فوجئت بوجود خبر منشور على موقع الموقف المصري، مفاده عدم تمكين المتهمين ودفاعهم في القضية رقم 2094 لسنة 2024 جنح مستأنف المطرية، والمقيدة برقم 2255 لسنة 2023، حصر أمن دولة عليا، والمتهم فيها مجموعة من أنصار المعارض السياسي/ أحمد الطنطاوي، بالإضافة إليه، وبحسب الخبر المنشور، فإن الدفاع المكون من محامي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، لم يتمكنوا من الطعن بالنقض على الحكم الصادر من المحكمة الاستئنافية، وذلك يعود لعدم تمكين إدارة سجن العاشر من رمضان المتهمين من الطعن في الحكم الصادر بحبسهم، وعلى الرغم من تحصل فريق الدفاع على خطاب من النيابة العامة موجه إلى إدارة السجن؛ لاستيضاح الأمر والاستعلام، عما إذا كان المتهمون قد تم تمكينهم من التقرير بالطعن بالنقض من عدمه، إلا أن إدارة السجن لم تقم بالإجابة، على ما وجهته النيابة إليها من استبيان، وهو الأمر الذي أدى إلى تفويت فرصة الطعن بالنقض على الحكم الاستئنافي والمقدرة وفق قانون الإجراءات الجنائية بستين يوما، من تاريخ صدور الحكم الاستئنافي.

وإذ أنه وفي ظل الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ومن الناحية الدستورية والقانونية في مختلف الأنظمة القانونية المستقرة على الساحة العالمية والوطنية- تعتبر “السلطة القضائية” هي إحدى السلطات الثلاث التي يتشكل منها الكيان القانوني للدولة الحديثة في الزمن المعاصر، وأحد الأركان الأساسية لمظاهر سيادة الدولة على أراضيها، حيث أنه تتولى هذه السلطة القيام بمهام تحقيق العدالة بالفصل في الخصومات، وإقامة الإنصاف في مختلف المجالات بين أفراد المواطنين، وهى بذلك تعد السلطة الواجب تواجدها وقيامها؛ ليكتمل بها البناء القانوني للدولة التي تلتزم بتشكيلها وفقا لضوابط ومعايير موضوعية مجردة، تضمن بذاتها حقوق الأفراد على مختلف مشاربهم- بغض النظر عن آرائهم السياسية أو معتقداتهم الدينية– في الوصول إلى العدالة، بما يعنيه ذلك من مجموعة من الحقوق الإجرائية أو الموضوعية، التي تصل في نهاية مطافها إلى تحقيق العدل، وبشكل خاص في المحاكمات الجنائية، التي يجب وأن يضمنها في جميع مراحلها، مبدأ أن المتهم برئ حتى تتم محاكمته محاكمة قانونية عادلة، يُضمن له فيها كافة حقوقه، دونما أي تمييز.

وإذ أن حق المتهمين في الطعن في الأحكام القضائية الصادرة بشأنهم من أهم عناصر المحاكمات العادلة، والتي تعد من أهم مبادئ الحقوق الأساسية للمواطنين، وأهم عناصر المحاكمات العادلة تحقيق دفاع المتهم، وحقه في الطعن على الأحكام الصادرة بشأنه، وهذه المجموعة من الحقوق، قد أكدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأصبغ عليه صفة الإلزامية العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كما أفردت له مجموعة من الاتفاقيات بنوداً ونصوصاً صريحة، ذلك بخلاف ما اعتمده الدستور المصري، وأكدته نصوص قانون الإجراءات الجنائية، وقانون تنظيم السجون، أو كما تم تعديل اسمه إلى قانون مراكز الإصلاح، والذي جاء في مادته رقم 82 من أنه:- يجب أن يكون كل تقرير بالاستئناف أو بغيره، يرغب أحد المسجونين في رفعه بواسطة مأمور السجن، محرراً على النموذج المخصص لذلك والمعتمد من النائب العام.

وهذا ما يدعم أنه لا تكون هناك محاكمات عادلة إلا إذا تم احترام حقوق المتهم طوال اجراءات المحاكمة وهذه الحقوق التي يستحقها من بداية المحاكمة، بل إن هناك ضمانات يجب تحققها للمتهمين منذ لحظة القبض عليهم وحتى إسدال الستار على المحاكمة الجنائية بحكم نهائي بات قد استنفد فيه المتهم كافة طرق الطعن على الأحكام والمثول أمام محكمة أعلى لنظر الطعن على الحكم الصادر بشأنه.

