كتب- سمير علي

صدق الرئيس عبد الفتاح السيسي، الأسبوع الماضي، على القانون 155 لسنة 2024 بشأن إصدار قانون التأمين الموحد، ومن بين بنوده المادة 39، الخاصة بإصدار وثيقة التأمين على مخاطر الطلاق في مصر.

 المادة أثارت جدلا ما بين مؤيد، يعتبرها تحفظ حقوق المرأة المادية في حالة الطلاق، ومعارض يرى أنها تحول العلاقة الأسرية إلى علاقة مادية، وتزيد من التزامات الزوج المادية.

ووفقًا للمذكرة الإيضاحية للقانون، فإن الوثيقة جاءت؛ بهدف تعزيز حماية المرأة المطلقة، ضد المخاطر التي تتبع عملية الطلاق على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وتصدر من خلال هيئة الرقابة المالية، وهي بمثابة منحة جديدة لحماية الفتيات والسيدات المطلقات فى مصر.

ونص القانون، على أن الوثيقة إلزامية، وتصرف بعد الطلاق البائن بينونة كبرى، بمبلغ 25 ألف جنيه، على أن يمر على الزواج 3 سنوات.

الوثيقة تأتي استجابة لواقع اجتماعي، حيث تزايدت على مدار السنوات العشر الأخيرة، معدلات الطلاق في مصر بشكل ملحوظ، ووصلت أعلى ارتفاع لها في عام 2022، وذلك وفقًا لنشرة الزواج والطلاق الأخيرة، التي أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أكتوبر عام 2023.

ارتفاع مستمر والحضر يتصدر

وفقًا لنشرات الزواج والطلاق السنوية، فإن حالات الطلاق منذ عام 2010، حتى عام 2013 شهدت ارتفاعا ملحوظا، حيث سجلت 154 ألف 426 في عام 2010، و167 ألف و378 حالة عام 2013، وذلك بوتيرة أقل من تلك التي شهدتها السنوات ما بعد 2014.

وبداية من عام 2014، والذي سجل عدد 185 ألف و293 حالة طلاق، تزايدت حالات الطلاق بشكل لافت، وصولًا إلى ثبات نسبي من عام 2017، حتى عام 2019 الذي سجل 237 ألف و748 حالة، وتلى ذلك انخفاض في عدد الحالات عام 2020 وصل إلى 222 ألف و36 حالة.

وفي نشرة الزواج والطلاق الأخيرة التي أصدرها الجهاز المركزي سجل عام 2022، أعلى عدد حالات طلاق في مصر، وصلت إلى 269 ألف 834 حالة، وتتضمن كل من شهادات الطلاق وأحكام الطلاق النهائية.

 وتعد العوامل السياسية والاقتصادية أحد الأسباب الرئيسية في زيادة معدلات الطلاق، خاصة في عام 2022 الذي شهد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والتي ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي المصري والعالمي.

وطبقًا للنشرة، فإن عدد حالات الطلاق الشهرية في مصر بلغ 22.5 ألف حالة، بمعدل 739 كل يوم، و31 حالة كل ساعة، وحالة طلاق كل دقيقتين تقريبًا.

حالات الزواج عام 2010، وصلت إلى 864 ألف 857 حالة، فيما بلغت حالات الطلاق 154 ألف و426 حالة، وبمقارنة حالات الزواج والطلاق لنفس العام، فإن حالات الطلاق تمثل 18 % من إجمالي حالات الزواج، وبوتيرة متصاعدة وصلت حالات الزواج خلال 2022، إلى 929 ألف و824 حالة، ومثلت حالات الطلاق 29 % من إجمالي حالات الزواج.

ومثلت حالات الطلاق في الحضر 57.9 % من إجمالي حالات الطلاق، مقابل 42.1 % من الحالات في الريف، واحتلت محافظة القاهرة المرتبة الأولى من حيث، معدل الطلاق الخام، بمعدل 5.6 في الألف، تلاها الإسكندرية وبورسعيد والسويس وجنوب سيناء، فيما جاءت محافظة أسيوط الأقل في معدلات الطلاق بواقع 1.2 في الألف، والمنيا 1.3، وسوهاج والفيوم والمنوفية.

