مع كل قذيفة يطلقها الجيش الإسرائيلي على غزة، تتهاوى منازل وحيوات أهالي القطاع، وتتهاوى معهم حقوقهم الأساسية من الغذاء، للمياه، للمسكن، للصحة، بل وحتى حق الفلسطينيين في الحياة الذي يعد أكثر الحقوق أصالة، أصبح مهددا بشكل يومي في ظل تلك الأزمة الإنسانية المروعة.

لقراءة الملف كاملا:

هذا فضلا عن التدمير الوحشي للبيئة، والموارد الطبيعية في غزة، وما يتبعه من تلوث للتربة، والمياه والهواء، مما يتسبب في الإضرار بحقوق الأجيال الفلسطينية الحالية، والقادمة، في الموارد الطبيعية، والهواء النظيف والصحة والمياه والغذاء.

كما أن هذا العقاب الجماعي الذي يتعرض له المدنيون في غزة، ينافي بشكل صارخ جميع قواعد القانون الإنساني الدولي.

وعلى الرغم، من أن جميع النخب السياسية في المنطقة، والعالم كثفوا اهتمامهم تجاه الأزمة في غزة، إلا أنها كشفت عن عدم مبالاة تلك القوى، بمبادئ وقيم حقوق الإنسان قدر، ما تشغلهم مصالحهم، وحكام الخليج مثلوا أبرز نموذج على هذا.

سياسات وجهود حكام الخليج، انصبت على محاولة احتواء الأزمة في غزة بأسرع وقت ممكن، ولكن هدفهم لم يكن حماية، أو ضمان حقوق أهالي القطاع، ووقف الأزمة الإنسانية، وإنما هدفهم الأساسي هو حماية مصالحهم السياسية، والاقتصادية من تبعات انتشار الحرب.

قد ينخدع البعض من بيانات الدول الخليجية المعلنة حول حرب غزة، فإن كان بعضها يبدي في الظاهر اهتماما بحقوق الإنسان، فباطنها يحمل دوافع وحسابات سياسية واقتصادية بالدرجة الأولى.

البيان الأول للإمارات– والبحرين أيضا– أدان هجوم حماس؛ بسبب استهداف الحركة لمدنيين إسرائيليين خلال الهجوم على منشآت عسكرية في مستوطنات الغلاف.

البيان الإماراتي لم يكن تعبيرا عن إيمان بحقوق الإنسان، وقواعد القانون الإنساني الذي يحمي المدنيين، أيا كان أصلهم أو جنسيتهم.

هذا البيان الإماراتي، كان مدفوعا فقط بأغراض سياسية؛ بهدف إرضاء الحكومة الإسرائيلية، والحفاظ على المصالح المشتركة مع إسرائيل، وليس انشغالا بحقوق المدنيين الإسرائيليين العزل الذين وقعوا ضحية لهجوم حماس.

كما أن البيان تجاهل عمدا وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق تاريخي، فلم يشمل البيان إدانة سياسات الاحتلال المروعة، ضد الشعب الفلسطيني التي استمرت بالتراكم، حتى ولدت مثل هذا الهجوم العنيف في السابع من أكتوبر.

أما بيانات الرياض، فقد تبنت موقفا علنيا في مظهره اهتمام بحقوق الشعب الفلسطيني، ولكن في الواقع تلك البيانات لا تعكس إلا حسابات الرياض السياسية الرامية؛ للحفاظ على نفوذها، وسلطتها الرمزية في العالم الإسلامي والعربي، والهادفة أيضا؛ لوقف تصاعد شعبية طهران في المنطقة.

إضافة إلى محاولة احتواء الغضب الشعبي، (ثم لحقتها باقي الدول الخليجية بالمثل، للدوافع والتوازنات نفسها). فخلف الجدران، الرياض وتل أبيب وواشنطن، يجلسون بفارغ الصبر؛ منتظرين انتهاء الأزمة بأي وسيلة ممكنة؛ لإبرام اتفاق التطبيع المرتقب.

حكام الخليج من الرياض، لأبو ظبي، للدوحة، للمنامة، تحركهم المنافع الاقتصادية والمكاسب السياسية، أما حقوق الشعب الفلسطيني، فلا تمثل إلا ورقة سياسية وطنطنة إعلامية، يخرجونها عند اللزوم.

على الجانب الآخر، أعادت الحرب على غزة الاهتمام بحقوق الفلسطينيين في الشارع الخليجي مجددا، مما أثار قلق حكام الخليج الذين يتقدمون في مسارات التطبيع مع إسرائيل، ولا يريدون لشعوبهم الانشغال بمسألة فلسطين مجددا؛ لأن حقوق الفلسطينيين لا مكان لها في رؤاهم.

ربما هنا تجدر الإشارة، إلى أن توسع نطاق الحرب خارج غزة قد يعني توسع الإضرار بحقوق الإنسان لأفراد، ومجموعات خارج القطاع أيضا. وربما قد تصبح مصر أبرز المتضررين؛ نظرا لمشاركتها حدودا مع غزة. الإضرار بالبيئة والموارد الطبيعية في موقع ملاصق لمصر، قد تمتد آثاره إلى النطاق المصري، مما قد يؤثر سلبا على المصريين، وبشكل خاص على حقوق أهالي سيناء الصحية والبيئية، وحقهم بالتصرف في مواردهم الطبيعية.

وما قد يفاقم هذا التهديد، هو محاولات إسرائيل تهجير أهالي غزة قسريا، ودفعهم إلى سيناء. وهذا السيناريو- الذي ترفضه مصر– سيضر بالأمن القومي المصري، وسيعرض حياة وأمن المصريين للخطر، كما أن الأضرار المترتبة على هذا السيناريو الإسرائيلي، ستكون مضاعفة على أهالي سيناء من البدو، والقبائل المختلفة، وآثاره ستكون كارثية على نمط معيشتهم.