لكن هل تمثل كل هذه القواعد والأسس القانونية مجرد أحكام نظرية، لا تلقي بالاً عن إمكانيات التطبيق؟ أم أن هناك تجاوزات تمت بخصوص المتهمين في هذه القضية، حتى يتم تفويت إحدى درجات التقاضي عليهم، وجعل الحكم بمثابة الحكم البات، وهو ما يفصل عنهم حق الطعن أمام محكمة النقض، أم أن الأمر يتعلق بنوعية هذه القضية وبالمتهمين فيها، وهم أولئك الذين ينتمون إلى دعم المعارض السياسي/ أحمد الطنطاوي؟

كل هذه التساؤلات تضعنا في حيرة من الأمر، بل تضع الدولة ذاتها في موضع، لا يليق بها، حيث لا يمكن بحال من الأحوال تصور أن تكون إحدى إدارات الدولة حائلاً بين المواطنين وحقهم في الطعن على الحكم الصادر بشأنهم، وهو الأمر الذي يعني العصف بمفهوم الحق في المحاكمة العادلة، فإذا كانت الحقوق تحفظ بالقضاء، والحريات تصان بالقضاء، والعدل يتحقق بالقضاء، وعمارة المجتمع تكون بالقضاء، واستقرار الأوضاع والمعاملات يكون بالقضاء، فينبغي بالمقابل أن يكون للقضاء مظهر، يناسب عظمة رسالته هو مظهر الاستقلال، وإن عدم تمكين المتهمين من اتخاذ أو التماس طرق الطعن على الأحكام الصادرة بحقهم، يخل بشكل رئيسي بقيمة ومعنى استقلال السلطة القضائية. كما أن الانتماء السياسي المعارض لا يمكن بحال من الأحوال، أن يكون سبباً في إهدار ذلك الحق المطلق المرتبط بالأساس بحق التقاضي ذاته، وقد جاء في القرآن الكريم، وفي الآية الثامنة من سورة المائدة، قول ربنا سبحانه وتعالى “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون”.

كما أن عدم تمكين المتهمين من حقهم في الطعن يخل بمبدأ الرقابة على أحكام القضاء، وهو ما يعني أن تنظر محكمة أعلى لما قضت به المحكمة الأقل، وتراقب نظرها للقضية، وتسبيبها للحكم، وهو ما يدعو الناس إلى الثقة بالقضاء، بحسبه أحد أهم مؤسسات الدولة، ويدعم استقلال السلطة القضائية، إذ يشكل استقلال السلطة القضائية أحد أهم عوامل دعم السياسات الديمقراطية، وذلك بحسب القضاء هو الحارس على حريات وحقوق المواطنين من أي شطط، أو تغول للسلطة التنفيذية على تلك الحقوق والحريات، فليست النصوص القانونية بذاتها كافية، في حالة كونها تتمتع أو تمتاز بالديمقراطية، وتسعى نحو تطوير مفاهيم الحقوق والحريات، بما يتناسب مع التطورات العصرية التي تصاحب مفهوم الحق والحرية ذاته، حيث قد استحوذت مسألة استقلال السلطة القضائية على اهتمام المشتغلين بالقانون والسياسة والفكر على مر التاريخ ومختلف الثقافات والأعراف والحضارات، ذلك لأن وجود تلك السلطة المستقلة الناجزة يشكل واحدا من أهم الضمانات الرئيسية لاستقرار الدول والمجتمعات، ومنع انزلاقها إلى حالات الفوضى، هذا بخلاف كونه يدعم ثقة المواطنين في الدولة، ويعزز انتماءهم.

وأختم قولي بتساؤل رئيسي، هل هناك من رد رسمي يفند ما سبق بيانه من عدم تمكين المتهمين في هذه القضية من الطعن بالنقض على الحكم الصادر بشأنهم؟ أو يبرر لما فعلته سلطة وإدارة سجن العاشر من رمضان، أو يجحد ما ذكره محامو المتهمين.