كتب- سمير علي

لم يكن ثمة تخوف من الذكاء الاصطناعي قبيل انتشاره الواسع، سوى من إحلال الآلة بديلاً عن البشر في أداء المهام والوظائف المعتادة، ولم يفكر أحد أن الأمر سيتخطى إلى ما هو أبعد من ذلك إلى استخدام، وتوظيف الذكاء الاصطناعي كآلة قتل ممنهج؛ حفاظا على نظام فصل عنصري. 

الوجه المُخيف لأدوات وبرامج الذكاء الاصطناعي ظهر مع حرب غزة، التي انطلقت شرارتها الأولى في 7 أكتوبر الماضي، عندما تم الكشف عن استخدام دولة الاحتلال الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي للتجسس، وتتبع الأهداف في غزة والضفة الغربية، ومع مرور أكثر من 300 يوم على حرب غزة، ووصول عدد القتلى لما يزيد عن 40 ألف قتيل، تتزايد المخاوف من التكنولوجيا المتطورة التي يتم استخدامها في الفتك والقتل.

الوحدة 8200

يُطلق عليها “وحدة النخبة”، وتعد أقوى أذرع جيش الاحتلال، تعمل على التجسس على كل شيء، وهي الوحدة المسئولة عن تطوير أنظمة وبرامج الذكاء الاصطناعي، ومسئولة عن التجسس الإلكتروني عن طريق جمع الإشارات وفك التشفير، وعن الحرب الإلكترونية التي يديرها جيش الاحتلال على مواقع التواصل الاجتماعي، وصفتها صحيفة الجارديان البريطانية، بأنها تقف على قدم المساواة مع وكالة الأمن القومي الأمريكية، كما تعد المسئولة عن تطوير برامج الذكاء الاصطناعي، والتدرب على كل ما هو جديد فيها، وإعطاء أوامر القتل المباشرة باستخدام التقنيات الحديثة.

مشروع نيمبوس.. القتل عبر وكيل

في إبريل 2021، وقعت دولة الاحتلال عقدا بقيمة 1.2 مليار دولار مع عملاقي التكنولوجيا جوجل وأمازون، مقابل إنشاء مراكز بيانات إقليمية، أو ما يعرف بمشروع نيمبوس.

ماهية المشروع منذ إعلانه حتى اليوم، ما زالت غير معروفة، ولكن موقع إنترسبت الأمريكي كشف بعد عام من توقيع الاتفاق، أن جوجل تقدم خدمات تقنية متقدمة لدولة الاحتلال، منها تقنية التعرف على الوجوه، وتصنيف الصور والتتبع، وتحليل المشاعر للصور والنصوص، وذلك وفقًا لوثائق ومواد اطلع عليها الموقع.

وفقًا لمجلة “Time” الأمريكية، فإن تفاصيل المشروع نادرة وغير موجودة وتفتقر للشفافية، موضحةً أن المشروع يهدف إلى إنشاء نسخة آمنة من google cloud داخل الأراضي الفلسطينية، مما يسمح لحكومة الاحتلال بإجراء التحليلات والتدريبات واسعة النطاق، وبتدخل محدود من جوجل.

بعد التوقيع على المشروع، احتج عشرات الموظفين في عملاق التكنولوجيا جوجل على خلفية إمكانية استخدامه في قتل المدنيين الفلسطينيين، وانتهاك حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، فيما اكتفت جوجل بالرد، أنه لا يمكن السماح لأحد بانتهاك حقوق الآخرين.

اللافندر.. القصف المدمر

في 2021، صدر كتاب بعنوان “الفريق البشري الآلي”، ومؤلفه هو قائد الوحدة 8200 يوسي سارييل، وذلك حسب تحقيق لمجلة (+972) الإسرائيلية والمتخصصة في فضح ممارسات الاحتلال،

الكتاب كشف عن تطوير جيش الاحتلال لبرنامج سُمي “لافندر”، يهدف إلى تمييز جميع العملاء المشتبه بانضمامهم إلى حركة حماس أو الجهاد الإسلامي، وبناء على المخرجات، يتم إعطاء أوامر بقصف المناطق أو الأشخاص التي حددها البرنامج.

وفقاً لمؤلف الكتاب، فإن “لافندر” سجل في بدايته حوالي 37 ألف فلسطيني كمشتبه بهم، وبناء عليه أعطى قادة جيش الاحتلال الأوامر باعتماد القوائم التي أخرجها البرنامج، دون التحقق من هوية هؤلاء الأشخاص.

وسمحت قوات الاحتلال بقتل المدنيين كـ “أضرار جانبية” في حال تواجدهم بالموقع الذي حدد البرنامج وجود أحد المشتبه بهم فيه.

