في إطار نشاطه البحثي، الذي يضع ملف البحر الأحمر في موقع معتبر من أولويات الأمن القومي المصري، يصدر مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” الورقة البحثية “الاستراتيجية الأمريكية في البحر الأحمر… تشابكات وتناقضات الفوضى الخلاقة” للباحث د. محمد عبد الكريم

لقراءة الورقة البحثية كاملة:

ينطلق الجهد البحثي من نقطة، ترصد تصاعد تعقيدات الاستراتيجيات الأمريكية- الغربية في البحر الأحمر مع وصول هجمات جماعة الحوثيين في اليمن مستوى جديد، باستهدافها سفينة تجارية، تحمل علم ليبيريا، في خطوة أردفها الحوثيون بإعلان عزمهم شن هجمات صاروخية على سفن، ترتبط بصلات بالولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل كوسيلة؛ للتضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة.

هذا التصاعد في التعقيدات، جاء في توقيت، تعزز فيه الولايات المتحدة استراتيجيتها العسكرية في البحر الأحمر عبر مبادرات متنوعة، وربما متداخلة، مثل قوة المهام المشتركة التي أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية تكوينها في إبريل 2022؛ لتولي مهام الأمن البحري في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن وتولت مصر قيادتها في 12 ديسمبر 2022 خلال احتفال مخصص للحدث في البحرين التي تشارك بدورها في القوة ضمن 34 دولة من بينها إسرائيل والهند، ودول إفريقية مثل: كينيا وجيبوتي، وجاءت تحت مظلة “القوات البحرية المشتركة، كما الحال في مبادرة “حارس الازدهار”.

ويرصد الباحث أهمية البحر الأحمر كشريان ملاحي تجاري، يشهد سنويًا- وفق إحصاءات متخصصة في الملاحة والتجارة الدولية- مرور أكثر من 20 ألف سفينة، تمثل نحو 14% من إجمالي حجم نقل التجارة العالمية؛ وهو ما جعل الأزمة الحالية، تمثل تحديًا خطيرًا للأمن البحري الدولي.

ويتجاوز الباحث سطح الأزمة؛ ليغوص في عمق القلق الأمريكي؛ ليؤكد حقيقة تمركز إقليم البحر الأحمر في قلب الاستراتيجية العالمية الأمريكية القائمة بالفعل، منذ سنوات الحرب الباردة. كما أن التحليل الأعمق يكشف عن مسألة غاية في الأهمية، إذ أن ربط الأزمة في الإقليم بالوضع في غزة، وتصعيد العدوان الإسرائيلي حرب إبادته ضد الفلسطينيين، يشير بشكل مباشر إلى إمكان تهدئة الوضع في جنوبي البحر الأحمر عبر تقديم تسوية عاجلة للأزمة في غزة، وفرض وقف لإطلاق النار بمقتضى الجهود الدولية في هذا المسار، والتي تعرقلها الولايات المتحدة بشكل مباشر واحدة تلو الأخرى.

وهكذا فإن تكثيف الدعاية الواضح حول الأزمة في البحر الأحمر، مقابل تجاهل المأساة التي تشهدها فلسطين، تدفع إلى الاعتقاد، بأن دوافع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من تحركها الراهن في البحر الأحمر، تتجاوز كثيرًا مسألة الأمن البحري في الوقت الراهن إلى تعميق الاستراتيجية الأمريكية في البحر الأحمر، ومساعي واشنطن استباق أية تطورات تهدد مكانتها في الإقليم التي لا تنازعها فيها أية قوة دولية مناوئة تقريبًا، منذ ستينيات القرن الماضي”.

ويتوقف البحث عند إعلان واشنطن منتصف ديسمبر 2023 عن تكوين “تحالف دولي” من الدول الموالية للولايات المتحدة، سمته “عملية حارس الازدهار”، ليس باعتباره رد فعل على هجمات الحوثي، بل كونه في صلب الاستراتيجية الأمريكية الكبرى في الإقليم، لا سيما، أنها وصفت العملية كمبادرة أمنية متعددة الجنسيات في الشرق الأوسط؛ للمساعدة في حماية السفن التجارية في البحر الأحمر من المسيرات، والصواريخ التي تستهدفها من قبل جماعة الحوثيين، وجاء إعلان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، تكوين التحالف بعد إشارات سابقة؛ لضرورة بدء عمل جماعي؛ لحماية السفن المدنية في الإقليم، وضمن مظلة القيادة المركزية الأمريكية.

وبحسب الباحث، فإن استباق الترتيبات الأمنية الأمريكية في البحر الأحمر، وخليج عدن التطورات الجارية في فلسطين، وباب المندب، يجعل من الواضح، أن الاستراتيجية الأمريكية في هذا الإقليم الحيوي تطور مفهومًا “أمريكيًا” للتعاون الإقليمي، يضم جميع دول حوض البحر، بما فيها إسرائيل، وعددا من الدول المجاورة له، لا سيما كينيا والإمارات والبحرين، وعددًا آخر من أبرز حلفاء الولايات المتحدة عسكريًا واقتصاديًا مثل الهند. وهذا المفهوم الأمريكي، يضع مسألة “مواجهة التهديدات الإيرانية” في الإقليم على قمة أولوياته.

وبالتالي يعبر عن قناعة أمريكية- إسرائيلية بضرورة مواجهة أية جهود؛ لتفكيك “التحالفات التقليدية” في الإقليم من قبيل التقارب السعودي الصيني والسعودي- الباكستاني وتجاهل الترتيبات الأمنية في البحر الأحمر التي عملت الرياض، والقاهرة على صياغتها وتفعيلها- دون نتائج ملموسة في واقع الأمر.

كما تشمل هذه القناعة الأمريكية الإسرائيلية أن تكون إسرائيل في قلب تلك الترتيبات، وإعادة دفع ملف التطبيع العربي- الإسرائيلي ببرامج محددة، ومتجاوزة فيما يبدو لمفاهيم الدولة الوطنية التقليدية، وحدودها وسيادتها وموقع الإرادات الشعبية بها، وهي أمور ستتضح معالمها تمامًا، فيما يعرف “باليوم التالي” من أزمة غزة الحالية.

ويخلص الباحث، إلى أن قراءته هذه تشير إلى استراتيجية أمريكية متسقة للغاية في السنوات الأخيرة، وليست وليدة هجمات الحوثيين الأخيرة بعد 7 أكتوبر، وهي التي وصفها محللون أمريكيون باستراتيجية “العقد المقبل” في البحر الأحمر.