كتبت: إيمان رشدي
“الاستفادة من إطار مراجعة الجرائم الأشد خطورة التي توقع عنها عقوبة الإعدام بمراعاة الظروف المجتمعية والدراسات المتخصصة، وبما يتفق مع الاتفاقيات الدولية والإقليمية
لحقوق الإنسان التي صدقت عليها مصر”.
هكذا جاء نص المستهدف الأول من مستهدفات محور الحقوق المدنية والسياسية، أول محاور الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقتها الحكومة المصرية في سبتمبر 2021.
قبلها في فبراير 2019، عبر الرئيس السيسي عن رفض مؤسسي ــ وربما مجتمعي ــ لوقف عقوبة الإعدام في مصر وقال: “على الأوروبيين أن يحترموا “أخلاقيات وإنسانية” المصريين، وألا يتدخلوا في هذه القضية”.
كلمة الرئيس التي لم تخل من حدةــ انتو مش هتعلمونا إنسانيتناــ جاءت في معرض رده على مطالبات أوروبية بوقف عقوبة الإعدام، وألقاها في مؤتمر صحفي عقده في ختام فعاليات القمة العربية الأوروبية التي عقدت في شرم الشيخ.
مصر وكنتيجة لهذه الذهنية المرتكزة على ما تعتبره “ثقافة هذه المنطقة وإنسانية المصريين” رفضت التوقيع على اتفاقيات إلغاء عقوبة الإعدام مثل البروتوكول رقم (6) لاتفاقية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية بشأن إلغاء عقوبة الإعدام، وكذا الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام، وهي الاتفاقيات التي التزمت بها 160 دولة، ألغت حكم الإعدام بالنسبة لجميع الجرائم، بينما ألغتها ثمان دول بالنسبة للجرائم العادية، وتوقفت 28 دولة عن تطبيق العقوبة في الواقع .
الخصوصية الثقافية لمصر، والتي حالت دون توقيعها علي هذه الاتفاقيات، لم تمنعها من التوقيع علي اتفاقيات أخرى عالمية وإقليمية قصرت العقوبة على “الجرائم الأشد خطورة”، منها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي تنص الفقرة الثانية من مادته السادسة علي أنه “لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام، أن يحكم بهذه العقوبة إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة وفقا للتشريع النافذ وقت ارتكاب الجريمة “.
وكذا وقعت مصر على الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والذي تنص مادته السادسة أيضا على أنه “لا يجوز الحكم بعقوبة الإعدام إلا في الجنايات بالغة الخطورة وفقاً للتشريعات النافذة وقت ارتكاب الجريمة، وبمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة، ولكل محكوم عليه بعقوبة الإعدام الحق في طلب العفو أو استبدالها بعقوبة أخف”.
اليوم ونحن نقترب من اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام “10 أكتوبر من كل عام”، يمكننا القول إن واقع المشهدين الحقوقي والتشريعي لا زال بعيدا عما أمل فيه واضع نص المستهدف السابق من مستهدفات الاستراتيجية، كما يبدو بعيدا جدا، عما التزمت به مصر من خلال توقيعها هذه الاتفاقيات.
شهد النصف الأول من العام الحالي 2024، تحديدا في الفترة من يناير، وحتى نهاية مايو صدور 189 حكما بالإعدام، بينها 19 حكما نهائياً، صادر عن محكمة النقض، فضلا عن 207 حكما بالإحالة لفضيلة المفتي “العملية التي تسبق الحكم النهائي بالإعدام”.
وكان من بينها الأحكام الصادرة بحق المتهمين في القضية التي عرفت إعلاميا بـ ” كتائب حلوان“، والتي تم تأييد حكم الإعدام علي 7 من المتهمين فيها بسبب؛ ارتكاب جرائم مخالفة لقانوني الإرهاب والأسلحة والذخائر.
واعتبر خبراء أمميون، أن أحكام الإعدام في هذه القضية، تنتهك القانون الدولي؛ لأنها تستند إلى إدانات بارتكاب “جرائم إرهابية غامضة وواسعة النطاق”، وأن تنفيذها من شأنه أن يشكل “عمليات قتل تعسفية تنتهك الحق في الحياة نتيجة؛ لمحاكمات غير عادلة وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان”.
من جهتها، رصدت الجبهة المصرية لحقوق الانسان تراجعا في أحكام الإعدام في العام 2023 على النحو التالي: “صدرت المحاكم المصرية أحكاما بالإعدام على 348 شخصا على الأقل (من بينهم 16 شخصا في قضايا سياسية)، وتأييد محاكم النقض لأحكام الإعدام على 27 شخصا على الأقل (من بينهم 3 أشخاص في قضايا سياسية). رصدت الجبهة أيضًا تنفيذ السلطات لأحكام الإعدام على 8 أشخاص على الأقل في قضايا جنائية خلال العام، وهو الرقم الضئيل للغاية مقارنة بسنوات سابقة، وصلت في عام 2020 على سبيل المثال لإعدام 126 شخصًا”.
بالانتقال الي المشهد التشريعي للاطلاع على المواد القانونية التي تجيز الحكم بعقوبة الإعدام، وقياسها على مقياس “الجرائم الأشد خطورة”، يمكننا القول، إن البون لا زال شاسعا بين المفهوم في الذهنية القانونية والحقوقية الدولية، وبينه في القوانين المصرية.
