في ظل مستويات التضخم الحالية، تتزايد أهمية الحقوق الاجتماعية في الموازنة العامة للدولة كعنصر حماية أساسي للطبقات الفقيرة، وتحقيق احتياجاتهم الإنسانية الأساسية، خاصة الحق في الغذاء والسكن والعلاج والعيش بكرامة.

بلغ المعدل السنوي للتضخم في المدن المصرية 33.3% في مارس/ آذار مقارنة مع 35.7% في فبراير/ شباط، بينما توقع صندوق النقد الدولي، أن يبلغ المتوسط السنوي له 32.5% عام 2024، على أن يهبط إلى %25.7 في 2025.

يعتبر الدعم والمزايا الاجتماعية النقطة الأهم في الحقوق الاجتماعية، التي يتضمنها مشروع الموازنة العامة للدولة، والتي زادت مخصصاتها إلى 635.9 مليار جنيه، مقارنة بـ 532.8 مليار جنيه تقديرات متوقعة للعام المالي 2023/ 2024، بمعدل نمو 19.3٪.

الحق في الغذاء.. مخصصات السلع التموينية

ارتفعت مخصصات السلع التموينية إلى 134.2 مليار جنيه، مقابل 127.7 مليار جنيه في الموازنة الحالية، بزيادة قدرها 6.5 مليارات جنيه، وقال مسئول بالمالية، لـ “مصر 360″، إن الوزارة مستمرة في دعم نحو 100 مليار رغيف سنويا بسعر خمسة قروش للرغيف، والذي يستفيد منه قرابة 70 مليون فرد رغم ارتفاع أعباء التصنيع، وباقي التكاليف التي تتحملها الخزانة العامة للدولة.

بحسب مشروع الموازنة الجديدة، تصرف الوزارة دعمًا لسلع البطاقات التموينية لنحو 62.2 مليون فرد، بجانب استمرار صرف الدعم الإضافي للفئات الأكثر احتياجًا لنحو 10.2 ملايين أسرة.

ارتفعت مخصصات الأغذية بالموازنة العامة للدولة، بما فيها الأغذية المدرسية إلى 14 مليار جنيه، بزيادة قدرها 10% عن التقديرات المتوقعة للعام المالي الحالي.

والتغذية المدرسية تعتبر واحدة من أكبر شبكات الأمان الاجتماعي، وأكثرها انتشارًا في العالم، ويتم توفيرها في مصر لطلاب المدارس الحكومية الابتدائية.

بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، يبلغ عدد التلاميذ المرحلة الابتدائية 15.1 مليون تلميذ، بنسبة 53.9% من إجمالي المراحل التعليمية منهم 13.7 مليون تلميذ، بنسبة 53.7% من إجمالي مراحل التعليم العام، و1.4 مليون تلميذ، بنسبة 56.1% من إجمالي مراحل التعليم الأزهري عام (2022- 2023).

منذ بداية العام الدراسي 2023/ 2024 من سبتمبر حتى نهاية شهر نوفمبر 2023، تم إنتاج وتوزيع عدد 435 مليون وجبة تغذية مدرسية، منها 368 مليون وجبة لطلاب المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم، و67 مليون وجبة لطلاب المدارس التابعة للأزهر الشريف، بالإضافة لعدد 10.8 ملايين وجبة جافة ومطهية.

ووفق البنك الدولي، يُقدر معدل انعدام الأمن الغذائي في عام 2023 بنحو 6.4٪ من المصريين، ما يُمثل 6.9 ملايين نسمة، تعاني من سوء التغذية بمصر، إذ يتسبب نقص التغذية السليمة خلال فترة الحمل، أو في مرحلة الطفولة المبكرة في ارتفاع مخاطر الإصابة بالتقزُّم والهزال وتراجع نواتج التعليم.

الحق في الصحة.. استحقاقات مطلوبة

سجل بند التأمين الصحي قفزة إلى 18.4 مليار جنيه، للتأمين الصحي والأدوية وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة مقابل 14.1 مليار جنيه للعام المالي السابق.

خصصت الوزارة دعمًا للتأمين الصحي بقيمة 2.4 ملياري جنيه، مقابل 3 مليارات جنيه للعام المالي الحالي، ويشمل ذلك البند التأمين الصحي على الطلاب والمرأة المعيلة والأطفال، دون السن الدراسي والتأمين الصحي لغير القادرين والفلاحين.

يقول مسئول بالمالية، إن الموازنة تركز على استمرار دفع جهود التنمية البشرية بمحوريها: الصحة، والتعليم، إذ تتضمن تخصيص ١٥,٤ مليار جنيه، للهيئة العامة للرعاية الصحية منها ٨,٤ مليارات جنيه، ممولة من الخزانة العام لاستمرار دعم ومساندة المبادرات الصحية، كما تضمن المشروع زيادة مخصصات الأدوية، والمستلزمات الطبية إلى ٢٦,٧ مليار جنيه مقابل 20 مليارا في الموازنة الحالية.

