نشر مركز ويلسون مقالا لعضوة البرلمان المصري أميرة صابر، عن الأضرار البيئية الناجمة عن الحرب في غزة، أكدت فيه على الآثار السلبية المترتبة على الصراع وتغير المناخ على مستقبل غزة، وصحة الأجيال الباقيةــ وخاصة النساء والأطفال.
حول مركز ويلسون
تأسس مركز ويلسون بموجب ميثاق من الكونجرس، ويقدم المشورة وتحليلات غير متحيزة حول الشؤون العالمية لصناع السياسات من خلال بحث معمق، وتحليل محايد، ومنح دراسية مستقلة.
في عام 2019، تم تصنيف المركز كأفضل مركز أبحاث للدراسات الإقليمية في العالم.
إلى نص المقالة:
لقد أتاح لي دوري في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري الوصول المباشر إلى المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالأزمة الإنسانية الشديدة في غزة. ومع ذلك فإن الأمر لا يتطلب إحاطات مغلقة لفهم خطورة الموقف “العدد المتزايد للقتلى، صرخات المواليد الجدد، عجز آبائهم، وأصوات الجوع في بطونهم”.
إن التأثيرات السلبية لهذه الحرب تشعر بها بشكل أكثر حدة النساء والأطفال الناجون.
بعد أن تُحقق إسرائيل هدفها العسكري المثير للجدل والمتمثل في القضاء على حركة حماس، ستُترك غزة في حالة كارثية، وهي الحالة التي تتحدث عنها التلميحات الغامضة من القادة الإسرائيليين أو التصريحات المتعلقة بالمساعدات الدولية التي يتم تجاهلها.
وإذا توقفت الحرب بمعجزة، ما هو المصير الذي ينتظر الناجين في غزة، سواء كان عددهم بالمئات أو الآلاف؟
في اليوم الذي يلي سقوط آخر قنبلة، سيعاني الجيل الفلسطيني الناجي من الحرب من الآثار الكارثية وطويلة الأمد للتغيرات المناخية، التي تفاقمت بفعل هذه الحرب.
مأساة المناخ في غزة
قبل وقت طويل من اندلاع الحرب الحالية، كانت السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، بما في ذلك حصار غزة، تتعرض لانتقادات شديدة في الأوساط العلمية والسياسية ومنتديات حقوق الإنسان بسبب؛ أضرارها البيئية.
على سبيل المثال، تقلصت بشكل كبير إمكانية الحصول على مياه الشرب النظيفة في غزة نتيجة؛ للهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية الحيوية؛ وباتت 97% من المياه المتاحة لا تفي بمعايير منظمة الصحة العالمية.
كما أن تدمير خطوط جمع مياه الأمطار، وتجريف الأراضي الزراعية زاد من تفاقم التدهور البيئي، وزاد من مخاطر الفيضانات في غزة.
في مؤتمر الأطراف COP28، الذي عُقد بعد شهر واحد فقط من اندلاع الحرب، أكد المندوبون الفلسطينيون على ضرورة إعطاء الأولوية لحياة الإنسان قبل السعي؛ لمتابعة العمل المناخي، وهذا الموقف صحيح، ولكن لا ينبغي اعتبار الهدفين متناقضين، فعقارب ساعة الموت المناخي تدق بالفعل.
التقارير الواردة من غزة، يجب أن تُنبه أي شخص يهتم بإمكانية العيش فيها مستقبلا، ففي حين أن البنية التحتية المدنية يمكن إعادة بنائها، فإن الضرر البيئي، وما يترتب عليه من أضرار صحية، لا يمكن إصلاحه.
على سبيل المثال، الحطام الناتج عن شظايا القنابل قد تخلل الهواء في غزة، ما قد يؤدي إلى مضاعفات صحية طويلة الأمد، مثل زيادة خطر الإصابة بالسرطان والأمراض التنفسية، وتفاقم الحالات الصحية لأكثر من 350,000 فلسطيني، يعانون من أمراض مزمنة.
علاوة على ذلك، فإن انبعاثات الكربون غير مسبوقة، فقد أدي استخدام أكثر من 25,000 طن من المتفجرات، لتوليد أكثر من 281,000 طن من ثاني أكسيد الكربون في الأسابيع الستة الأولى من الحرب.
