مر أكثر من عامين منذ صدور قرار الرئيس السيسي، بإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي مرة أخرى، والمشاهد هو تراجع دورها على المستوى الإعلامي، وخروج تصريحات وانتقادات من بعض أعضائها، يشير لعدم فعالية اللجنة، باعتبار أن دورها لا يتعدى الجانب الاستشاري.
وحُددت صلاحيات اللجنة، لتقوم بالبحث في ملف السجناء السياسيين المحكوم عليهم والمحبوسين احتياطيًا، والغارمين والغارمات والعمل على إعادة دمجهم في المجتمع من جديد.
والسؤال الرئيسي، هل لا زالت هناك حاجة لوجود هذه اللجنة من الأساس؟ وهل تمارس صلاحيات واضحة ومحددة بموجب قرار أو قانون رئاسي؟ الإجابة هي أن اللجنة ليس لها شخصية قانونية تلتمس منها صلاحيات متفق عليها، فقط مجرد توجيهات رئاسية بتكوينها ومهامها.
ومن الواضح، أن دورها الرئيسي لا يتعدى مجرد وسيط شكلي بين أسر المحبوسين والأحزاب السياسية من جانب، والجهات الرسمية من جانب آخر، والذي ينحصر في تلقي وإعداد القوائم المتفق عليها مسبقا؛ لإصدار قرارات العفو من جانب رئيس الجمهورية، ثم إصدار تصريحات إعلامية بمضمون إخلاءات السبيل المحدودة للمحبوسين احتياطيا.
بالإضافة إلى دور آخر، ويخرج قانونا عن صلاحياتها، وهو العمل على إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا، تتعلق بحرية الرأي والتعبير. وهو الدور الذي تظهر فيه فعاليتها بشكل أكبر!!
وهو من المفترض جزء من دور النيابة العامة والمحاكم المختلفة بموجب القانون، ويرجع لاعتبارات قانونية مختلفة نص عليها قانون الإجراءات الجنائية.
أما قرارات العفو الرئاسي عن المحكوم عليهم بأحكام نهائية، فهي ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية بموجب المادة 155 من الدستور، وتنحصر في العفو عن أفراد، أو إصدار عفو شامل بقانون، والذي لا بد يُقر بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب.
وعمليا، من يلعب الدور الرئيسي في هذه القرارات بنوعيها عاملان رئيسيان، الأول الأجهزة الأمنية التي تلعب دورا أساسيا في إعداد أسماء الأشخاص المقترح الإفراج عنهم، والذي لم يتجاوز هذا العدد سقف الـ 15 ـ 20 مسجونا سياسيا، منذ شهر إبريل 2022. وهذا يختلف عن قرارات الإفراج بموجب قضاء نصف أو ثلثي المدة التي تحدث للسجناء الذين قضوا أغلب مدد العقوبة المحكوم بها عليهم.
والعامل الثاني، يكمن في ضغوط الرأي العام والقوى السياسية المختلفة في قضايا بعينها، ودور بعض الهيئات السياسية مثل، مجلس أمناء الحوار الوطني، وضغوط الحركة المدنية على سبيل المثال.
ويكشف قصور أداء اللجنة، أنها تعمل في بعض المواسم السياسية، وبشكل خاص أثناء تزايد ضغوط الرأي العام في حالات بعينها.
وقليلا ما تنجح ، على مستوى إخلاءات السبيل إذ تكشف الإحصاءات أن العدد الذي يتم إخلاء سبيله أقل بكثير من الذي يتم القبض عليهم بشكل دوري، وأن توجه الدوائر القضائية بات يميل إلى قلة إصدار قرارات إخلاء السبيل في ظل وجود لجنة العفو الرئاسي بالمقارنة بما كان قبلها.
كما ازدادت في السنوات الأخيرة حالات القبض الجماعي في بعض الفترات، خاصة في أعقاب الدعوة للتظاهر، وهو ما ظهر في سبتمبر 2019، 2020، وآخرها بالقبض على مجموعات أخرى في تظاهرات تضامنية مع القضية الفلسطينية، دعت إليها الدولة في أكتوبر الماضي، ومجموعات من حملة المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، وكذلك عدد من مشجعي النوادي الرياضية.
