كتبت- إيمان رشدي
المرة تلو المرات، تتردد أسرة طالب طب المنصورة مازن أحمد دراز، الذي كان قد صدر قرار بحبسه احتياطيا المحبوس احتياطيا على ذمة القضية المعروفة إعلاميا بـ “دعم فلسطين”، على مكتب شؤون الطلبة بالكلية، كانت الأسرة تريد فقط الحصول على “إفادة” من الكلية، أن ابنها مقيد بالكلية، لتقديمها لإدارة السجن، ربما يتمكن من استكمال مذاكرة مواده المقررة، وأداء الامتحان، لكن الكلية رفضت ــ ببساطةــ إعطائهم الورقة المطلوبة. صحيح أن مازن مطلق سراحه حاليا، ولكن حقه كما حقوق غيره في أداء الامتحان، جرى تقييده لتضيع عليهم سنة من عمرهم التعليمي، كما تضيع أعمارهم في غياهب السجون، وظلمات الافتئات والانتهاك للوائح والقواعد التي تنص عليها القوانين والقواعد الموضوعة.
قررت أسرة مازن، أن تجرب الطريقة العكسية، وأحضرت إفادة من النيابة، أن نجلها محبوس احتياطياً، وذهبت لتقديمها للجامعة، لتحجزــ أو تحاول ـ له مقعدا في امتحانات نهاية العام، لكن إدارة الكلية رفضت أيضا استلام الإفادة القادمة من النيابة.
الرفضان لا سند لهما من القانون، ونتيجتهما كانت أن مازن الذي شارك في إطلاق صفحة “طلاب من أجل فلسطين” على فيسبوك، لم يتمكن من المذاكرة، ولا من حضور الامتحان، وبالتالي “ضاعت عليه السنة”.
لا سبب مقنع يفسر، لماذا قررت كلية طب المنصورة حرمان مازن من فرصة تخطي أزمة الحبس الاحتياطي، ومواصلة مساره التعليمي كأي من زملائه، رغم كفالة الحق في التعليم للجميع بما فيهم السجناء والمحبوسين احتياطيا، بموجب الدستور المصري وكافة المواثيق الدولية؟
تضمن المادة 19 من الدستور التعليم كحق لكل مواطن، كما ينص الإعلان العالمي لحقوق الانسان في المادة 26 على حق جميع الأفراد في التعليم، وأن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان، وتعزيز واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
الحق لم يكفله فقط الدستور والمواثيق الدولية، فالقواعد النموذجية لمعاملة السجناء تكفل الحد الأدنى من الشروط الواجب توافرها؛ لإتاحة حق التعليم للسجناء داخل مقرات السجون.
ونصت الفقرة الثانية من المادة الرابعة، على أن توفر مقار الاحتجاز بيئة مناسبة للدراسة كالإضاءة والتهوية، وتنص غيرها من المواد، على أن تحترم عمليات التفتيش خصوصية السجين ومتعلقاته الشخصية من الكتب والمراجع والأوراق الخاصة بالدراسة.
هذه الحقوق حُرم منها مازن، وكذلك حُرم منها زياد البسيوني، طالب أكاديمية الفنون، الذي ألقي القبض عليه وحبس احتياطيا على ذمة القضية نفسها “مطلق سراحه حاليا”، والتي حملت رقم 1941 لسنة 2024 حصر تحقيق أمن دولة عليا.
أسرة زياد نجحت في الحصول على ورقة من معهد الفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، حيث يدرس وقدمتها للنيابة التي قالت لهم إنه منذ إيداعه الحبس، بات في عهدة إدارة السجون وبالتالي هي المسئولة عنه، من جهتها، إدارة السجون أخبرتهم أنها تنفذ التعليمات التي تأتيها من النيابة، وأن الإجراء في يد النيابة وحدها، ليصلوا إلى النتيجة نفسها التي سبقتها إليهم أسرة مازن.
ليسا وحدهما
عجز الطلاب المحبوسين من استكمال دراستهم، أزمة لا تقتصر على مازن وزياد، وليست حديثة، فقد سبقهم العشرات من الطلبة في مختلف المراحل الدراسية، مروا بنفس الموقف الناتج عن التعنت.
قانون تنظيم السجون المصري رقم 396 لسنة 1956، وتعديلاته أعطى الحق للسجين في استكمال تعليمه وأداء الامتحانات، وألزم سلطات السجن بتوفير الأدوات اللازمة للطلاب المحبوسين للدراسة وأداء امتحاناتهم، ونصت المادة 31 من ذات القانون، على أن إدارة السجن مطالبة بتشجيع السجناء على القراءة والتعلم، وتسهيل الدراسة للسجناء الراغبين في مواصلة تعليمهم والسماح لهم بأداء الامتحانات في الأماكن المحتجزين فيها.
