كتب- الجيلاني محمد

مصفاة الخرطوم “الجيلي”.. أحد اكبر المنشآت البترولية في السودان، تبلغ طاقتها الإنتاجية 100 ألف برميل في اليوم، وتنتج البنزين والديزل والجازولين ووقود الطائرات.

تقع المنشأة في ولاية الخرطوم شمال مدينة بحري، وتعمل منذ العام 2000، بالشراكة مع وزارة الطاقة والتعدين والشركة الوطنية للبترول الصينية، وتعمل المصفاة عبر خطوط الأنابيب العابرة من دولة جنوب السودان، وترفد (الجيلي) السوق السوداني بنسبة 40٪ من الوقود.

جانب من الحريق

يُنقل البترول عبر خطي أنابيب رئيسيين، الأول، هو خط أنابيب (بترودار) وهو ينقل النفط الخام وصولا لميناء بشائر في بورتسودان الساحلية، ويمر عبر ولايات النيل الأزرق والنيل الأبيض والخرطوم، والثاني خط أنابيب السودان (بشائر)  الذي يمر عبر ولايات جنوب كردفان وغرب كردفان وشمال كردفان وهنالك خط أنابيب يغذي مصفاة الجيلي.

في أعقاب حرب 15 إبريل 2023 تعرضت المصفاة لهجمات عديدة، أدت إلي توقف إنتاجها بالكامل، ودمرت مستودعات الوقود؛ نتيجة القصف المتبادل بين قوات الجيش، وقوات الدعم السريع.

 وتحتل الأخيرة المنشأة منذ مايو 2023 م، واستخدمتها بغرض التزود بالوقود لمواصلة معاركها، الأمر الذي اضطر الجيش لقصف المنطقة جويا بصواريخ طائرات (سوخوي) والبراميل المتفجرة عبر طائرات (أنتنوف).

جانب آخر من مشهد الحريق والدمار

لمصفاة الجيلي أهمية بالغة عسكريا، ولها بعد استراتيجي لموقعها الجغرافي الواقع بين ولايتي الخرطوم ونهر النيل، بالإضافة لوجود مقار عسكرية أحدهما معسكر لقوات الدعم السريع بالجيلي، وعلى الاتجاه المقابل للنيل، تقع منطقة كرري العسكرية التابعة للجيش، لذا فإن للمنطقة ميزة عسكرية هامة.

من المسئول؟

تتعرض المصفاة يوميا للقصف المدفعي والجوي، وبحسب إفادة (أ.ق) موظف المصفاة الذي قضى 14 شهرا، يزاول عمله بالمنشأة، والذي حاوره (مصر 360) عن طبيعة الأوضاع الآن بالمصفاة، قال إنه توجد مصفاة قديمة وأخرى جديدة، وتسبب القصف الجوي من قبل الجيش في تعطل المصفاة القديمة بشكل كامل، وتوجد بها الآن مستودعات للجازولين، تبيعها قوات الدعم السريع للمواطنين، وتنقلها بشكل يومي إلى ولاية الجزيرة لتشغيل مولدات الكهرباء ورافعات المياه بغرض الزراعة.

ويضيف: “دمر القصف الجوي المحطة الأساسية لإنتاج البنزين بالمصفاة الجديدة، وأعداد كبيرة من مستودعات الوقود التي تبلغ قيمتها 40 مليون دولار، وقصفت قوات الجيش محطة التحكم الرئيسية بعد دخول قوات الدعم السريع للمصفاة”.

 وقامت قوات الدعم السريع بمحاولة تشغيلها عبر مهندسين، يعملون لصالحها ونجحت في نقل الوقود وقتها إلى محطة (الأعوج) بولاية الجزيرة، وقصف الجيش الخط الناقل للمنطقة.

صورة لحقل بليلة

وبالسؤال عن ظروف العمل أفاد (أ.ق) ؛ أنه وطوال الفترة السابقة اقتصر عملهم علي إطفاء الحرائق الناجمة عن القصف الجوي والمدفعي، وقد فر (90٪) من زملائه الموظفين.

 وقال إنه بقي 70 موظفا فقط من جملة 1200 موظف، وتناقص عدد العمال الذين  يسكنون في القرى المجاورة لمنطقة الجيلي.