وبحسب التحقيق الذي أجرته المجلة الإسرائيلية (+972)، فإن لافندر يعمل وفقًا للتقييم من 1 إلى 100، وذلك عن طريق إدخال البيانات والمعلومات التي يتم جمعها من برامج المراقبة المختلفة لسكان قطاع غزة، وأعضاء حركة حماس، وبناء على المعطيات يقوم البرنامج بتقييم الأشخاص، وفي حالة كان التصنيف مرتفعاً، أو إذا كانت البيانات متشابهة مع بيانات أعضاء حماس، يتم وضعهم تلقائياً على قوائم الاغتيال.

وبحسب 6 من ضباط الاستخبارات الإسرائيليين تحدثوا للمجلة، فإن البرنامج لم يعد يفرق بين العاملين في الدفاع المدني كمثال، وبين مسلحي حماس، ما يعني أنه لم يكن هناك آلية للإشراف على القتل الخطأ، وهو ما يتضح في عدد القتلى في قطاع غزة، والذي وصل إلى ما يقرب من 40 ألف قتيل.

الذئب الأزرق.. حينما يحدد “الكود” مصيرك

وهناك تطبيق الذئب الأزرق، والذي جاءت فكرته من مشروع المدينة الذكية الذي نفذته دولة الاحتلال في الضفة الغربية.

 وقامت فكرة المدينة الذكية على تركيب كاميرات مجهزة بقدرات بيومترية؛ لمراقبة والتجسس على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ورصد تحركاتهم وصورهم وهوياتهم، ومن بعده عمدت قوات الاحتلال إلى استخدام، ما عرف بتطبيق الذئب الأزرق، وزودت هواتف الجنود به.

التطبيق مهمته، أن يقوم جنود الاحتلال بتصوير أي شيء يقابلهم في الضفة الغربية، السكان والأطفال والمنازل والشوارع، والهويات والتصاريح الأمنية، وكانت قوات الاحتلال تقتحم المنازل من أجل تصوير المواطنين، وذلك لضمها إلى قاعدة البيانات الإسرائيلية لمعرفة كافة المعلومات المطلوبة عن شخص ما، حال الحاجة إليها.

وحسب حركة “كسر الصمت” المعنية برصد انتهاكات جيش الاحتلال، فإن التطبيق من شأنه رصد جميع المعلومات عن الفلسطينيين والتوجهات السياسية والعقائدية لهم، وهو ما قد يمنح جنود الاحتلال الفرصة لاستغلاله بشكل سيء، وتصفية المعارضين في التوجهات العقائدية، إذا لم يكن مطلوباً أمنياً، ووفقاً لصحيفة هآرتس العبرية، فإن تحديد مصير الفلسطينيين وحياتهم مرهون بأكواد برمجية.

بيجاسوس.. هواية التجسس

يعد تطبيق بيجاسوس أحد أشهر برامج التجسس في العالم، طورته شركة NSO الإسرائيلية المتخصصة في الأمن السيبراني، وقامت بتزويد العديد من حكومات العالم به.

وفي عام 2021، اخترقت قوات الاحتلال أجهزة عدد من مسؤولي منظمات المجتمع المدني باستخدام بيجاسوس، وتجسست عليهم، ثم لاحقتهم، وقامت بتصفيتهم.

يقوم التطبيق بالتثبيت التلقائي على أجهزة الهواتف المحمولة، وهو مخصص لأجهزة الآيفون، ويحصل على جميع الملفات الموجودة على الجهاز، ويقوم بتسجيل الشاشة والوصول إلى الميكروفون والكاميرا.

ووفقاً للجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل، فإن مجموعات عسكرية إسرائيلية تستخدم التطبيق لمراقبة جماعية للفلسطينيين بطريقة غير أخلاقية؛ لابتزازهم وزرع الانقسامات بينهم.

جوسبل.. تطور في القتل

نظام جوسبل وفقًا لمجلة (+972) الإسرائيلية، أحد أنظمة الذكاء الاصطناعي الذي طورته الوحدة 8200 بجيش الاحتلال، ويعمل على تحليل المحتوى والمناطق، وتقديم توصيات بالقتل والقصف،

ويعمل النظام على تحليل آلاف البيانات عن طريق العديد من المصادر مثل الهاتف الخلوي، وصور الأقمار الصناعية، واللقطات التي تحصل عليها الطائرات بدون طيار، وأجهزة الاستشعار، واعتراض الإشارات.

خلال الـ 100 يوم الأولى لحرب غزة، أعلن جيش الاحتلال في بيان رسمي عن تنفيذ ضربات على 30 ألف هدف في غزة.

 مقارنة بما تم استهدافه في السنوات السابقة، نجد فارقا ضخما في تطور الهجوم الإسرائيلي والاستهداف وأعداد الضحايا، وهو ما يوضح مدى تأثير الخوارزميات والتطبيقات التي تستعين بها دولة الاحتلال.