وأخيرًا، من المتوقع، أن يصبح هطول الأمطار في غزة غير منتظم، وأن ينخفض بنسبة 20% بحلول عام 2050.
هذه المنطقة المكتظة بالسكان، والتي تعاني نقص الموارد، محاصرة في حلقة مفرغة من الصراع وتغير المناخ، حيث يؤدي كل منهما إلى تفاقم الآخر، وحتى الناجين من الحرب قد يُكتب عليهم الفناء بسبب؛ آثار تغير المناخ.
التأثير على الفئات الضعيفة
النساء الناجيات من الحرب يواجهن موتًا بطيئًا، وتعاني أكثر من مليون امرأة وفتاة فلسطينية في غزة من الجوع الشديد، بل والمجاعة في بعض الأحيان.
يفتقدن إلى الطعام، والمياه الآمنة، والصرف الصحي، وهي أمور حيوية للأمهات المرضعات والحوامل.
وحتى اللواتي يحالفهن الحظ في العثور على طعام، سواء كان مُلقى أو مُهرب، يواجهن التشرد، ويعشن بين أنقاض منازلهن وقبور أقاربهن الذكور.
نساء غزة يعشن تحت سماء مليئة بالقنابل، وأطفالهن مطاردون بصور سحابات الفطر التي أودت بأحبائهم.
يزيد تغير المناخ من تفاقم هذه الهشاشة، إذ تتعرض النساء لمخاطر متزايدة؛ تؤثر على صحتهن البدنية والعقلية، وتهدد سبل عيشهن من خلال تدمير القطاع الزراعي، وتزايد انعدام الأمن الغذائي.
ويُعد القطاع الزراعي الأكثر تضررا من تغير المناخ وأحد أكبر القطاعات التي توظف النساء في غزة، حيث تعمل به واحدة من كل ست نساء في القطاع.
ومع غياب أرباب الأسر نتيجة؛ الوفاة أو الاعتقال أو الاختفاء بسبب الحرب، يتزايد العبء على النساء اللواتي، يُعِلن الآن أسرهن، بنسبة تبلغ 8.6% من العائلات في غزة.
هذه التأثيرات ستكون طويلة الأمد، وستتجاوز أي اتفاق لوقف إطلاق النار، قد يتم التوصل إليه قريبًا، فمع تدمير سبل العيش تمامًا، تواجه هؤلاء النساء مستقبلاً غامضًا وصعبًا.
ولأن النساء عادةً هن المسئولات عن تأمين الموارد، فإن التنافس المتزايد على الموارد النادرة يزيد من عدم المساواة بين الجنسين.
علاوة على ذلك، فإن عبء الرعاية وإعادة البناء يقع بشكل غير متناسب على النساء، مما يحد من فرصهن الاقتصادية.
لذلك، يجب أن يتصدر الربط بين حل مشكلة تغير المناخ وإحلال السلام جدول أعمال كل وكالة معنية بالمناخ.
أجندة سلام نسوية
تستحق النساء الفلسطينيات في غزة، أن يكن في مقدمة المناقشات حول مستقبل المنطقة.
يجب أن تُسمع أصواتهن، وتُقدّر وجهات نظرهن، سواء في القمم السياسية رفيعة المستوى أو في التحقيقات الأممية حول التأثير البيئي للحرب على غزة.
يجب ألا يتم تقرير “اليوم التالي” في غزة حصريًا من قبل الصقور الحربية في واشنطن، أو المتطرفين اليمينيين في الكنيست، أو حتى القادة العرب.
يجب أن تركز جهود التعافي بعد الحرب والاستدامة طويلة الأمد على النساء كأصحاب مصلحة رئيسيين، ومستفيدين رئيسيين، وصانعي قرار أساسيين.
عدم إشراك النساء بجدية في التخطيط لمرحلة، ما بعد الصراع يعزز الظلم الواقع على نساء غزة.
رسالتي إلى القادة والسياسيين والإداريين في الغرب الذين يقدمون سياستهم الخارجية، باعتبارها نسوية، دعم استمرار هذه الحرب وآلة الحرب، يعادل شن حرب على المناخ والنساء معًا.