وإضاف أنهم تعرضوا للاعتقال تارة والتعذيب والابتزاز و التهديد من قبل قوات الدعم السريع، والتي أرغمتهم على العمل، واحتجزتهم لولا تدخل زملائهم الذين يعملون لدى الدعم السريع.

وقد تحمل الموظفون ظروف العمل هذه من أجل الحصول على مرتباتهم واستحقاقتهم المالية من وزارة الطاقة والتعدين، ولم يفلح الأمر إلى الآن.

 وكشف عن تعرض (محمد عبد القادر) وهو موظف بالمصفاة للاعتقال من قبل شرطة ولاية نهر النيل بعد مغادرته المصفاة، واتهمته النيابة بالتعاون مع الدعم السريع وفقا لنص المواد (51-52-53) من القانون الجنائي، وجميعها جرائم توقع عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد.

 (ك.م) وهو أيضا موظف، كان يعمل بوحدة التحكم بالمصفاة؛ قال إن المصفاة توقفت عن الإنتاج تماما، منذ يونيو 2023 م، ونقلت قوات الدعم السريع وقود البنزين بالكامل واستخدمته لسياراتها.

وأشار إلى أإن الوقود استخدم في شن الهجوم على ولاية الجزيرة، والتي سقطت في ديسمبر 2023 م، وأضاف أن الجيش قصف وحدة المعالجة الأساسية للبنزين، ورافعات المياه على النيل بمحطة (قري) وفلاتر تنقية المياه.

 وتتساقط القذائف يوميا باتجاهات متفرقة داخل المصفاة، والقرى المجاورة، وتنصب مدافع الجيش بالضفة الغربية للنيل (الكوداب- الجزيرة نسري)، و يرتكز الدعم السريع داخل المصفاة وفي طريق (التحدي) الذي يربط ولاية الخرطوم بولاية نهر النيل.

وتخرج شاحنات نقل الجازولين يوميا من بوابات المصفاة باتجاه الطريق الترابي وصولا إلى محلية شرق النيل (ولاية الخرطوم) الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع، ومن ثم إلى ولاية الجزيرة، حيث تقوم قوات الدعم السريع ببيع الجازولين، واستخدامه في الزراعة لصالحها، هذا ما أخبرنا به (محمد)، وهو عامل بالمصفاة يقطن إحدى القرى المجاورة لها.

 وأضاف أن الدعم السريع قام بتوظيف عدد من المحاسبين؛ لتحصيل عمليات بيع الجازولين، ويباع لتر الجازولين مقابل (5000) جنيه، أي ما يعادل 10 دولارات، ويستخدمه الأهالي لزراعة الأراضي الواقعة على النيل، كما ينقل الوقود أيضا بالاتجاه الغربي للنيل، حيث يسيطر الجيش على منطقة أم درمان.

وقد حظرت اتفاقية جنيف لسنة 1949 الاعتداء على المنشآت، والأعيان “المرافق” المدنية، و شددت على عدم استخدامها ملاذا في القتال، وحظرت كذلك قصفها، ووجوب التمييز بين الأهداف العسكرية.

 وقال (حامد محمد)، وهو ناشط حقوقي، إن الدعم السريع احتمى بالمصفاة، وهي ذات الطريقة التي يتخذ بها منازل المدنيين دروعا بشرية، والذي يحولها لأهداف عسكرية ويشن الجيش غارات جوية متكررة لوقف إمداد المليشيات؛ إلا أنه لم يكن بالدقة التي تعرف في القانون الدولي الإنساني، على أنها مبدأ التناسب، الذي يقدر القذيفة بحجم الهدف العسكري، ولا يحدث أضرارا بغيره، وهذا الأمر يجعل الطرفين مسئولين قانونيا عن تدمير المنشأة.

وبالعودة إلى (أ.ق) أفاد، أن التدمير الممنهج بدأ قبل نشوب الحرب، عندما قرر وزير المالية الحالي د. جبريل إبراهيم إيقاف المصفاة تماما؛ لعدم جدواها اقتصاديا مقارنة بمستحقات القوى العاملة بها، إلا أن تدخل مجلس الإدارة في اجتماع شهير أقنع وزير المالية بالعدول عن الفكرة.