“الجرائم الأشد خطورة” وفق اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ــ والمنوط بها تفسير العهد الدولي لحقوق الإنسان ــ والتي يسمح بمعاقبة مرتكبيها بعقوبة الإعدام هي “الجرائم البالغة الخطورة التي تنطوي على القتل العمد”، بينما يصفها نظام روما الأساسي، بأنها “الجرائم ضد الإنسانية والإبادة وأعمال العدوان”.
فكيف يرى القانون ــ أو القوانين ــ المصري هذه الجرائم؟
سبعة قوانين تتضمن ما يفوق الخمسين مادة، تقنن عقوبة الإعدام، في حوالي 62 جريمة، يمكن اعتبارها ” نصوص قانونية مفرطة تفتقر لضمانات كاملة أوإجراءات تقييدية”، الأمر الذي قد يؤدي إلى استغلال عقوبة الإعدام في “أغراض غير لائقة، مثل بث الخوف وقمع المعارضة وقمع الممارسة المشروعة للحريات” كما جاء في نص كلمة المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في حلقة النقاش رفيعة المستوى المنعقدة كلّ سنتَيْن بشأن مسألة عقوبة الإعدام، “فبراير 2023”
تولكر حذر أيضا، من أنه “في عدد من السياقات، تنطوي عقوبة الإعدام في تطبيقها العملي، على التمييز، فيُحكَم بالإعدام على الأشخاص المهمّشين اجتماعيًا، بما في ذلك الأقليات العرقية والإثنية واللغوية والدينية، ومجتمع المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهويّة الجنسانية وأحرار الهوية والميول الجنسية وحاملي صفات الجنسَيْن. وفي حالات أخرى، تم استخدامها لتوليد تأثير مخيف على المعارضين السياسيين أو المتظاهرين”.
بالانتقال من نقطة تعدد القوانين إلى مربع التضارب والازدواجية أحيانا، يمكننا رصد والتوقف عند عدد من الملاحظات.
* عند مراجعة المادة الرابعة عشر من قانون الإرهاب، والتي تنص على “يُعاقب بالسجن المؤبد كل من سعى أو تخابر لدى دولة أجنبية، أو أية جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة أو غيرها، يكون مقرها داخل مصر أو خارجها، أو لدى أحد ممن يعملون لمصلحة هذه الدولة الأجنبية أو أي من الجهات المذكورة، وذلك بهدف ارتكاب أو الإعداد لارتكاب جريمة إرهابية داخل مصر، أو ضد أي من مواطنيها أو مصالحها أو ممتلكاتها أو مقار ومكاتب بعثاتها الدبلوماسية أو القنصلية أو مؤسساتها أو فروع مؤسساتها في الخارج، أو ضد أي من العاملين في أي من الجهات السابقة، أو ضد أي من المتمتعين بحماية دولية، وتكون العقوبة الإعدام، إذا وقعت الجريمة الإرهابية موضوع السعي أو التخابر، أو شُرع في ارتكابها”.
نجد أن المشرع ساوى بين ارتكاب الجريمة والشروع فيها، فهل يتفق الشروع في ارتكاب جريمة ومعيار الجرائم الأشد خطورة الذي التزمت به الدولة المصرية عند توقيعها على المواثيق الدولية؟
* على معيار ازدواجية التشريع والعقوبة نجد، أن جريمة تعريض وسائل النقل للخطر، إذا نشأ عنها موت إنسان مكررة ثلاث مرات، الأولى بقانون العقوبات بالمادة رقم 169، والثانية بالمادة 24 من قانون مكافحة الإرهاب، أما الثالثة ففى المادة 168 من قانون الطيران المدني.
* الازدواج يتكرر فيما يتعلق بجريمة تمويل جماعة إرهابية أو عمل إرهابي والمقررة بنص المادة 12 من قانون مكافحة الإرهاب، والتي تتكرر مرة أخرى في المادة 86 مكرر من قانون العقوبات.
عقوبة الإعدام.. الواقع والأفق والتحديات
صنفت منظمة العفو الدولية مصر ضمن الدول الـ8 الأعلى تنفيذا لعقوبة الإعدام في تقريرها السنوي الخاص بالعام 2023، والذي شهد حسب التقرير ارتفاعا في عمليات الإعدام في مصر رغم الدعوات الدولية لإلغاء العقوبة، وهو ما اعتبره التقرير مؤشرا على تدهور حقوق الإنسان في مصر.
وفيما يتعلق بتقرير مصر الخامس المقدم للجنة مناهضة التعذيب، والتي أوصت السلطات المصرية بضرورة اتخاذ التدابير اللازمة، بما في ذلك الإجراءات التشريعية لضمان، ألا تكون عقوبة الإعدام إلزامية أبدا، وتنقيح التشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب وغيرها من القوانين ذات الصلة التي تتيح فرض عقوبة الإعدام.
وتبقى تحديات تحويل الالتزامات الدولية إلى واقع تشريعي، وعملي، واتخاذ مسار تشريعي؛ يهدف إلى تقديم مزيد من ضمانات العدالة الجنائية، وقصر عقوبة الإعدام على “الجرائم الأشد خطورة” فعليا على المستويين التشريعي والقانوني.
القوانين المصرية التي تتيح موادها الحكم بعقوبة الإعدام
لقراءة مواد القوانين بالكامل: