن، مئات الآلاف من النازحين واللاجئين توزعوا على عشرات المعسكرات داخل وخارج السودان، ضاعفت الحرب الجديدة التي اندلعت العام الماضي في 15 إبريل من أعداد اللاجئين من سكان الإقليم لدولة تشاد.

بدات حركة اللجوء بعد لحظات من انطلاق الرصاصة الأولى، حيث اندلعت العمليات العسكرية في ولايات الإقليم جنوب ووسط وغرب دارفور على نحو خاص، وولاية غرب دارفور، وحاضرتها مدينة الجنينة، وتصاعدت مستويات العنف على نحو مروع على أساس الهوية، وجد المواطنون أنفسهم مضطرين للنزوح من مناطقهم إلى مناطق أخرى آمنة.

بدأت حركة اللجوء من وسط وجنوب دارفور متجهين نحو الحدود الغربية للوصول إلى دولة تشاد، وقد سبقهم في ذلك عدد كبير من سكان مدينة الجنينة، حيث وصل أول فوج من اللاجئين للأراضي التشادية بتاريخ 15 يونيو 2023م.

استمر اللجوء حسب إفادة اللاجئ “م ر” من مدينة الجنينة، حيث وصلها هو وأسرته وعدد كبير من سكان مدينة الجنينة بتاريخ 23 يونيو العام الماضي، وقاموا بنصب عدد من الخيام بمجهودات ذاتية، واستمر تدفق اللاجئين، حتى تم نقلهم إلى منطقة أدري التشادية، وهي تبعد حوالي 50 كيلو داخل أدري.

وتم إعداد أربعة معسكرات لاجئين، وهي معسكر (أرونق)، ويطلق عليه أيضا (أبوتنقاي)، ومعسكر (ميجي)، ومعسكرين آخرين.

داخل المعسكرات، يعاني اللاجئون من دارفور إلى تشاد من أوضاع إنسانية قاسية متمثلة في ضعف الخدمات المتعلقة بالعلاج، فقد اضطر النازح (م ر) إلى قطع عشرات الكيلو مترات، حتى تضع زوجته ابنتها التي ولدت في مستشفى داخل مدينة أدري التشادية، وعادت مرة أخرى مع الطفلة إلى المعسكر؛ ليواجهوا مع بقية النازحين قلة المياه، والطعام وعدم توفير خدمات الكهرباء، إلا في نطاق محدود داخل المعسكر، وكذلك انعدام الشبكة إلا على بعد كيلو مترات من المعسكر فوق قمم الجبال.

لم يضع وصول اللاجئين إلى الأراضي التشادية، وايوائهم داخل المعسكرات نهاية لآلامهم، فقد تبعتهم الانتهاكات داخل المعسكرات، فقد أخبرنا (م ر) أنهم في بداية وصولهم إلى معسكر أرونق أو أبوتنقاي، قامت مجموعة قبلية تسمى (الميما)، أو الميمي، كما ينطقها بعض اللاجئين في تشاد بقتل ثلاثة نازحين، وتم ضبط محاولات عديدة منهم للتسلل إلى المعسكر، كما تقوم هذه المجموعة أيضا بقطع طريق النساء اللواتي، يخرجن لجلب الحطب من أجل إشعال النار لصناعة الطعام، حيث اعتدوا على عدد 6 نساء من معسكر (ميجي) بالاغتصاب، وكذلك الاعتداء على عدد كبير من النساء بالضرب من المعسكرات الأربعة.

لاجئون سودانيون في معسكر شيركولي بإثيوبيا.

Sherkole Refugee camp

معسكر شيركولي هو أحد أقدم معسكرات اللجوء بدولة إثيوبيا، حيث يأوي آلاف اللاجئين الفارين من ويلات الحروب من دول مجاورة لإثيوبيا.

