ثمة منحى يطاوله القلق والحسابات الدقيقة والخطرة والتي لا تقل أهمية إن لم تكن الأكثر أهمية بعد التصعيد في البحر الأحمر، خاصة بعد العمليات التي تقودها بريطانيا والولايات المتحدة، ضد الأهداف الحوثية. فهذا التصعيد الذي يمثل بشكل أو بآخر امتدادا للحرب في اليمن، له تداعيات قصوى أمنية واقتصادية، وعلى مستوى استقرار خطط السياسة والحكم بالنسبة للسعودية.
فالاستهدافات المتكررة للحوثي في البحر الأحمر للسفن النفطية، والتي تسببت في تغيير وجهة السفن، لطريق رأس الرجاء الصالح القديم والأطول، وتداعيات ذلك على التجارة والنفط عالميا، هذه الاستهدافات المتواترة باتت تبدو من بين الأعباء الثقيلة التي تقوض مشاريع المملكة، وتحديدا مشروع “نيوم” لولي العهد السعودي محمد بن سلمان “ورؤية 2030″، والتي تعد فلسفته النظرية في إدارة البلاد، وحكمه الوشيك “المكتمل بترسيمه ملكا”، من خلال تنويع مصادر الاقتصاد بعيدا عن النفط.
الأرض لا تزال رخوة
وفي ظل سيطرة الحوثي و”عسكرة” البحر الأحمر، وتهديداتهم للمنشآت النفطية، فإن المشاريع المحتملة لولي العهد جميعها على تخوم البحر الأحمر، ستظل على أرض رخوة، دون استقرار يضمن لها البقاء.
لذا، كان الانفتاح على إيران والتطبيع مع سوريا، من أولويات محمد بن سلمان مؤخرا، سعياً لإيجاد مخرج من الأزمة اليمنية.
خطط ولي العهد السعودي، تتجه للابتعاد أو إيجاد بدائل عن النفط، وبالتالي، فإن الصراع المفتوح في خاصرة المملكة يجعل احتمالات الفشل مرتفعة في رصيد وصول ابن سلمان للحكم، ودخول سياساته حيز التنفيذ وحصولها على الشرعية.
كافة التوترات الإقليمية مع الصراعات المكتومة في دوائر الحكم، وامتداداتهم بالمجتمع التي ما تزال لا تتقبل، أو تتعاطى مع الانعطافات “الثقافية” و”الترفيه”، وعزل القوى التقليدية والنخبة الدينية بامتيازاتها السياسية والمجتمعية، لن تجعل صعوده آمنا، وستجعل الأرض تهتز تحت أقدامه، ما يؤجل فرصه في الحكم.
وفي إشارة لافتة، قال المحلل السياسي المختص في الشأن الإقليمي الدكتور عبد السلام القصاص، إن الهجوم على المنشآت النفطية في السعودية، وصمت واشنطن في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، جعل دول الخليج تعيد النظر في موقع الولايات المتحدة من أحداث الإقليم، ومدى ضماناتها الأمنية لشركائها الإقليميين، خاصة بعد الانسحاب الفوضوي من أفغانستان.
ويضيف القصاص لـ “مصر 360″، أن “رؤية محمد بن سلمان الذي يتجه؛ لتنويع اقتصاد بلاده، تظل لها وجاهتها، ولن يتنازل عنها لاعتبارات استراتيجية، مفادها رغبته في تشكيل حاضنة لحكمه من فئات جديدة بالمملكة من الناحية العمرية، وتطويعها ثقافيا لناحية اتجاه مغاير عن الشكل التقليدي، إلا أنه سيظل يعتمد على النفط كأحد أهم امدادات الطاقة العالمية، وهي سلاحه بالمجتمع الدولي، وللضغط على واشنطن.
غير أنه تعلم أهمية تنويع سياساته الخارجية، وتطوير علاقة مع روسيا كجزء من مجموعة “أوبك+”، يتابع القصاص.
تخفيضات المنظمة لإنتاج النفط، حتى في الوقت الذي ضاعفت فيه الحرب الروسية الأوكرانية أسعار الطاقة، أثار غضب الرئيس الأمريكي جو بايدن، وعدد من أعضاء الكونجرس من الجمهوريين والديمقراطيين.
ومن هذه الزاوية أيضا، يمكن ملاحظة انفتاح الرياض على الصين، والتي ساهمت بدور في بناء اتفاق تهدئة بين الخصمين الإقليميين “الرياض، وطهران”، والتي هي بحاجة لتأمين إمداداتها من الطاقة.
رسالة إلى واشنطن
وبحسب القصاص، فإن التحركات أو “المناورة التكتيكية” لمحمد بن سلمان في الاعتماد المؤقت على بكين، وموسكو، وتحقيق بعض “الخطوات الإيجابية من خلالهما، هو رسالة مفادها، أن هناك من يملأ فراغ واشنطن، وبمقدوره المساهمة في تشكيل سياسة الشرق الأوسط.