طالب الصيدلة أحمد أشرف نصار، الذي ألقي القبض عليه في فبراير 2015، تنفيذاً لحكم بالسجن المؤبد صدر ضده غيابياً مع 267 متهماً، بتهمة إشعال حريق في المجمع العلمي المصري، لم يتمكن من حضور امتحان نهاية العام بكليته التي وعدت بتنظيم امتحان استثنائي له، بعد أن فاته موعد الامتحان، لكنها ــ الكليةــ اشترطت إجراء الامتحان داخل الحرم الجامعي؛ نظرا لأن جزءا من الامتحان عملي يتم إجرائه في المعمل، وبالطبع لم توافق إدارة السجن، ولا زالت المشكلة قائمة على مدار سنوات.
زاوية أخرى للأزمة وصورة مختلفة للتعنت، تكشفها حكاية عمرو ربيع، طالب الهندسة المحبوس احتياطيا بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية، فأزمته لم تكن في مكان عقد الامتحان، ولا ورقة تفيد كونه طالبا، بل في الكتب الدراسية التي لم تتمكن والدته من إدخالها إليه، حيث تم إبلاغها، أن هناك تعليمات جديدة، تقضي بتسليم هذه الكتب لمصلحة السجون، وهي التي سترسلها للسجن الذي يوجد به ابنها، وعندما توجهت للمصلحة، قالوا لها إنه لا وجود لمثل هذه التعليمات، وإن إدارة السجن هي المنوط بها استلام الكتب.
مكان الامتحان، وصول الكتب للطالب المحبوس، أو استخراج الأوراق التي تفيد كونهم طلابا، وصور أخرى متعددة، كلها تؤدي في النهاية إلى حرمان المحبوسين، أو نسبة كبيرة منهم، من حقهم الدستوري والقانوني في استكمال تعليمهم.
بالعودة لنصوص القانون، نجد أنه وفقا للالتزامات الدولية، ووفقا لما تعلنه السلطات المصرية عن رغبتها في التحول من الفلسفة العقابية لفلسفه التأهيل والإصلاح، والتي نادت بها الاستراتيجية الوطنية لحقوق الانسان، وفقا لهذا كله، تقع على عاتق إدارات السجون، مسئولية السماح للمحتجزين بتأدية الامتحانات بمقار اللجان، دون تفرقة بين السجناء السياسيين والجنائيين، وعدم التعنت أو اختلاق الحجج التي تحول دون أداء الطلاب لامتحاناتهم، والسماح لهم بإحضار الكتب الدراسية والتوقف عن إعاقة رغبتهم في مواصلة التعليم من خلال إجراءات طويلة، تتحكم بها جهات عدة، ولا تقتصر على إذن النيابة العامة فقط.
وتؤكد المــادة 15 مــن قــرار وزيــر الــداخــلية رقم 79 لسنة 1961، المــعدل فــي 2015 و2022 عــلى “الــسماح لــلسجناء بــاســتحضار المــواد الــدراســية والــتثقيفية بـعد الـتأكـد مـن خـلوهـا، مـما يـخالـف الـنظام أو يـثير الـشعور والـحواس”.
ويمكن القول، إنه عند تطبيق مصطلح “مـخالـفة الـنظام”، فإنه يتحول إلى عبارة عامة فضفاضة، وإن الأمر يـخضع لـتقدير مـفتشي الـسجون، فيما قـد يـعتبرونـه “مـخالـفة للنظام العام، ما يفتح المجال واسعا للتعنت، وهو ما تعرض له محمد عادل الناشط السياسي المحبوس أثناء استكماله دراسة الحقوق، ولكن عادل رغم كل العنت والتعويق نجح في الحصول على الليسانس مؤخرا.
زوجة عادل أشارت إلى تعنت إدارة السجن في إدخال الكتب الدراسية والتأخير المتعمد في تسليمها، حيث كانت الكتب تُمنع أحيانًا، وتُفقد أحيانًا أخرى، أو تُحتجز لأشهر، قبل أن تُسلم له.
متى تتوافر الإرادة؟
ومن ثم تبقى ضرورة، أن يجري التشديد في اللوائح التنفيذية على استثناء واضح للكتب التعليمية وأوقات الامتحانات الدراسية، وكذا منح الطلاب المحبوسين أوقاتا للاستذكار في أماكن مخصصة، لا سيما في فترات الامتحانات الدراسية والجامعية، وكذلك ضرورة إضافة نصوص تمكن السجناء، وتحمي حقوقهم في أداء الامتحانات باللجان المخصصة لها بالجامعات والمدارس من تعنت إدارات بعض السجون، ومنع استخدام الامتحانات كأداة لمعاقبة الطلاب المحبوسين على خلفية قضايا ذات طابع سياسي، وذلك بمنعهم من أداء الامتحانات أو عدم توفير أدوات الدراسة لهم من كتب وأوراق وأقلام.
ولكن هناك قبل التشديد في النصوص واللوائح، الضرورة الأولى والأهم، وهي أن تتوافر الإرادة لدى الأجهزة في احترام اللوائح والقوانين التي وضعتها ووافقت عليها، وبالطبع فهذا أمر يستوجب، ويستلزم نضالا وإصرارا من السياسيين والحقوقيين والمجتمع بأسره يلزم ويجبر هذه السلطات على الالتزام.