الدكتورة سامية خضر، أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، قالت إن السبب في استقرار أو التزايد المحدود لحالات الطلاق خلال تلك الفترة، يرجع إلى التزام الأسرة المصرية بالعادات والتقاليد، ومحاولة الحفاظ على الأسرة وتماسكها، قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي.

وأضافت، أن الإعلام المصري كان يقوم بدور كبير في توعية الأسرة والحفاظ عليها واستقرارها، فكانت البرامج والمسلسلات العائلية تجمع الأسرة حولها، وترسخ المبادئ داخل نفوس أفرادها، مشيرًة إلى أن الأهل كانوا يشجعون أبناءهم على فكرة الاستقرار، عن طريق النقاش والاقناع، لأن الحياة متبادلة، فيجب أن يتنازل شركاء العلاقة عن الأمور التي يمكن أن تتسبب في نهاية العلاقة بينهم.

ولفتت إلى أن الإعلام غاب عن تقديم ما ينفع الأسرة المصرية، وزاد الأمر خطورة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فأصبح الجميع يدلي بدلوه، وهو ما يتسبب في كثير من الأحيان إلى تفكك الأسر.

الحضر كان له النصيب الأكبر في عدد حالات الطلاق بواقع 156 ألف 278 حالة، بزيادة قدرها 8.3 % عن عام 2021، ووصل عدد الحالات في الريف إلى 113 ألف 556 حالة، بزيادة قدرها 2.8 % عن العام السابق.

الدكتور سامية خضر توضح، أن التباين الملحوظ في عدد حالات الطلاق في الحضر عن الريف، يرجع إلى العادات والتقاليد والترابط الأسري والعائلي القوي في الريف المصري، وهي ميزة مفقودة في الحضر.

وتابعت: “الطلاق في الريف ليس بالسهولة التي يمكن أن يحدث بها في الحضر، ففي محافظات الصعيد كمثال، قبل أن يقع الطلاق يكون هناك محاولات للصلح بين الطرفين، وهو ما لا يحدث في القاهرة والإسكندرية”.

وكشفت دراسة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تحت عنوان “تطور ظاهرة الطلاق في مصر خلال العقدين الأخيرين (1996- 2015)، عن أن معدلات الطلاق ترتفع في الحضر عن الريف، و98% من حالات الطلاق غير معروف أسبابها.

 وأنه خلال الفترة من 1996 إلى 2005 كانت أعلى نسبة طلاق؛ بسبب حبس الزوج، وكانت أقل نسبة؛ بسبب الخيانة الزوجية، بينما في الفترة من 2005 إلى 2015، بات الخلع هو أبرز أسباب الطلاق بنسبة، بلغت أكثر من 65%، وأقل الأسباب كان غياب الزوج بنسبة 0.7 %.

إثبات الطلاق

المجلس القومي للمرأة، أكد أن التعديل الذي تم على قانون الأحوال الشخصية عام 2000 في المادة 21، والتي تنص على “أنه لا يعتد في إثبات الطلاق عند الإنكار إلا بالإشهاد والتوثيق..”، كان سببًا في خفض معدلات الطلاق، لأنها كانت تضمن حق المرأة في توثيق الطلاق ؛ بدلًا من أن تصبح كـ “المعلقة”؛ بسبب عدم رغبة الرجل في التوثيق.

وفي عام 2006، حكمت المحكمة الدستورية العليا بعد دستورية المادة، وهو ما أدى إلى ارتفاع معدلات الطلاق مجددًا حسب المجلس، مطالبًا مجلس النواب بضرورة إصدار تشريع يحمي المرأة والأسرة المصرية من التفكك، ويحفظ حقوق الطرفين بعد الطلاق.

