جاء وزير التربية والتعليم الجديد مع التغيير الوزاري، وقد دار حول هذا التعديل بخصوص ذلك المنصب الكثير من الجدل، والذي كان متمحوراً في بدايته حول مؤهلات الوزير العلمية، وهل يحمل شهادة الدكتوراه من عدمه، وكان نهاية المطاف أن حذفت المواقع الرسمية صفة الدكتور، وأبقت على وصف السيد وزير التربية والتعليم، ثم جاء الجدل الأكبر حول أول قراراته والمتمثل في تعديل المناهج التعليمية المقررة على المرحلة الثانوية بشكل خاص، حيث أعلن وزير التربية والتعليم السيد/ محمد عبد اللطيف، في مؤتمر صحفي، خطة الوزارة للعام الدراسي الجديد 2024 – 2025، المقرر أن ينطلق في 21 سبتمبر (أيلول) المقبل. وقال أنه: تمت إعادة تصميم المحتوى العلمي والمعرفي لصفوف المرحلة الثانوية وتوزيعها بشكل متوازن، بحيث لا تسبب عبئاً معرفياً على الطلاب، وأن خطة إعادة الهيكلة تضمنت تقليصاً لعدد المواد الدراسية، حيث يدرس طلاب الصف الأول الثانوي في العام الجديد 6 مواد، بدلاً من 10 درسها نظراؤهم العام الماضي، بعد إلغاء الجغرافيا ودمج مادتي الكيمياء والفيزياء في منهج واحد باسم (العلوم المتكاملة)، وجعل مادة اللغة الأجنبية الثانية مادة نجاح ورسوب خارج المجموع، وبذلك تقتصر المواد المقررة في الصف الأول الثانوي على «اللغة العربية – اللغة الأجنبية الأولى – التاريخ – الرياضيات – العلوم المتكاملة – الفلسفة والمنطق»، إضافة إلى المواد غير المضافة للمجموع «التربية الدينية – اللغة الأجنبية الثانية. كما أنه بموجب الخطة الجديدة، سيدرس طلاب الصف الثاني الثانوي 6 مواد دراسية بدلاً من 8، وهي «اللغة العربية – اللغة الأجنبية الأولى – الرياضيات – الأحياء – الكيمياء – الفيزياء، للشعبة العلمية في العام الدراسي المقبل 2024 – 2025، على أن تتم إضافة مادة التاريخ بدلاً من الأحياء في العامين الدراسيين المقبلين، بينما يدرس طلاب الشعبة الأدبية مواد «اللغة العربية – اللغة الأجنبية الأولى – التاريخ – الجغرافيا – علم النفس – الرياضيات»، بحسب وزير التربية والتعليم.

فهل هذه القرارات تتناسب مع ما يجب أن يكون عليه تأهيل الطلاب إلى المرحلة الجامعية، وبالتالي تأهيلهم لسوق العمل؟ وهل بهذه السرعة الغير منطقية، ما بين توليه الحقيبة الوزارية، وبين هذه القرارات، ما يوحي بأنها قرارات مدروسة، تسعى فعليا لتحسين المستوى التعليمي؟ أم أن للإرادة السياسية هدفاً غير ملحوظ للشعب من وراء تلك القرارات، فلو افترضنا جدلاً، أنها تسعى للتطوير ومواكبة التوجهات والسياسات العالمية فعليا، فكيف يتم ذلك بخصوص اللغة الفرنسية، التي اشتملها القرار وجعل منها مادة ليست ذات أهمية، أو مقرر هامشي للطلاب لا يضاف إلى المجموع الكلي، وهو الأمر الذي سيترتب عليه عمليا إهمال كلي من طلاب المرحلة الثانوية لهذه المادة، بما يعني قلة عدد المجيدين لها، وبتطوير التساؤل بنحو أعمق؛ فهل سيتم إلغاء مقرر هذه اللغة في المدارس عالية التكاليف المالية، أو ما يطلقون عليها المدارس الدولية؟

ذلك بخلاف مواد مثل الفلسفة والمنطق وعلم النفس، ألم يدرك المسئولون، أن شهادة الدكتوراه ذاتها في أي تخصص علمي، يطلق عليها شهادة الدكتوراه في فلسفة ذلك العلم.