ويفسر (أ.ق) الأمر، بأن هناك جماعات ضغط “لوبيهات” وقود هي التي كانت تقف خلف القرار لنيتها التوسع في استيراد البنزين والديزل للسيطرة على السوق، وهذه الشركات يقف خلفها رجال أعمال تابعون لجماعة الإخوان المسلمين ونظام عمر البشير في استمرار لسياسات الخصخصة وخلق جسر تواصل مع نافذين كوزير المالية ووزير الطاقة والتعدين.

آثار محلية وإقليمية

خطوط الأنابيب الناقلة للنفط الخام و مشتقاته في السودان هي سلسلة من المصالح الحكومية من جانب والدولة الجارة “جنوب السودان” إضافة للأهالي الذين يمر  الأنبوب عبر اراضيهم.

خريطة توضح مسار خطوط الأنابيب

 في نوفمبر 2023م احتلت قوات الدعم السريع منطقة العيلفون الواقعة شرقي ولاية الخرطوم و التي يمر عبرها خط أنابيب (بترودار) و هذا الخط الناقل للنفط الخام من جنوب السودان الي ميناء التصدير و هو بمثابة شريان الحياة لـ(جوبا) الامر الذي اضطر لتدخل وزير خارجية دولة جنوب السودان (توت قلواك) للتدخل وإبلاغ قيادة الدعم السريع بموفقهم المحايد و عدم الإضرار بمصلحة شعبهم، و التزمت قوات الدعم السريع بذلك إلا أنه في 19 يوليو الجاري زار عبد الرحيم دقلو “شقيق حميدتي” قائد قوات الدعم السريع دولة جنوب السودان و التقى بـالرئيس سلفاكير.

 وفسر محللون الغرض من اللقاء، بأنه الحصول على حصة قوات الدعم السريع من النفط، ويفسر الأمر التطورات التي أعقبت سيطرة قوات الدعم السريع على حقل (بليلة) بعد قتال عنيف مع الجيش بـ (غرب كردفان)، وهي منطقة قبائل تقاتل إلى جانب الدعم السريع، تدخلت لفض النزاع، واتفقوا على وجود الجيش في المنطقة لحماية الأنابيب واستمرار العوائد التي تقدم للأهالي، بحسب وصف (أحمد محسن) أحد العاملين المحتجزين آنذاك  بحقل بليلة.

 في نوفمبر 2023 م، احتلت قوات الدعم السريع منطقة العيلفون الواقعة شرقي ولاية الخرطوم، والتي يمر عبرها خط أنابيب (بترودار)، وهذا الخط الناقل للنفط الخام من جنوب السودان إلى ميناء التصدير، وهو بمثابة شريان الحياة لـ (جوبا)، الأمر الذي اضطر لتدخل وزير خارجية دولة جنوب السودان (توت قلواك) لإبلاغ قيادة الدعم السريع بموفقهم المحايد، وعدم الإضرار بمصلحة شعبهم، والتزمت قوات الدعم السريع بذلك، إلا أنه في 19 يوليو الجاري زار عبد الرحيم دقلو، قائد قوات الدعم السريع دولة جنوب السودان، والتقى بـالرئيس سلفاكير.

 وأضاف محسن أن القائد (برشم)، وهو من قبيلة المسيرية أيضا، قد انسحب بالفعل بعد التدخل الشعبي، إلا أنه عاود من جديد تطويق الولاية بعد سيطرته على (الفولة)، أهم مدن ولاية غرب كردفان في يونيو المنصرم.

وتقف الحكومة المركزية في بورتسودان حائرة أمام ضياع أحد أهم الموارد التي تُسير بها دولاب الدولة بعد تعطل مصفاة الجيلي، وسيطرة الدعم السريع على أجزاء كبيرة وهامة في جغرافيا السودان.

يضاعف دمار مصفاة الخرطوم الأزمة الإنسانية؛ لأنها توفر مشتقات البترول لقطاع النقل والزراعة، وبالتالي يحرم الملايين من لقمة العيش.