يقع هذا المعسكر بإقليم بني شنقول الواقع على الحدود مع دولتى السودان، وجنوب السودان من الناحية الغربية. ويبعد حوالي 80 كم عن مدينة أسوسا عاصمة إقليم بني شنقول.

اللاجئون السودانيون متواجدون هنا منذ حرب الجنوب ودارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وأخيرا حرب 15 من إبريل 2023.

بعد اندلاع الحرب الأخيرة، وامتدادها لتشمل ولايات عديدة، لجأت أعداد كبيرة من السودانيين من كل المناطق، ولا سيما ولاية جنوب كردفان في يوليو ٢٠٢٣ م، إلى دولة إثيوبيا.

بدأ النزوح الى الولايات الآمنة داخل حدود السودان، إلى ان وصلوا إلى إثيوبيا، حيث مروا بولاية شمال كردفان، ثم النيل الأبيض، ثم سنار ثم النيل الازرق ثم عابرين للحدود إلى إثيوبيا. حيث معسكر شيركولي في بني شنقول.

وقد فر ما يقارب (800) شخص من ولاية جنوب كردفان في الفترة من يوليو ٢٠٢٣، إلى ديسمبر ٢٠٢٤ م،  جميعهم يعانون ظروفا إنسانية حرجة ومن بينهم مرضى، وأطفال ونساء.

لاجئون سودانيون في مصر

حسب الإحصائيات الرسمية هناك 500 ألف لاجئ سوداني في مصر من بداية الحرب، وهي الأعداد المسجلة لدى مفوضية الأمم المتحدة، بينما تتواصل رحلات الهجرة غير الشرعية عبر الطريق البري بين شمال السودان، وجنوب مصر والتي عادة ما تبدأ من مدن (عطبرة – بورتسودان – حلفا – دنقلا – العبيدية)، والتي تقل العشرات يوميا الأمر الذي يجعل التحقق من الأعداد الحقيقية للاجئين السودانيين غاية في الصعوبة.

ينقل مهربو البشر اللاجئين عبر الطريق البري الطويل لمدة 3 أيام للوصول إلى مدينة أسوان المصرية.

روى لنا (احمد) وهو لاجئ عن رحلته التي استغرقت 4 أيام من مدينة عطبرة عن طريق سيارة دفع رباعي معه 15 آخرين، وقال إن الرحلة محفوفة بالمخاطر، وظللنا مهددين بالموت عطشا وجوعا؛ لعدم وجود موارد مياه واستراحات في الطريق، واضطررنا للمبيت تحت أشعة الشمس ثلاثة أيام، وشاهدت في الطريق سيارات متعطلة (مصرية- سودانية)، والتي في بعض الأحيان، تفقد فرص المساعدة، مما يؤدى لمفارقة ركابها الحياة، وذكر أحمد، أن ثمن الرحلة بلغ 300 ألف جنيه سوداني “حوالي 500 دولار”، وأضاف أن درجات الحرارة تصل إلى 45 درجة، مما يضاعف من مهددات الرحلة.

في يونيو المنصرم، لقى سبعة سودانيين، من بينهم ثلاث نساء، وأطفال حتفهم في الصحراء بعد تعطل السيارة التي تقلهم إلى الحدود المصرية، وتعرض آخرين للسطو من قبل عصابات، أصبحت منتشرة على الشريط الحدودي بين الدولتين، بالإضافة لجرائم كالقتل والابتزاز والسرقة والنهب على طول الطريق البري.

يواجه اللاجئون صعوبات في الحماية القانونية، وتقنين الأوضاع؛ بسبب تكدس مقار المفوضية في مدينة القاهرة والإسكندرية وذلك لعدم قدرتها استيعاب تدفق اللاجئين، والقدرة التشغيلية المفوضية في التسجيل الفارين من الحرب، وتحديد موعد المقابلة.

ورحلت مصر 700 سوداني خلال الفترة السابقة، لم يوفقوا أوضاعهم.

