في بيان رسمي على لسان مصدر رفيع المستوى، أعلن البنك المركزي تراجع الدين الخارجي لمصر ليسجل 153.86 مليار دولار أمريكي في نهاية مايو 2024، مقابل 168.03 مليار دولار أمريكي في نهاية ديسمبر 2023، بانخفاض قدره 14.17 مليار دولار، بنسبة تقدر بحوالي 8.43%.

يثير التراجع الذي يعد الأكبر في تاريخ المديونية الخارجية، تساؤلات حول الأسباب خاصة مع تزامنه مع ارتفاع صافي الاحتياطيات الأجنبية لدى المركزي لأعلى مستوياته عند 46.38 مليار دولار في يونيو 2024، بزيادة 13.26 مليار دولار منذ شهر أغسطس 2022.

مطلوب بشرط

تقول الدكتورة عالية المهدي، خبيرة الاقتصاد، إن التراجع سببه تحويل 11 مليار دولار من ودائع الإمارات في مصر إلى جنيه مصري في صفقة راس الحكمة، فضلاً عن بيع أصول وزيادة تحويلات العاملين المصريين بعد تحرير الجنيه، ودخول رؤوس أموال ساخنة للسوق.

تضيف أن تلك الحصيلة استخدمت في سداد جزء من الديون، وهو أمر مطلوب، وتوجه خفض المديونية، لا بد استمراره من قبل الدولة، لكنها عادت، وأكدت أن المصادر الأربعة سالفة الذكر، لا يوجد فيها مورد مستدام إلا تحويلات العاملين المصريين.

وفقا لبيان المركزي، فإن الأرصدة الحالية للاحتياطي يمكنها تغطية نحو 7 إلى 9 أشهر من قيمة الواردات السلعية الأساسية للدولة، ما يؤمن احتياجات البلاد لفترة، تتجاوز المستويات الآمنة، خاصة مع وجود نمو وصفه بـ ”الهائل” في تدفقات النقد الأجنبي للسوق المحلية بزيادة نحو 200%، متضمنة ارتفاعا بأكثر من 100% في تحويلات المصريين بالخارج، مقارنة بمستوياتها قبل توحيد سعر الصرف.

تشدد المهدي، على أن الدولة يجب عليها الاجتهاد في زيادة مصادرها الذاتية الأخرى مثل الصادرات والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر، لأنه من الصعب الاعتماد على الصفقات في علاج مشاكل الاقتصاد، فضلاً عن الحذر من رؤوس الأموال الساخنة فمصيرها الخروج ومعها الأرباح قريبا.

هل تعويم الجنيه السبب؟

ووفقا للبنك، فإن نجاح القرارات التي أسماها بـ”الجريئة” للسياسة النقدية منذ أغسطس 2022 في السيطرة على معدلات التضخم داخل السوق المصرى، ووضعها على مسار هبوطي مسجلة تباطؤا بشكل كبير إلى مستوى 27.5% في يونيو 2024، وهو أدنى معدل منذ فبراير عام 2023، مما يسهم في استقرار الأسعار محليًا وتقليص الضغوط على الأسر المصرية، وتعزيز الثقة في العملة المحلية وبيئة الأعمال والاستثمار للاقتصاد المصري.

يعزو البنك تحول عجز الأصول الأجنبية للبنك المركزى إلى فائض قدره 10.3 مليارات دولار في يونيو 2024، مقارنة بعجز 11.4 مليار دولار في يناير 2024، كما تحسن أيضًا صافي الأصول الأجنبية للبنوك؛ ليسجل 4.6 مليارات دولار خلال مايو الماضي، مقارنة بسالب  17.6 مليار دولار في الشهر ذاته من العام الماضي.

وشدد البنك المركزى على وجود تحسن كبير بمنحنى العائد على سندات مصر الدولارية أجل يناير 2027، حيث تراجع من 22.86% في أكتوبر 2023؛ ليصل إلى مستوى 9.2% في يونيو 2024، بفارق بلغ حوالي 13 نقطة مئوية، الأمر الذي يساهم في تقليص تكلفة الاقتراض من الأسواق الدولية عند الحاجة، ويبرهن على ثقة المستثمرين الدوليين في الإجراءات الإصلاحية.

محظوظ

لكن محمد النجار، المحلل المالي، يرى أن محافظ البنك المركزي كان محظوظا بصفقة رأس الحكمة مع الإمارات التي ضخت ٣٥ مليار دولار مرة واحدة، بالإضافة لعمليات بيع أصول ساهمت في زيادة ضئيلة للاحتياط، وسداد جزء من الديون وأقساطها وتحسن في الموازين، بدون حدوث تغيير حقيقي في الأداء الاقتصادي.

وحذر النجار، من أن عودة الأجانب لأدوات الدين الحكومية المصرية ليس إنجاز الحكومة، لكن مجرد استفادة مؤقتة للأجانب من استقرار مؤقت لسعر الصرف، وأسعار الفائدة المرتفعة.

بحسب المركزي، تحسنت عقود مبادلة مخاطر الائتمان لأجل “1 سنة” بحوالي 2333 نقطة أساس بين شهر مايو 2023 ويونيو 2024؛ لتبلغ 346.3 نقطة أساس، في دلالة على تراجع مخاطر أدوات الدين الخاصة بالدولة المصرية، وزيادة الثقة من جانب الأسواق العالمية في قدرة الاقتصاد المحلي على الوفاء بالالتزامات الدولية، الأمر الذى ساهم في حدوث تحسن إيجابي كبير في نظرة وكالات التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري وتعديل توقعاتها المستقبلية بعد توحيد سعر الصرف خلال مارس 2024.

“مبادلة مخاطر الائتمان”، هي عقود تسمح لمشتريها بشراء” التأمين ضد احتمالية تخلف المقترض عن السداد، ويقبل بائع مبادلة مخاطر الائتمان مخاطر التخلف عن السداد مقابل قسط التأمين.

في مارس الماضي، أعلنت وكالتا “موديز” و”ستاندرد آند بورز” للتصنيف الائتماني تعديل نظرتهما المستقبلية لتصنيف مصر إلى “إيجابية” بفضل إمكانية تحقيق المزيد من التحسن في الوضع الخارجي لمصر، والتخفيف من حدة النقص بالعملات الأجنبية، وتعويم الجنيه بما يساعد في دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي، وبمرور الوقت دعم خطة الحكومة لضبط أوضاع المالية العامة.

السياسة النقدية وحدها لاتكفي

يقول الخبير الاقتصادي هاني توفيق، إن السياسة النقدية للبنك المركزي تستحق التحية مع ارتفاع الاحتياطى النقدي إلى رقم تاريخي، وخفض الدين الخارجي بـ 14 مليار دولار، وعودة تحويلات المصريين، والسيطرة على سعر الصرف، وأخيراً ارتفاع اسعار سندات مصر الدولارية.

لكن توفيق يؤكد، أن السياسة النقدية وحدها لاتكفي، وانما هى محور واحد من محاور الإصلاح الاقتصادي الشامل، التى تتضمن أيضاً السياسة المالية والاصلاح الهيكلي، فيجب ألا يزيد نمو الدين عن نمو الدخل، ويجب ألا يزيد نمو الدخل عن نمو الإنتاجية، ويجب توجيه كل السياسات لتعظيم الإنتاج والإنتاجية.