بالإضافة إلى القبض على مئات الحالات من الذين مارسوا حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي ببث فيديوهات، سواء كانوا شخصيات عامة أو مواطنين غير مسيسين، يشكون من صعوبة الجياة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية.
كما تكشف أن هناك كثيرا من قوائم العفو صدرت في الفترة من 2014، حتى 2016، أي قبل إنشاء اللجنة أساسا، وكانت تصل إلى المئات، بينما لا تتجاوز قرارات العفو منذ إبريل سقف العشرين مسجونا.
على صعيد حالة حقوق الإنسان، لم تستطع اللجنة أن تفعل شيئا في هذا السياق، بل توسعت أجهزة الأمن، ونيابة أمن الدولة في اتخاذ قرارات الحبس الاحتياطي، وابتدعت ما يسمى بسياسة التدوير، أي إعادة احتجاز الأفراد المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، والذين أصدرت الجهات القضائية قرارات بإخلاء سبيلهم، في قضايا جديدة بذات الاتهامات في القضايا القديمة، بالرغم من أنهم لا يزالون مودعين بالسجون، فكيف ارتكبوا هذه الجرائم المدرجة في تلك القضايا الجديدة التي لا تختلف عن سابقاتها إلا في الأرقام المختلفة. كما تغيب المعايير المحددة التي تتبناها اللجنة لفحص الطلبات المقدمة لها، والأساس الذي تصدر بناء عليه قرارات العفو، أو إخلاء السبيل. إلا بأن يكون بعيدا عن جماعة الإخوان المسلمين. أو متهما في قضايا إرهابية، والمعروف بأنه في ظل قانون الإرهاب رقم 94 لعام 2015 المليء بالاتهامات التي يتم توجيهها، حتى لنشطاء محسوبين على أحزاب الحركة المدنية، ولم يرتكبوا أفعالا إرهابية بالمعني المعروف، أي لم يتورطوا في جرائم قتل أو اغتيالات على خلفية سياسية.
ولا يتعدى دور اللجنة توظيفها في مواسم سياسية بعينها للتعامل مع بعض الضغوط الداخلية والخارجية في ملف حقوق الإنسان، كما أنها تمثل أداة للتهرب من الالتزامات الحقوقية التي تعهدت الدولة بالالتزام بها أمام الآليات الدولية لحقوق الإنسان.
وتكشف استمرار تلك اللجنة تجاهل القيام بأي تغييرات جوهرية بتحسين حالة حقوق الإنسان بالرغم من إصدار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2019، إلا أنها لم تؤد لإحداث أي تغيير إيجابي في هذا الإطار.
كما تُظهر التشريعات الصادرة من مجلس النواب توجها سلبيا آخر بزيادة حالات إحالة المدنيين لمحاكم عسكرية، بل أن التعديلات التي مست قانون الإجراءات الجنائية، لم يتم فيها أي تعديل لنظام الحبس الاحتياطي، بما يلبي مطالب المجتمع المدني والحركة المدنية، بل اتجهت إلى تعديلات تنتهك ضمانات المحاكمة العادلة.
وزادت الانتهاكات التي يتم ممارستها على سجناء الرأي سواء محكوم عليهم أو محبوسين احتياطيا، وهو ما أدى إلى تزايد حالات الوفاة في السجون ومقار الاحتجاز في السنوات الماضية، وقيام عدد من السجناء بالانتحار أو التفكير فيه بسبب ظروف السجن.
في المجمل، لم تؤد هذه اللجنة وظيفة ايجابية في تحسين الوضع الحقوقي، بل وانتقد بعض أعضائها انتهاك حالة حقوق الإنسان، وعجز اللجنة عن أداء دور في التقليل منها، منها كمال أبو عيطة الوزير والنقابي السابق.
وهي لا تقدم سوى مسكنات وقتية للحل الراهن، بالتوازي مع تجاهل أية إصلاحات حقيقية على مستوى احترام الحقوق والحريات بموجب المعايير الدولية لحقوق الإنسان والدستور، وإحداث تغيير حقيقي في قانوني العقوبات والإجراءات الجنائية، بما يؤدي إلى احترام الحريات الشخصية والحقوق المدنية والسياسية، وتعزيز ضمانات الحق في محاكمة عادلة، وفي الحد الأدنى بتعديل نظام الحبس الاحتياطي.