أرى بشكل بسيط، أن هذه التوجهات غير مدروسة بشكل علمي، ولم يتم التشاور فيها مع المتخصصين في علوم التربية والتعليم، حتى ولو كان الهدف المعلن هو التخفيف عن كاهل طلاب الثانوية العامة، فإن ذلك سيؤدي إلى ضعف المستوى التعليمي لهم، وأنه لا يمكن في هذه الحالة مقارنتهم بخريجي المدارس ذات الدفع المسبق وعالي التكليف بما لا يستطيعه المواطن العادي، وأن مثل تلك القرارات لا تؤدي إلا إلى المقارنة التي ستعقد بين المدارس الحكومية وغيرها، وهو ما يهدف بشكل أو بآخر إلى السعي الدؤوب إلى خصخصة القطاع التعليمي، وجعله من ضمن السلع التي لن يستطيع الحصول عليها إلا أصحاب الثروات.

فإذا كانت الظروف الاقتصادية التي تمر بها الدولة المصرية تدفعها نحو التوجهات الرأسمالية، سعيا لتقليص حجم الديون الخارجية التي عقدتها الدولة، بخضوعها لسياسات صندوق النقد الدولي، فإن ذلك لا يجب أن يكون ذات شأن مؤثر على مجموعة من الحقوق، التي تمثل التزامات على عاتق الدولة المصرية، والتي من بينها الحق في التعليم، فمن زاوية كونه حق من أهم مفردات حقوق الإنسان الاجتماعية، فقد أولته عنايةً، مواثيق واتفاقيات حقوق الإنسان، فقد نصت المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل شخص الحق في التعليم “، ثم أتبع ذلك ما جاء بالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وذلك بحسبه وثيق قانونية ملزمة، إذ جاء بالمادة 13 منه على أنه “تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل فرد في التربية والتعليم، وهى متفقة على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل للشخصية الإنسانية، والحس بكرامتها، وإلى توطيد احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وهي متفقة كذلك على وجوب استهداف التربية والتعليم تمكين كل شخص من الإسهام بدور نافع في مجتمع حر”.

ذلك بخلاف المدونة الدستورية المصرية، والتي أفردت نصوصا خاصة للحق في التعليم، فقد ذكرت المادة 19، أن التعليم حق لكل مواطن، لكن الأهم ما جاء بالفقرة الثانية من هذه المادة، من أنه “وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقاً لمعايير الجودة العالمية. والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقاً للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم، لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجياً حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها”. ذلك بخلاف النصوص الدستورية الأخرى التي تتحدث عن دعم الدولة للتعليم الفني واستقلال التعليم الجامعي، والعناية بالبحث العلمي.

ومن هذا المنطلق الحقوقي والدستوري، فإن التعليم حق أساسي للتنمية البشرية والتطوير الاجتماعي والاقتصادي وهو عنصر أساسي لتحقيق السلام الدائم والتنمية المستدامة، بل وهو أيضا أداة قوية في تطوير الإمكانات الكاملة للجميع، وتعزيز الرفاهية الفردية والجماعية. والإعمال الكامل للحق في التعليم، يقتضي أن تقوم الدولة باستخدام أقصى حد تسمح به مواردها المتاحة، ولا يمكن بحال من الأحوال، أن يبرر الافتقار إلى الموارد التقاعس عن العمل أو تأجيل التدابير لإعمال الحق في التعليم لأجل غير مسمى، ومن الناحية الدولية، يجب أن تثبت الدولة أنها تبذل كل جهد ممكن لتحسين التمتع بالحق في التعليم، حتى إذا ما كانت الموارد شحيحة، وهذا الأمر، إنما يعني أن لا تتخذ الدولة خطوات تراجعية أو قرارات أو تدابير من شأنها، أن تلغي الضمانات الموجودة للحق في التعليم، أو تكون ذات تأثير على الخدمة التعليمية ذاتها ومستواها.