تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، اجتماعًا مساء اليوم الخميس لحسم أسعار الفائدة، الاجتماع يأتي بعد إرجاء صندوق النقد الدولي، النظر في صرف شريحة قرض قيمتها 820 مليون دولار لمصر من 10 يوليو الجاري حتى 29 منه.
تميل التوقعات نحو تثبيت “المركزي” للفائدة على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75% على الترتيب، وكذلك الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75%.
كان صندوق النقد قد أكد حاجة البنك المركزي المصري إلى استمرار اتباع سياسة نقدية متشددة (إبقاء الفائدة مرتفعة)، وعدم التعجل في خفض الفائدة، على المدى القصير بهدف خفض معدل التضخم نحو المستوى المستهدف.
بحسب المتحدثة باسم الصندوق، جولي كوزاك، فإن المجلس التنفيذي للصندوق أرجأ النظر في صرف شريحة القرض لوضع اللمسات النهائية على بعض التفاصيل المتعلقة بالسياسات، مضيفة أن مثل هذه التأجيلات ليست بالأمر غير المعتاد خلال الظروف الصعبة، لكنها لم توضح السياسات التي تقصدها.
تباطؤ معدل التضخم بعيد عن المستهدف
ووفق بيانات للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، تراجع معدل التضخم للشهر الرابع على التوالي في يونيو، ليصل إلى أدنى مستوى له منذ 17 شهرا عند 27.5% بالمدن مقابل 28.1% في مايو السابق عليه، رغم ارتفاع أسعار الخبز المدعم من 5 إلى 20 قرشًا للرغيف في الفترة الزمنية ذاتها.
لا تزال معدلات التضخم ـــ رغم تراجعهاـ بعيدة عن مستهدفات البنك المركزي لمعدل التضخم عند (7 ± 2)% أي ما بين ( 5 و9%) خلال الربع الأخير من العام الحالي.
وقال الخبير المصرفي محمد عبد العال، إن معدل التضخم العام والتضخم الأساسي شهدا تباطؤًا ملحوظًا، إلا أنه على الرغم من هذا التباطؤ، فإن مستويات التضخم لا تزال أعلى من المستهدفات التي وضعها البنك المركزي.
يرصد الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء التضخم العام، بينما يُعِد البنك المركزي التضخم الأساسي، الذي يستبعد السلع التي تتعرض للتغير الموسمي، مثل السلع الغذائية، بجانب السلع المُسّعرة إداريًا من جانب الحكومة، ولذلك يكون معدل التضخم الذي يصدره “المركزي” أقل من الناتج عن “التعبئة والإحصاء” في غالبية الأحوال.
وأضاف عبد العال أن البنك المركزى منذ شهر مارس الماضي يتبنى سياسة نقدية شديدة التقييد، مستخدمًا كافة الأدوات المتاحة للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة. سواء حينما رفع الفائدة بمقدار ٨٠٠ نقطة أساس خلال النصف الاول من العام الجاري، أو من خلال آليات السوق المفتوح، حينما قبل من البنوك فائض أموالهم بشكل مطلق، وبسعر العملية الرئيسية، بهدف امتصاص السيولة وتقليص المعروض النقدي، ولإعطاء الفرصة للبنوك لتوظيف فوائضهم قصيرة الأجل في وعاء يمنحهم متوسط عائد مرتفع.
وسحب البنك المركزي، أول أمس الثلاثاء، نحو 1.12 تريليون جنيه من فائض السيولة لدى البنوك في عطاء الوديعة الأسبوعية للعائد الثابت 27.75%، للسيطرة على حجم السيولة المتداولة في الأسواق المحلية، كجزء من استراتيجيته لمكافحة التضخم.
أظهرت بيانات من البنك المركزي المصري، أخيرًا ارتفاع المعروض النقدي “ن 2” في مصر 27.2% على أساس سنوي في مايو الماضي إلى 10.352 تريليون جنيه مصري مقابل 8.140 تريليون جنيه في الشهر نفسه من العام الماضي.
المعروض النقدي عبارة عن القوة الشرائية التي يمكن استخدامها للحصول على السلع والخدمات بداخل الاقتصاد، ويتكون من النقود المتداولة خارج القطاع المصرفي، أي الأموال التي توجد خارج خزائن البنوك، والودائع الجارية بداخل القطاع المصرفي.