في أواخر نوفمبر الماضي، نشر الموقع الرسمي لجيش الاحتلال بياناً يشرح آلية عمل نظام جوسبل، وأوضح أن النظام يستخدم؛ لتحديد أكبر عدد ممكن من الأهداف، وبينها أهداف مدنية، كما يقوم بتحديد كمية ونوع الذخائر المستخدمة، ويقوم آلياً بإرسال المخرجات إلى المسئولين عن التنفيذ، سواء جنوداً في الميدان أو قائدي الطائرات.

حبسورا.. مصنع الاغتيالات الجماعية

في حديث لخمسة مصادر من جيش الاحتلال للمجلة الإسرائيلية، فإن نظام حبسورا قادر على معالجة الكثير من البيانات بشكل أفضل وأسرع من الإنسان، ويتم إعداد الأهداف تلقائياً خلال النظام، ويعمل على تحسين موارد الاستخبارات الإسرائيلية، على أن يحدد نسبة الخسائر من المدنيين، ويتم توليد الأهداف واستهدافها بدون التعمق في التأكد منها.

وأكدت المصادر، أن المدنيين يقعون تحت بند “أضرار جانبية” يتم تحديدها خلال الاستهداف، وأطلقوا على النظام “مصنع الاغتيالات الجماعية”، ويسمح النظام بتحديد الأهداف الأصغر في حركة حماس أو عملائها، ويمكن استهداف عضو واحد من الحركة في نطاق واسع يشمل مدنيين، حتى لو كان متواجداً وسط عائلة بأكملها.

ووفقاً لصحيفة الجارديان، فإن دولة الاحتلال تستخدم هذا النظام؛ لتحديد أولوياتها الدفاعية، ويعد منصة جمع وتحليل للبيانات من مصادر مختلفة، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية، ولقطات الطائرات بدون طيار، والذكاء البشري، ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

ويضع نظام حبسورا درجة؛ لتحديد كل هدف، كما أنه يحدد أهمية الهدف والمخاطر والأضرار التي يمكن أن تحدث، إذا قررت إسرائيل ضرب هذا الهدف، ويرسل القائمة إلى القادة الإسرائيليين للموافقة عليها وتنفيذها، حيث يقوم النظام بتوليد وإنشاء الأهداف باستخدام طريقة، تسمى “الاستدلال الاحتمالي”، وهي سمة أساسية لخوارزميات التعلم الآلي فيالأساس، تقوم على تحليل كميات كبيرة من البيانات لتحديد الأنماط، وتعتمد فعالية هذه الخوارزميات إلى حد كبير على جودة وكمية البيانات التي تعالجها، وتستخدم لتقديم تنبؤات أو اقتراحات بناءً على الاحتمالية المولدة.

?Where’s Daddy.. مراقبة المنازل

عائلات بأكملها تم إبادتها باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، ومن بين هذه الأنظمة نظام أين أبي؟ الذي يستخدمه جيش الاحتلال لمراقبة والتجسس على الفلسطينيين، ويعمل النظام على مراقبة العائلات خلال تواجدهم في منازلهم، وهو مخصص للبحث عن الأشخاص في المنازل، وليس فقط في الثكنات أو المناطق العسكرية.

وبحسب ضباط تحدثوا لمجلة (+972)، فإنه طبقاً لتقديرات إسرائيل لأعضاء حركة حماس وصلت إلى 40 ألف عضو، وهو ما دفع للاستعانة ببرنامج لتحديد الرتب الدنيا في الحركة.

وتقول المجلة، إن النظام يراقب حوالي 90 % من سكان قطاع غزة، بناء على تقييمات، وأن هناك 10 % من الأشخاص الذين سيقتلون، ليسوا أعضاء ضمن حماس،.

Chatgpt يوضح أبرز الأنظمة التي تستخدمها إسرائيل في حرب غزة

سألنا chatgpt على أبرز أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تستخدمها إسرائيل في حربها على غزة، وأظهر أن دولة الاحتلال تستخدم عشرات الأنظمة والتطبيقات، إضافة إلى التطبيقات السابقة، ومنها: نظام الذكاء الجغرافي المكاني لتحديد الأهداف العسكرية، وعمق الحكمة، وسكيور، والذكاء الاصطناعي التنبؤي، وعين النسر، ورؤية الليل، وهوريزون، وشركت، والسيطرة والتوجيه.

اعتراف رسمي

قبل فترة قريبة، أعلنت العقيد راشيلي ديمبينسكي، قائد وحدة الاستخبارات العسكرية المسئولة عن البنى التحتية السحابية والحوسبة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، خلال فعاليات المؤتمر السنوي لتكنولوجيا المعلومات والأمن العسكري، الذي عقد بتل أبيب في يوليو الماضي، عن استغلال خدمات الذكاء الاصطناعي والتخزين السحابي التي تقدمها شركات التكنولوجيا العالمية في حربها على غزة.

 وكان ذلك بمثابة إعلانا رسميا صريحا للمرة الأولى من جيش الاحتلال باستخدام التقنيات الحديثة للقتل والفتك.