أقر مجلس النواب قانون تطوير المنشآت الصحية، الذي أحالته الحكومة وسط حالة من الجدل في الأوساط الطبية، فيما يتعلق بمنحه القطاع الخاص، أو الأهلي حق إنشاء وإدارة وتشغيل المنشآت الصحية الجديدة بجانب إدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية القائمة.

وغير المجلس البنود المتعلقة بمستقبل أوضاع العاملين بالمنشآت من أطباء وإداريين وخدمات معاونة، بإلزام المستثمر باستمرار تشغيل نسبة لا تقل عن 25% كحد أدنى قابل للزيادة من العاملين بالمنشأة الصحية، وبشرط موافقتهم مع مراعاة الحفاظ على الحقوق المالية والوظيفية لهم، ولغيرهم من العاملين بنقلهم لجهات أخرى.

نقابة الأطباء ترفض القانون

من جانبها، اعتبرت النقابة العامة للأطباء القانون تهديدًا لسلامة وصحة المواطن المصري، واستقرار المنظومة الصحية، قائلاً إنه لا يحمل أي ضمانات لاستمرار تقديم الخدمة للمواطنين المصريين، خاصة محدودي الدخل، والتزام المستثمر بالنسبة المحددة لعلاج مرضى التأمين الصحي ونفقة الدولة، كما أن القانون لا توجد به أي قواعد لتحديد المستشفيات التي يتم طرحها للإيجار.

وأكدت نقابة الأطباء ترحيبها بتشجيع القطاع الخاص للمشاركة في تقديم الخدمات الصحية، وإنشاء وإقامة مستشفيات خاصة جديدة، تضيف إلى الخدمة، لكن ليس بتأجير المستشفيات الحكومية القائمة، والتي تقدم خدماتها للمواطن المصري وبالأخص محدود الدخل.

أزمة العمالة.. 25% فقط بحكم القانون

أشارت النقابة، إلى أن قانون الحكومة يهدد استقرار 75% من العاملين بالمنشآت الصحية التي تنوي الحكومة تأجيرها، بعدما أتاح للمستثمر الاستغناء عنهم، وإعادة توظيفهم بمعرفة وزارة الصحة في أماكن أخرى.

ويخشى الأطباء أيضًا من فتح الباب لتشغيل الأجانب، بمنح القانون للمستثمر حق الاستعانة بأطباء وأفراد هيئة تمريض وفنيين أجانب، بحيث لا يتجاوز 15% كحد أقصى من إجمالي عدد العاملين بالمنشأة، على أن يكون الترخيص بمزاولة المهنة قاصرًا على هذه المنشأة فقط وليس بوجه عام.

أجاز القانون لوزير الصحة منح ترخيص مزاولة مهنة الطب للأطباء الأجانب للعمل فقط داخل المنشأة التي يستأجرها المستثمر، وأبدت النقابة تخوفها من جلب المستثمر لأطباء من خريجي جامعات غير معترف بها من المجلس الأعلى للجامعات، والتي قررت نقابة الأطباء في جمعيتها العمومية عدم قيدهم بسجلاتها.

هل يجور القانون على الحق في الصحة؟

قال الدكتور مصطفى جاويش، خبير الديموجرافيا والادارة الصحية والوبائيات‏ سابقًا لدى ‏وزارة الصحة والسكان‏، إن القانون يمثل تخليًا من الدولة عن تقديم الرعاية الصحية المواطنين.

أضاف جاويش، أنه من حق المواطن الحصول على خدمات الرعاية الصحية بصورة كاملة ومتاحة وعادلة وبجودة عالية، حسب جميع المواثيق والقوانين الدولية، ومن أهم توصيات منظمة الصحة العالمية، أن تقوم الدولة بدورها في تقديم الجانب الأكبر والأساسي من خدمات الرعاية الصحية للمواطنين من خلال اعتمادات مالية في الموازنة الحكومية للصحة، لا تقل حسب المتوسط العالمي عن 11% من إجمالي الناتج المحلي السنوي للدولة.

أوضح أن الأمر مختلف بمصر، فرغم وجود زيادات رقمية مالية في الموازنة بالجنيه المصري سنويا، ولكنها مجرد زيادات ظاهرية فقط، ولا تحقق الهدف المطلوب منها في سد الفجوة التمويلية الموجودة في الرعاية الصحية.