تحسن الاقتصاد رغم الفائدة المرتفعة
وفقا لعبد العال فإنه رغم أن السياسة التقييدية برفع أسعار الفائدة بغرض مواجهه التضخم، تؤدى حتمًا (على المستوى النظري)، إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، إلا أن تطور الأمور عمليا يؤكد أن هناك تحسنا إيجابيا وملموسا ببعض مؤشرات الاقتصاد المصرية، من بينها تحسن مؤشر مديري المشتريات عن شهر يونيو ليلامس حد التوازن بين النمو والانكماش حيث سجل ٤٩,٩٠ نقطة (نقطة التوازن عند مستوى 50).
تحسن الاحتياطي بالنقد الأجنبي لدى البنك المركزى إلى أعلى مستوى تاريخي خلال يونيو 2024 مسجلاً 46,348 مليار دولار، وكذلك تحول صافي عجز أصول الجهاز المصرفي من سالب إلى موجب ليسجل فائضاً بنحو 14.29 مليار دولار للمرة الأولى منذ 28 شهراً بنهاية مايو الماضي، مما يعكس تحسنا كبيرا في أداء القطاع المصرفي، بجانب انخفاض الدين الخارجي لمصر بنهاية الربع الأول من العام الجاري ليصل إلى 160.607 مليار دولار، مقابل 168.034 مليار دولار في الربع المنتهي في ديسمبر 2023.
التثبيت الخيار الأرجح
يتوقع عبد العال لجوء “المركزي” لتثبيت الفائدة لمراقبة تأثير السياسات الحالية على التضخم، وفي الوقت نفسه دعم الاقتصاد عبر تحاشي زيادة أعباء الاقتراض الحكومي والخاص، موضحًا أن التثبيت يوازن بين السيطرة على التضخم والنمو الاقتصادي بعد التباطؤ الأخير في معدلات التضخم.
أجمع 11 بنكًا استثماريًا على أن البنك المركزي سيبقي سعر الفائدة دون تغيير خلال اجتماعه الخامس هذا العام “المقرر اليوم”، رغم تباطؤ وتيرة التضخم مؤخراً، وذلك بهدف امتصاص الزيادات المتوقعة في أسعار الوقود والكهرباء.
وفي خضم تعليقه على نية الحكومة الجديدة رفع أسعار الكهرباء والمحروقات، قال مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، أخيرًا، إنه لا سبيل أمام الدولة سوى التحرُك التدريجي في أسعار بعض الخدمات، وذلك في طريقها لإصلاح المنظومة الاقتصادية والمالية.
وحال خفض الفائدة، يقول عبد العال إن البنك حينها سيسعى لتحفيز النمو الاقتصادي وتخفيف عبء الدين على الحكومة والقطاع الخاص، مع المخاطرة بارتفاع معدلات التضخم مرة أخرى، وزيادة التحديات في تحقيق استقرار العملة والأسعار.
خفض الفائدة.. خيار مستبعد
استبعد بنك الاستثمار العالمي «مورجان ستانلي» أن يلجأ البنك المركزي المصري لخفض أسعار الفائدة إلّا بحلول اجتماع لجنة السياسة النقدية في فبراير 2025، مضيفا أنه رغم أن معدل التضخم في مصر مستمر في التراجع خلال الشهور الماضية، إلا أنه يتوقع أن يستمر عند مستويات مرتفعة حتى الربع الأول من 2025، ولا مجال للتيسير النقدي “خفض الفائدة” الآن.
يضيف عبد العال أن رفع الفائدة يٌضيق أكثر على السيولة في السوق للحد من التضخم القائم، وتحسبًا لإمكانية خلق موجات تضخمية محلية مع الأوضاع الجيوسياسية بالمنطقة، واستمرار السياسات النقدية الدولية المتحفظة تجاه التضخم العالمي، لكنه يزيد الضغط على الاقتصاد، ويرفع تكلفة الاقتراض لكل من الحكومة والقطاع الخاص، وقد يسفر عن تباطؤ النمو الاقتصادي.
ويقول محمد النجار، الخبير الاقتصادي، إن البنك المركزي المصري سحب سيولة تصل إلى أكثر من ١١ تريليون جنيه من البنوك منذ مارس الماضي، تقترب من ٦٠٪ من إجمالي ودائع البنوك، والهدف الأساسي لهذا الإجراء مكافحة التضخم.
وأوضح أن أكبر مجال لتوظيف ودائع البنوك حاليًا هو أذون وسندات الخزانة وودائعها لدي البنك المركزي، والذي بدوره يدفع عليها فوائد سنوية ضخمة، ما يشكل مكسبا شديد الضخامة للبنوك دون مجهود حقيقي، وتساءل النجار: كيف سينمو الاقتصاد بشكل حقيقي في مجالات استثمارية من صناعة وزراعة وتكنولوجيا ولوجيستيات؟