اغتالت إسرائيل فؤاد شكر القائد العسكري في حزب الله، والذي وصفته دولة الاحتلال، بأنه رئيس أركان حزب الله، واتهمته بأنه وراء عملية مجدل الشمس في الجولان المحتل، كما اغتالت إسرائيل في قلب العاصمة الإيرانية رئيس الجناح السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في مقر إقامته في طهران بإطلاق صاروخ من خارج الأراضي الإيرانية، استهدف غرفة الرجل بدقة لافتة.
والحقيقة، أن مسلسل الاغتيالات الإسرائيلية قديم ومستمر، ولكنه هذه المرة قدم ضربة مزدوجة قوية في بيروت وطهران، استهدفت أبرز قائد سياسي في غزة، وقائدا عسكريا مهما في حزب الله.
والحقيقة، أن هناك مجموعة من الدلالات لهذه العمليات أولها، أن إسرائيل اعتمدت سلاح الاغتيالات مع كل خصومها، ومن اعتبرتهم أعدائها في كل مكان في العالم، فإذا أخذنا لبنان فسنجد، أنها قتلت حوالي ٤٠ قائدا عسكريا من حزب الله، أبرزهم محمد ناصر مسئول قسم العمليات في الحزب، وطالب عبد الله أحد قادة المنطقة المركزية الجنوبية، ووسام الطويل القيادي في قوة النخبة المعروفة باسم “الرضوان”، وغيرهم الكثيرين، حتى وصلنا لاغتيال فؤاد شكر أول أمس.
إسرائيل في عملياتها العسكرية، لا تفرق بين مدني وعسكري وبين سياسي ومقاتل، فهي على استعداد أن تقتل الجميع، ما دام اختاروا أن يكونوا في خندق مقاومتها.
أما ثانيا، فهي أن إسرائيل تتحرك في مختلف ميادين القتال، وهي تعرف أنها دولة محصنة فوق القانون والشرعية الدولية، فهي الدولة الأكثر تجاهلا وعدم احترام لقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، وباقي مؤسسات الشرعية الدولية. إن تاريخ تجاهل إسرائيل لقرارات محكمة العدل الدولية لا يعود فقط لهذا العام، حين اتهمتها المحكمة بعدم حماية المدنيين وبوجود شبهة في ارتكاب جرائم إبادة جماعية، وطالبتها بوقف العمليات العسكرية، إنما يعود إلى عام ٢٠٠٤، حين أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا برفض بناء الجدار العازل، فلم تحترمه إسرائيل وتجاهلته، واستمرت في سياسة الفصل العنصري، وشيدت الجدار الذي مزق أوصال الضفة الغربية.
لقد عمقت الدولة العبرية وضعها ككيان فوق القانون والشرعية الدولية، وأصبح لديها حصانة خاصة ووضع استثنائي، يضعها في كفة في مقابل باقي دول العالم، وهو أمر سيكون له تداعيات خطيرة على السلم والأمن الدوليين.
أما الدلالة الثالثة، فتتمثل في أسباب الانحياز الغربي والأمريكي السافر لدولة الاحتلال، والذي تجاوز كل منطق وعقل، وحتى فطرة إنسانية سليمة.
والواضح أن الغرب لا ينحاز لدولة الاحتلال فقط؛ بسبب المصالح السياسية والاستراتيجية، إنما أيضا لأسباب ثقافية تتعلق بشعور كثير من الأوربيين والأمريكان بتقارب مع نمط حياة الإسرائيليين، وأن كثيرا من نخبهم يعبرون عن ذلك بشكل علني، ويرددون جمل من نوع “هم متحضرون مثلنا”، و”لديهم ديمقراطية مثلنا” “انظروا لأزياء نسائهم”، وشكل شوارعهم وأحيائهم وحياتهم الاجتماعية، ثم يقارنوهم بسكان أحياء غزة المكدسة ووجوه سكانها ونمط حياتهم وثقافتهم العربية الإسلامية المختلفة عن ثقافة “أهل الغرب”؛ ليقولون في النهاية، إن إسرائيل شبهنا وأعداؤها ليسوا شبهنا، وأحيانا يقولون عنهم أيضا إنهم أعداؤنا.
لقد استدعى الموقف التمييزي الفج لكثير من القادة الغربيين، تجاه ما يجرى في غزة مخزونا كامنا من الصراع الثقافي بين الغرب والعالمين العربي والإسلامي، وأضعف من جهود كثيرة، آمنت بالحوار بين الغرب والشرق، ودافعت عن التنوع الثقافي والحضاري في العالم، وتمسكت بمبادئ المساواة والعدالة بين الشعوب، وهي التي غابت أمام بحور الدماء التي تسيل في غزة.
أما الدلالة الرابعة والأخيرة، فهي بتعبير الراحل الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري “وظيفة إسرائيل”، أو الدور الوظيفي لإسرائيل، فهي صنيعة الغرب وحليفته، وهي أحد أدواته التاريخية في السيطرة على الشرق الأوسط، و”تأديب” كل من يحاول أن يخرج عن “الطوع الأمريكي”.
لقد اعتبر جانب من الغرب، أن مهمة إسرائيل في غزة تستكمل مهام الاستعمار الغربي الفاشلة في القرون الماضية، وأيضا مهام أمريكا الفاشلة في العراق وأفغانستان التي رفعت فيها شعارات الاجتثاث والقضاء على البعث في العراق وطالبان في أفغانستان، وتكررها إسرائيل الآن مع حماس، وانتهت بفشل مدوي.
إسرائيل تمثل الصورة الأسوأ والأكثر دموية في التجارب الاستعمارية الحديثة، ولذا لا يستطيع الغرب وأمريكا تحديدا، أن تذهب بعيدا في الضغط عليها، لأنها بدرجة أو بأخرى امتداد لتجاربها الاستعمارية السابقة.
نتيجة للاستثناء الإسرائيلي ستكون أن ما تتصوره، إنه سيقضي على حماس وحزب الله بسياسة الاغتيالات والقتل العشوائي للمدنيين، سيفعل العكس وسيفتح الباب أمام تقوية هذه التنظيمات سواء كانت حزب الله أو الحوثيين أو الجماعات المسلحة في العراق؛ لأنها ستعتبر، أن مؤسسات الشرعية الدولية التي لم تستطع ردع إسرائيل غير فاعلة، وأحيانا غير نزيهة، وأن الحل في هذه التنظيمات.
إن مبررات تصاعد دور تنظيمات ما فوق الدولة Non-state actors)) تتزايد؛ بسبب الاستثناء الإسرائيلي، وأصبح لسان حال كثيرين، أن دولة مدنية مندمجة في النظام الدولي مثل جنوب إفريقيا، وليس لها علاقة بمحور الممانعة أو بتنظيمات ما فوق الدولة، فشلت في وقف الإبادة الجماعية في غزة أو وقف إطلاق النار، فلنا أن نتوقع أن هناك ملايين ستقول: ماذا أخذنا من الشرعية الدولية والقانون الدولي؟ فإسرائيل تغتال قادة سياسيين خارج حدودها دون أي حساب، وممارستها في قطاع غزة كارثية، وعدم قدرة أي دولة أو تنظيم مسلح أو مؤسسات الشرعية الدولية عن ردعها، سيُدخل العالم في فوضي، لم يعرفها من قبل، ودائرة من العنف المدمر، ما دامت بقيت إسرائيل هي الطفل المدلل للولايات المتحدة، وكثير من الدول الغربية الكبرى.