ولي العهد السعودي الذي شرع في بناء مدينة ذكية، هي نيوم تبلغ تكلفتها نحو 500 مليار دولار، بحاجة لإنهاء التوترات الحادة، حتى لا تتآكل أطراف هذه المشاريع في لحظة تفلت سياسي وأمني”.
يؤكد الباحث عبد السلام القصاص، أن تأثير الصراع في البحر الأحمر لن يقود سوى إلى ضرورة تسوية الأوضاع مع الحوثي سياسيا، وقبول المملكة بالدخول في تفاوض للتهدئة، وإنهاء نزيف الخسائر الذي شمل الرياض، ومصر التي شهدت بدورها انخفاضاً، حتى منتصف الشهر الماضي في دخل قناة السويس بنسبة 40 %، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، وتراجع في عدد السفن المارة من 777 سفينة، إلى 544 سفينة في الفترة ذاتها.
وكشف وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عن مخاوف الرياض؛ جراء التصعيد بين الحوثي من جهة، والولايات المتحدة وبريطانيا من جهة أخرى، وأن يؤدي ذلك لتوسع نطاق الصراع بالمنطقة، لا سيما أن وزارة الدفاع البريطانية أكدت نيتها تطوير نظام صواريخها، لإسقاط المسيرات الحوثية.
وشدد الوزير السعودي على ضرورة حماية أمن الملاحة الدولية، وطالب بتهدئة النزاعات بالبحر الأحمر، وحذر من خطورة تصاعد التوتر في المنطقة، مضيفا أن السعودية تركز على تهدئة الوضع “قدر المستطاع”.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية، إنها ستنفق 405 ملايين جنيه استرليني (514 مليون دولار)؛ لتحديث نظام صاروخي، تستخدمه البحرية الملكية الآن؛ لإسقاط المسيّرات فوق البحر الأحمر.
وقال وزير الدفاع البريطاني جرانت شابس، إن تطوير النظام الصاروخي يأتي في إطار الحفاظ على سلامة المملكة المتحدة، وحلفائها وشركائها، مع ما وصفه “تدهور الأوضاع بالشرق الأوسط”.
تبريد الجبهات
بشكل واضح، فإن المملكة العربية السعودية تسعى من خلال “تبريد الجبهات” في محيطها، وفي الإقليم إلى تحقيق رؤيتها 2030، التنموية المتمثلة بتنويع اقتصادها، وهو ما عبرت عنه بتواجدها في عدة مجموعات اقتصادية، حسبما يوضح الصحفي السوري المختص في السياسة الدولية، درويش خليفة. ويقول لـ “مصر 360”: “إضافة إلى وجودها في مجموعة العشرين، هناك دعوة للرياض؛ لتكون في “مجموعة البريكس” إلى جانب حلفائها العرب، مصر والإمارات. ولا يفوتنا، أن ننوه، إلى أن البطولات العالمية التي ستقام في السعودية تتطلب وضعا أمنيا مستقرا في الإقليم. فبطولة بحجم كأس العالم التي تستضيفها السعودية في عام 2030، لا شك أنها تراعي معايير الأمن والسلامة في المحيط”.
ولذلك ينبغي أن تجد بالشراكة مع الفرقاء في اليمن حلا سياسيا في السنوات القادمة، ينهي كل الاضطرابات في الإقليم، والتي يسببها الحوثيون في البحر الأحمر. فاستمرار الوضع على ما هو عليه، يؤثر سلباً على استقرار الاقتصادات العربية بالعموم، والخليجية بشكل خاص، يقول خليفة.
بالتالي، ستكون “السنوات الخمس القادمة حبلى بمهمة إعادة التوازن للمنطقة، وإعادة الاستقرار فيها، ودونها لن تتحقق المصالح السعودية وفقا لأجندة ولي العهد”.
يتفق والرأي ذاته معهد واشنطن، والذي يقول: “قد لا يتمكن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، من تأمين المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، دون مشاركة فعالة لدول البحر الأحمر نفسها، والتي تحاول أن تنأى بنفسها عن الدخول في صراع إضافي، قد يزيد الأمور تعقيدا. فلم تشارك أي دولة عربية في التحالف البحري، سوى البحرين، التي انضمت رسميا للتحالف، والتي تضم مقر قيادة الأسطول الخامس الأمريكي”.
ويتابع: “اللافت أن السعودية والإمارات لم يشاركا في التحالف، رغم خوضهما حربا سابقة ضد الحوثيين. تمتلك المملكة العربية السعودية 1811 كم على ساحل البحر الأحمر، وتتمسك بفرص السلام في اليمن، مع تزايد احتمالات التوافق الكبرى بين المملكة العربية السعودية والحوثيين، ضمن التفاهمات (السعودية– الإيرانية) الأكبر.
الجدير بالذكر، أن نائب الأدميرال براد كوبر، قائد القوات البحرية الأمريكية في القيادة المركزية، والأسطول الخامس الأمريكي، والقوات البحرية المشتركة، سبق وأشار خلال إحاطة صحفية افتراضية، شاركنا فيها، أن بعض الدول انضمت لتحالف “حارس الازدهار” لكن بشكل غير معلن.