تستهدف الوزارة الاستمرار في التنفيذ التدريجي لمنظومة التأمين الصحي الشامل، والتوسع فيه ليشمل محافظات أكبر بجانب الاستمرار في دعم مبادرات مثل، 100 مليون صحة للقضاء على فيروس “سي” وقوائم الانتظار ورفع كفاءة المستشفيات، وتوفير الأدوية والأمصال وألبان الأطفال والمستلزمات والأجهزة الطبية والمبادرة الرئاسية؛ لدعم وزيادة عدة أسرة العناية المركزية وحضانات الأطفال.

وأكدت الوزارة استيفاء نسبة الاستحقاق الدستوري للصحة، التي تبلغ 496 مليار جنيه بزيادة 99 مليارا عن العام الحالي، وزيادة مخصصات التعليم بـ 276 مليار؛ لتصل إلى 858 مليار جنيه.

الحق في السكن

بحسب مشروع الموازنة الجديدة، فإن الدولة ستتوسع في إقامة المدن والتجمعات العمرانية؛ لاستيعاب 10 ملايين نسمة، لكن مخصصات الإسكان الاجتماعي زادت فقط إلى 11.9 مليار جنيه، مقابل 10.2 مليار جنيه في العام المالي الحالي.

الزيادة في دعم الإسكان التي تقدر بحوالي 1.7 مليار جنيه، وتعادل نسبة 16.6%، تعتبر قليلة حال مقارنتها بنسبة الزيادة في مخصصات ذلك البند الذي ارتفع ينحو 104%، سواء للدعم النقدي او دعم المرافق بالموازنة القائمة، واستقر دعم توصيل الغاز الطبيعي للمنازل، كما هو دون تغيير عند ٣,٥ مليارات جنيه للعام الثالث على التوالي.

الحق في الحياة الكريمة

ارتفعت مخصصات معاش الضمان الاجتماعي وتكافل وكرامة الذي تستفيد منه 5 ملايين أسرة، إلى 40 مليار جنيه لمعاش الضمان الاجتماعي، بزيادة 9 مليارات جنيه عن موازنة العام المالي الحالي

يستهدف مشروع الموازنة خفض معدلات البطالة بشكل تدريجي على المستوى المتوسط من خلال توسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد المصري، وتوفير ما يقرب من مليون فرصة عمل سنويا في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتحقيق تكافؤ الفرص أمام المواطنين وتخفيض معدل الفقر.

رفعت مخصصات التدريب وتأهيل الشباب لسوق العمل وزيادة مساندة النشاط الاقتصادي عبر دعم، وإتاحة فرص التنمية للجميع ومساندة المشروعات الإنتاجية، خاصة المتوسطة والصغيرة؛ لزيادة دخول الأفراد والشباب والمرأة، وزيادة فرص العمل الحقيقية.

تأتي مستهدفات وزارة المالية بتوفير مليون فرصة عمل، رغم تباطؤ الاستثمارات العامة في الوقت ذاته، خاصة المشروعات القومية، واعتبارها ذلك الأمر ضروري لاستراتيجية ضمان الاستقرار الاقتصادي، وتحفيز القطاع الخاص للدخول، بدلاً من الدولة في تمويل الاستثمارات العامة.

بحسب الوزارة، فإن المشروعات القومية التي اكتملت بنسبة أقل من 70%، أو لها مكون دولاري واضح من ضمن الاستثمارات التي ستشهد تباطؤ في وتيرة التنفيذ، بينما سيتم تأجيل أي مشروعات جديدة.

بحسب وزارة المالية، فإن الموازنة المقبلة تتضمن اعتمادات كافية؛ لتوفير نحو 120 ألف فرصة عمل، 80 ألفا منها لصالح التعليم، تتضمن الـ 30 ألف معلم تنفيذًا لقرار تعيين 150 ألف معلم، على مدار خمس سنوات، بالإضافة لإمكانية الاستعانة بعدد 50 ألفا من المعلمين المُحالين للمعاش.

كما تضمن مشروع الموازنة تخصيص 214.2 مليار جنيه؛ لسداد التزامات الخزانة بالكامل لصالح الهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية؛ ليصل إجمالي ما تم تحويله للهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية بنهاية يونيو 2.25 إلى تريليون 116 مليار جنيه.

قال الدكتور صلاح الدين فهمي، الخبير الاقتصادي، إنه لا بد، أن تواكب زيادات الحقوق الاجتماعية نسبة التضخم المتوقعة لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية، والرقابة الشديدة على الأسواق؛ لحماية المواطنين من جشع التجار، وقيامهم بتحريك الأسعار ما يضر المواطن.

شدد فهمي، على أن دور الدولة مهمة في تقديم الخدمات الأساسية في ظل ارتفاع أعباء تقديم الخدمات الصحية والتعليمية من القطاع الخاص، التي لا يستطيع المواطن البسيط تحملها، مشددًا على ضرورة الاهتمام بالبحث العلمي، وألا يكون ترشيد الإنفاق على حساب مقومات، تعتبر أساس التقدم الاقتصادي.