وتواجه السلطات المصرية صعوبات أخرى؛ بسبب التكدس والعدد المهول للاجئين على أراضيها، ورغم ذلك يتمتع اللاجئون السودانيين في مصر  بحقوق الإقامة داخل المدن، دون لجوء للعيش في مخيمات ومراكز إيواء.

ويفتقر اللاجئون السودانيون في مصر للحماية الإنسانية الكافية، فمعظم منظمات الإغاثة غير قادرة على تغطية العدد المهول، مما ينذر بأزمات إنسانية معقدة في حالة عدم تدخل المجتمع الدولي، والإقليمي لتحمل العبء الكبير والاضطلاع بمسئولياته.

مسئولية الأطراف المتحاربة والحكومة السودانية والمجتمع الدولي:

هذه الأزمة هي نتاج النزاع المسلح بين الجيش، والدعم السريع والفصائل التي تقاتل لجانبهما، وعدم التزامهم بالقانون الدولي الإنساني الذي يكفل حماية الأشخاص بموجب اتفاقية جنيف الثالثة، والتي تحرم القتال وسط المدنيين، وحمايتهم وعدم التعرض لممتلكاتهم، وقد خالف الطرفان المتحاربان جميع القوانين والأعراف التي تنظم الحرب، مما تسبب في تهجير الملايين قسريا.

الدعم السريع مسئول عن احتلال منازل المواطنين، والاحتماء بها، وحظرت قوات الجيش عبر الحكومة من عاصمتها الإدارية في بورتسودان وصول الإغاثة الإنسانية بفرض قيود على حركة الإغاثة، وهو ما لم يلتزم به الطرفان في اتفاقية جدة التي تعبر عن احترام القانون الدولي الإنساني.

أيضا يتحمل أطراف الحرب في السودان مسئولية التضييق على منظمات الإغاثة الدولية في منح التراخيص اللازمة لمزاولة الأنشطة، وتقييد تأشيرات الدخول للمسئولين عنها، بالإضافة للاعتداء على العاملين بالحقل الإنساني مثل، حدث الاعتداء على قافلة الصليب الأحمر بالخرطوم، كانت تقوم بإجلاء لاجئين، وأدى إطلاق النار من قبل الجيش لمقتل اثنين، وإصابة سبعة آخرين في 11 ديسمبر 2023 م، بحسب تصريح للصليب الأحمر بالسودان.

هذه الحادثة ألقت بظلالها على أنشطة الصليب الأحمر، ومنظمات أخرى كمنظمة أطباء بلا حدود، التي اتهمت بالتعاون مع قوات الدعم السريع وبالتالي فإن طرفي الحرب في السودان، أفقدوا السودانيين حتى فرص المساعدة و النجاة.

وقد أخفقت جميع المساعي الرامية إلى وصول المساعدات الإنسانية رغم الضغط الدولي، والإقليمي على الطرفين المتحاربين، مما تسبب في موت العشرات من المواطنين؛ بسبب الجوع ونقص المياه بعد توقف جميع الخدمات الأساسية، بسبب المعارك داخل المدن.

كما تمارس بعض المخالفات في توزيع الإغاثة رغم شحها، وضاعفت الممارسات التي تقوم بها مفوضية العون الإنساني، وهي التمييز السلبي، والسطو على الإغاثة وبيعها في الأسواق، مما يفقد الدولة ثقة المانحين رغم حاجة المواطنين العاجلة الملحة للإغاثة.

وقد فشلت جميع المساعي التي اقترحت طرقا بديلة لتلقي المدنيين الإغاثة عبر مطارات، ومواني خارج السودان. هذا الإخفاق ساهم بشكل كبير في فرار الملايين، وفقدانهم الأمل في الحياة في ظل استمرار المعارك.

أن أزمة النازحين داخلياً واللاجئين خارجيا تظل هي العامل الأهم لقياس الآثار المترتبة على الحرب في السودان.