في إبريل 2022، تم الإعلان عن استحواذ شركة أبوظبي القابضة، إحدى الشركات التابعة لصندوق أبوظبي السيادي، حصصاً في 5 شركات مصرية مدرجة في البورصة المصرية، في صفقة نُفّذت خلال يومٍ واحد.

صفقة الاستحواذات شملت حصة 32%من “شركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع” بقيمة 186 مليون دولار، وحصة الحكومة في “فوري للمدفوعات الرقمية”، قدرت بـ 12%، بقيمة 68.6 مليون دولار.

وكذا 18.5% من البنك التجاري الدولي، كانت ملكا لبنكي الأهلي ومصر، عبر صفقة بلغت قيمتها 911 مليون دولار، وجزءاً من حصة وزارة المالية في “شركة موبكو للأسمدة” بنسبة 20%، وبقيمة 266.6 مليون دولار، وحصة بنك الاستثمار القومي في “شركة أبوقير للأسمدة”، البالغة %21.52، بقيمة 391.9 مليون دولار.

الصفقة كانت بمثابة إعلان عن بدء موجة استحواذات، نفذتها الصناديق السيادية الخليجية في السوق المصرية، في تحول نوعي ضمن سياسة الدعم المالي لمصر منذ 2013، عقب الإطاحة بنظام حكم جماعة الإخوان المسلمين، والرئيس محمد مرسي.

الدعم المالي ضمن حزمة دعم، شملت أيضا السياسي والإعلامي، وهو دعم كرر الرئيس السيسي بنفسه الإعلان عنه والإشادة به، ولم يستنكف القول، إنه “لولا تدخل الأشقاء العرب بعشرات المليارات من الدولارات في 2013 و2014، لم تكن لمصر قائمة حتى الآن”.

الدعم الملياري قائم إذن منذ العام 2013، فما هي تحولات هذا الدعم، ومساراته الجديدة منذ 2022، وكيف انتقل من دعم سياسي مباشر عبر ودائع بالبنك المركزي إلى دعم استحواذي، يقتنص الأصول من أراض وشركات وحصص حاكمة.

بداية.. ما الذي تغير خلال العامين الماضيين؟

بشكل أساسي عانت مصر ابتداء من العام 2022 أزمة “ديون سيادية”، كانت الحرب الروسية الأوكرانية جزءا غير أساسي منها، رغم أنها أثرت بشكل ما، كما أثرت أزمة الإغلاق العالمي عقب جائحة كورونا، لكن كليهما لم يكن عاملا حاسماً أو أساسيا في استحكام الأزمة، لكنهما شكلا مع رفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة مسارا لخروج الأموال الساخنة من مصر، ليتسع نطاق الأزمةــ التي سببتها سياسة التوسع فى الاقتراض بشكل أساسي ــ في نهاية عام 2021 بسبب؛ مدفوعات الديون المصرية، حيث قفزت أقساط الدين  فقط دون الفوائد من 10 مليارات تقريباً عام 2019، إلى نحو  21.7 مليارا عام  2022، بحسب بيانات البنك المركزي.

2022.. ملامح عام الأزمة

في نهاية 2021، كان واضحا احتياج الدولة لخطة إنقاذ مالي، تتمكن من خلالها من السيطرة على نتائج وآثار الأزمة الاقتصادية، فبدأت الدولة مفاوضات جادة مع صندوق النقد الدولي، بحضور ومشاركة الشركاء الإقليميين.

وقتها اشترط الصندوق حصول الحكومة على تمويلات قيمتها 14 مليارا من هؤلاء الشركاء، ليمنحها قرضا بثلاث مليارات دولار، وهو الرقم الذي تم تعديله لاحقاً؛ ليصبح سبعة مليارات و”شراكة استراتيجية” مع الاتحاد الأوروبي.

تعثرت المفاوضات مع الصندوق وقتها بسبب؛ ضبابية موقف الشركاء، والمقصود هنا الداعمين الخليجيين، وبشكل أوضح السعودية والإمارات.

بالعودة إلى العام 2013، وعقب الإطاحة بحكم “جماعة الإخوان”، والذي كان مفترضا أن تدعمه قطر اقتصاديا، سنجد أن السعودية والكويت والإمارات وقطر قدمت مساعدات لمصر في صورة مواد بترولية، تفوق قيمتها خمسة مليارات دولار.