الخُلع أبرز الأسباب

طبقًا لنشرة عام 2022، استمر الخُلع كأحد أبرز أسباب أحكام الطلاق النهائية، بنسبة 82.6 % من جملة أحكام الطلاق التي وصلت إلى 11 ألف و77 حالة، وهو ما يمثل زيادة واضحة بنسبة أكثر من 17 % عن عام 2015، فيما جاءت بقية الأسباب مثل الخيانة الزوجية والإيذاء والأسباب الأخرى بإجمالي 1929 حالة.

تقرير المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أظهر ارتفاع معدل الطلاق في الحضر والريف ولكن الارتفاع الأكبر على مدار السنوات من 2010، كان من نصيب الحضر، ففي عام 2010  كان معدل الطلاق الخام في الحضر 2.5 في الألف، وارتفع إلى 3.5 في الألف خلال عام 2022، بينما لم يرتفع المعدل كثيرًا بالنسبة للريف، ففي عام 2010 كان المعدل 1.4 في الألف، ووصل إلى 1.9 في الألف في عام 2022، وهو ما يوضح أن العادات والتقاليد، ومحاولات الصلح بين الأزواج ما زالت موجودة إلى حد كبير في الريف.

القومي للمرأة: دورة تدريبية لتأهيل الزوجين

الدكتورة رانيا يحيى، عضوة المجلس القومي للمرأة، قالت إن أبرز أسباب الطلاق هو عدم الشعور بالمسئولية بالقدر الكافي من الجانبين، خاصة في بداية الزواج والفهم الخاطئ لصحيح الدين، وأحيانا استخدام العنف مع المرأة،

وأشارت إلى أن العادات والتقاليد التي تربى عليها المجتمع المصري قديمًا كانت داعمة لمبدأ الحفاظ على الأسرة، وأن هذه العادات تغيرت خلال العقود الأخيرة.

وأضافت، أن المجلس يقوم بدور كبير من أجل الحفاظ على تماسك الأسرة المصرية، ومكتب الشكاوى بالمجلس، ويحاول بشتى الطرق الحفاظ على العلاقة بين الطرفين والصلح بينهما، مشددةً على أن الطلاق يكون هو الحل الأخير في حالة عدم التوصل إلى اتفاق أو حلول،

وأكدت الدكتورة رانيا يحيى، أن المجلس القومي للمرأة هدفه الأساسي هو الحفاظ على الأسرة المصرية، وتقريب وجهات النظر بين الزوجين، ويسعى إلى تطبيق الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة في جميع المناحي ومنها التمكين الاجتماعي،

 لافتةً إلى أنه يجب أن يكون هناك دورة تدريبية للزوجين، وأن تكون هناك طرق حقيقية لتنفيذ هذه الدورة، وهدفها هو أن يفهم الزوجين المشكلات التي يمكن أن تظهر مستقبلًا، وتؤهلهم نفسيًا وعقليًا، وتؤصل لديهم فكرة الحفاظ على الأسرة، والتأكيد على أن فكرة الطلاق هي الخيار الأخير وليس الأول.

31% من السيدات تعرضن للعنف

يشير المسح الصحي السكاني، الذي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن 31 % من السيدات من سن 15 إلى 49 سنة، قد تعرضن لشكل من أشكال العنف مثل العنف النفسي والجسدي والجنسي على يد الزوج، وهو ما يوضح أن العنف أحد أبرز أسباب الطلاق.

ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة حول عدد الأطفال المتأثرين بالتفكك الأسري، إلا أن التقديرات تشير إلى أعداد بالملايين، وهو ما يؤثر بشكل كبير على مستقبل هؤلاء الأطفال وإلى تداعيات كبيرة على مستوى الدولة، وليس على مستوى الفرد فقط.

ومع تزايد ظاهرة الطلاق، وما لها من تأثيرات، تزايدت المطالبات بضرورة الإسراع في إصدار قانون الأحوال الشخصية، جنبًا إلى جنب مع الإجراءات الحكومية التي اتخذتها الدولة مثل، الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة، والعديد من برامج الحماية الاجتماعية، للحفاظ على تماسك الأسرة المصرية، وحماية الأطفال من التفكك الأسري.