أضاف أن الطرف الأول في عقد المنشآت الصحية هو المواطن صاحب المستشفى الحكومي، والذي دفع 2 ترليوني جنيه ضرائب عام 2023، وقانون تأجير المستشفيات لم يرد به أي شيء عن كيفية إدارة عملية التأجير، وهل ستكون بالطرح حسب قانون المناقصات والمزايدات أم بالأمر المباشر من خلال لجنة وزارية؟

ورفض تصريحات وزارة الصحة التي طالبت بانتظار اللائحة التنفيذية للقانون خلال شهر لتحديد تلك النقطة، قائلاً إن الكلام ذاته قيل خلال نوفمبر ٢٠١٧، عن قانون التأمين الصحي الشامل الجديد وصدر القانون في يناير ٢٠١٨، واللائحة بعدها بخمسة أشهر، ولم تضف أي شيء تفصيلي حول القانون.

مخاوف من التسعير

وقال المركز المصري للحق في الدواء وزارة الصحة، إن القانون الجديد فتح الباب، دون ضوابط أو مواربة للقطاع الخاص، سواء أكان محليًا أم أجنبيًا أو فردًا أو مؤسسة لإدارة، وتشغيل مستشفيات وزارة الصحة ووحدات الرعاية الصحية في القرى والنجوع؛ بدعوى توفير خدمة طبية جيدة، وهو أمر يفتح الباب أمام التساؤلات، خاصة أن القانون جاء بعد سلسلة قرارات، تجعل الصحة حق لمن يستطيع الدفع.

وقال محمود فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء، في حوار مع مصر 360 أخيرًا، إن الرجوع لقانون الإلزام، أي منح المستشفى لإدارة مستثمر لمدة، تتراوح بين 5 و15 عامًاـ مع إلزامها بسعر لتقديم الخدمة الصحية غير منطقي، فهل يقبل مستثمر على تقديم الخدمة الصحية بمقابل 10 جنيهات فقط؟.. وكيف يحقق الربح حينها؟.

وأضاف فؤاد، أن مشروع القانون يتنافى مع المادة الـ 18 من الدستور التي تنص، على أن “لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقا لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب، ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل”.

وأكد الدكتور شريف مختار، مؤسس طب الحالات الحرجة، أن أسعار الخدمات في المستشفيات الخاصة ارتفعت بنسب، وصلت إلى 500% في القاهرة والمحافظات المجاورة، موضحًا أن هناك عمليات بتكاليف عالية يتم تنفيذها بأسعار مخفضة، أو بالمجان في مستشفيات قصر العيني، مع إتاحة استشارات متعددة مجانية الرسوم.

وأوضح أنه بدأ عمله في أول عيادة في سنة 1982، منذ قرابة 42 سنة، وكانت الاستشارات تقدم بالمجان للمرضى، أما الآن لا توجد “شفقة”، مضيفا أن أكثر من 10% من إجمالي المصريين مصابين بأمراض السكر، و25% مصابين بأمراض ضغط الدم المرتفع، فضلاً عن أن أسعار الأدوية في مصر تواجه مشكلة النقص، سواء كان هناك زيادة في الأسعار أم لا.

تأييد برلماني للقانون

في المقابل، أكد النائب أحمد المصري، عضو مجلس النواب، أن مشروع قانون منح التزام إنشاء وإدارة وتشغيل وتطوير المنشآت الصحية، فرصة جيدة لسد الفجوة في تقديم الخدمة الصحية اللائقة للمواطنين، ويأتي في إطار توجه الدولة نحو زيادة مشاركة القطاع الخاص، بما يعمل على تشجيع الاستثمار في المجال الصحي.

وأضاف، في بيان صحفي، أن القانون يسمح بإقامة منشآت صحية جديدة سيكون داعمًا للمنظومة الطبية بشكل كبير، مشيرًا إلى أن مشروع القانون ينص فقط على حق انتفاع لمدة، لا تتجاوز 15 عامًا، وفقا لشروط صارمة تحافظ على هذه المؤسسات.