نشرت دورية فورين بوليسي المختصة بالشؤون الدولية مقالا قبل يومين خلص كاتبها إلى أن السبيل الوحيد المتاح لوقف الحرب الدائرة بالسودان يكمن في الضغط على دولة الإمارات لوقف دعمها لقوات الدعم السريع صاحبة المسؤلية الأعظم فيما يرتكب من أعمال وحشية ضد المدنيين في هذا البلد العربي الإفريقي.
ويمضي تحليل المجلة العالمية قائلا: أبوظبي تطيل أمد الحرب من خلال تسليح المتمردين ذوي النزعة الوحشية في قوات الدعم السريع. وأنه يجب على المجتمع الدولي أن يتوقف عن التغاضي عن ذلك.
ويتطرق التحليل إلى الجوانب الإنسانية التي هي جوهر الأزمة فيشير إلى أن السودان، الذي دمرته الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، يعاني الآن من استجابة إنسانية فاشلة ومسيّسة.”
لقد وصلت الأزمة المستمرة هناك إلى أبعاد كارثية، ومع ذلك لا تزال استجابة المجتمع الدولي غير كافية بشكل مؤسف.
ويلمح التحليل إلى أن هناك سلسلة من الأخطاء والمناورات السياسية قوضت الجهود المبذولة؛ لتقديم مساعدة ذات مغزى لأولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها، ولم تتم محاسبة قوات الدعم السريع، المجموعة شبه العسكرية المسئولة عن الكثير من العنف، على تدميرها المتعمد لمخزونات الطعام في البلاد.
الوضع يتطلب اهتمامًا فوريًا وتحولًا جذريًا في النهج من قبل القادة والمؤسسات العالمية.
في جوهر هذا الفشل، تكمن التأخيرات المستمرة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في معالجة النتائج التي توصلت إليها لجنة الخبراء الخاصة بالسودان.
هذه النتائج توثق ادعاءات “موثوقة” بشأن تورط الإمارات العربية المتحدة في انتهاك حظر الأسلحة المفروض على دارفور من خلال تزويد قوات الدعم السريع بالأسلحة والذخيرة.
إضافة إلى ذلك، ذكرت صحيفة الجارديان، أن مسئولين في الحكومة البريطانية كانوا يعوقون مناقشات حول تورط الإمارات في مجلس الأمن لعدة أشهر، حتى بعد وصول حزب العمال إلى السلطة في يوليو.
هذا التأجيل لا يقوض فقط الحاجة الملحة لمعالجة الأزمة، بل يسمح أيضًا باستمرار التدخلات الخارجية المحتملة دون رادع.
إن تقاعس مجلس الأمن يبعث برسالة مقلقة حول التزام المجتمع الدولي بحل النزاع وحماية المدنيين السودانيين.
وفي حين أن الجهود الدبلوماسية حاسمة، فإن هذه المناقشات لا تقدم آليات جديدة لفرض إنهاء الهجمات على المدنيين.
الفشل الأمريكي
ويتناول تحليل الفورين بوليسي فشل المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى السودان، توم بيرييلو، في تقديم أي آليات ملموسة لتطبيق إعلان جدة، الذي نص على حماية المدنيين والتزام قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية بإخلاء الاماكن العامة، والخاصة وعدم احتلالها.
واكتفى بيرييلو بالإشارة في مقابلة على منصة X في وقت سابق من أغسطس، إلى أن الإمارات ومصر ستحضران الجولة الأخيرة من المحادثات التي عقدت في جنيف منتصف أغسطس، ومع ذلك، لا يوجد ضغط كبير، يُمارس على الإمارات. بدون إجراءات ملموسة لحماية الشعب السوداني، فإن مثل هذه المحادثات قد تصبح مجرد إشارات أدائية، تفشل في معالجة المعاناة الفورية على الأرض.
قاطعت الحكومة السودانية محادثات جنيف بعد إضافة الإمارات كوسيط، رغم استمرار دعمها العسكري لقوات الدعم السريع.
بالإضافة إلى ذلك، ألغى مغني الراب الأمريكي ماكليمور حفله المقرر في أكتوبر في دبي احتجاجًا على الدور المدمر للإمارات في الصراع السوداني.
كانت استجابة المجتمع الدولي المالية محبطة بنفس القدر، فعلى الرغم من عقد العديد من المؤتمرات الإنسانية، لم يتم تلبية سوى جزء صغير من النداء الذي أطلقته الأمم المتحدة في فبراير 2024 بقيمة 4.1 مليارات دولار.
هذا النقص الحاد في التمويل يترك ملايين اللاجئين السودانيين، والنازحين داخليًا بدون الدعم الأساسي، مما يزيد من تفاقم الوضع المأساوي بالفعل.
يكشف التناقض الواضح بين الوعود التي قُدمت في هذه المؤتمرات، والمساعدات الفعلية المقدمة عن فجوة مقلقة بين الخطاب والعمل.
ويفاقمها غياب المساءلة عن أولئك الذين يرتكبون أعمال العنف، ويستخدمون المجاعة كسلاح الأزمة في السودان.
التدمير السريع
تواصل قوات الدعم السريع، المسئولة عن الكثير من الدمار، العمل دون عقاب، وتقوم بتدمير مخزونات الغذاء في البلاد بشكل متعمد.
منذ سيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة، مركز الزراعة في البلاد، في ديسمبر، تكافح البلاد ضد مجاعة من صنع الإنسان. أبلغ المزارعون في الولاية عن فقدان شبه كامل لمحاصيل القطن والقمح بسبب؛ سيطرة قوات الدعم السريع.
على النقيض من ذلك، شهدت المناطق التي لا تزال تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية محاصيل طبيعية.
وفقًا لتقارير محلية في الجزيرة، دفعت قوات الدعم السريع المزارعين المحليين إلى حصاد المحاصيل فقط لمصادرتها ونقل المحصولات خارج الولاية لصالحها.
في 26 يونيو، تقدمت قوات الدعم السريع نحو مركز التجارة الجنوبي الشرقي في سنار، في محاولة لتوسيع مكاسبها الإقليمية بعد أكثر من 14 شهرًا من الحرب مع الجيش السوداني.
أدى هذا التحرك إلى نزوح أكثر من 150,000 شخص يعيشون في الولاية، كثير منهم كانوا قد فروا من الجزيرة خلال غزو قوات الدعم السريع في ديسمبر 2023. استهدفت الميليشيا أيضًا مشروع سنار الزراعي ومخزونات الغذاء، مما زاد من تعميق الأزمة الإنسانية وأضعف الجهود نحو الاستقرار والسلام.
تذكر منظمة أطباء بلا حدود أن قوات الدعم السريع تستهدف المستشفيات المحلية، وتعوق وصول المساعدات في دارفور، خارج مدينة الفاشر، حيث يحاصر أكثر من 800,000 مدني من قبل قوات الدعم السريع، وتم احتجاز شاحنات إمدادات أطباء بلا حدود في بلدة كابكابية المجاورة من قبل قوات الدعم السريع لمدة أربعة أسابيع. يهدد هذا الحصار بترك مستشفى السعودي، أحد آخر المرافق الصحية العاملة في الفاشر، دون إمدادات حيوية.