جدول بحجم المساعدات الخليجية لمصر عام 2013

الشهرالدولةالمبلغ ..مليون دولار
يوليوالكويت1260
يوليوالكويت200
أغسطسقطر410
أغسطسالسعودية400
سبتمبرقطر410
سبتمبرالكويت280
سبتمبرالسعودية400
سبتمبرالإمارات957

يمكنا هنا ملاحظة سرعة الدعم الخليجي وحجمه، الأمر تكرر في 2016، عندما اضطرت مصر لتخفيض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار بنسبة 50 %، لكن شكله ــ الدعم ــ تغير،  حيث أودعت المملكة العربية السعودية حوالي 3 مليارات دولار، وأودعت الإمارات حوالي مليار دولار في “البنك المركزي المصري”، وهي الودائع التي تمديدها لاحقا.

لا يوجد رقم دقيق وموحد لحجم ما تلقته مصر من مساعدات خليجية عقب ثورة يونيو، لكن جريدة القبس الكويتية نقلت عن مصادر في “البنك المركزي المصري” في مارس 2019، أن الدعم الذي تلقته القاهرة من دول “مجلس التعاون الخليجي” وصل إلى 92 مليار دولار منذ عام 2011.

فما الذي تغير مرة أخرى في أقل قليلا من عشر سنوات وتحديدا في 2022.  

الدعم الخليجي.. من المنح إلى الاستحواذ

 كان عام 2022 هو عام الاستحواذات الخليجية بامتياز، ففضلا عن صفقة الاستحواذ الإماراتية الخماسية في إبريل، نفذت الشركة السعودية المصرية للاستثمار التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، استحواذات شملت 25 %من شركة إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية، و19.82% من شركة أبوقير للأسمدة والصناعات الكيماوية، و22% من “موبكو للأسمدة”، و20% من الإسكندرية لتداول الحاويات.

وفي يونيو 2023، أعلنت “أبوظبي القابضة” استحواذها على حصص في ثلاث شركات مصرية أخرى، هي “شركة الحفر الوطنية” التي استحوذت على 25% منها مقابل 330 مليون دولار، ونحو 30% من “شركة إيثيدكو”، بالإضافة إلى 35% من شركة “المصرية لخطى البنزين والألكيل” (إيلاب).

الصندوق السيادي المصري لعب دور الوسيط بين الشركات الخليجية، والحكومة المصرية في عمليات الاستحواذ.

صندوق أبوظبي السيادي وشركاته، كان الأكثر ديناميكة في عمليات الاستحواذ مقارنة بنظيره السعودي.

الإمارات.. الاستحواذ على القطاع المالي

يمكن ببساطة ملاحظة اهتمام إماراتي واضح بالقطاع المالي والمصرفي المصري، حيث تملك الإمارات خمسة مصارف عاملة في مصر، تتخطى أصولها 418 مليار جنيه، فضلا عن حصتها في شركة فوري لخدمات الدفع.

تحرص الإمارات أيضا على التواجد المؤثر في قطاع الأسمدة، من خلال ذراع هو شركة “أدنوك” المملوكة بالكامل لحكومة أبوظبي، التي ارتبطت بقطاع الأسمدة المصري، وازدادت الروابط مع اكتشافات الغاز في شرق المتوسط التي ضمنت تدفق الغاز إلى مصانع الأسمدة في العين السخنة، المملوكة لشركة “أوراسكوم”. وأسست “أوراسكوم” بالشراكة مع “أدنوك” عام 2018، وهي تملك أربع منشآت للإنتاج على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تجعلها صاحبة أكبر طاقة إنتاجية للأمونيا في منطقة الشرق الأوسط.

الاستحواذات الخليجية لم تتوقف عند الشركات الحكومية، فكان للقطاع الخاص نصيب منها.

الإمارات استحوذت على جانب معتبر من القطاع الصحي عبر الاستحواذ على المستشفيات الخاصة، ودمجها في مجموعتين هما “كليوباترا” و”ألاميدا” اللتان تستحوذان على نحو 15% من سوق الرعاية الصحية الخاص في مصر.

 “السيادي السعودي”، ومنذ بداية عام 2021، وكجزء من إجراءات تخارج أبراج الإماراتية، أصبح مساهماً في مجموعة  كليوباترا التي تضم  مستشفيات كليوباترا والقاهرة التخصصي، النيل بدراوي ،الشروق، الكاتب، كليوباترا أكتوبر، ومستشفى بداية، فضلا عن عدد من العيادات والصيدليات.

القطاع العقاري كان جزءا من عمليات الاستحواذ أيضا، وكذلك القطاع الغذائي الذي تعمل فيه عشرات الشركات الإماراتية والسعودية.

رأس الحكمة.. الصفقة والتحولات

لا يمكن المرور على صفقة رأس الحكمة ببساطة عند قراءة المشهد الاقتصادي المصري، من حيث علاقته بالداعم الخليجي، فالصفقة التي أعقبت ذروة أزمة الديون، والتي كشفت طريقة الدفع فيها، بما لا يدع مجالا للشك عن المكون السياسي للعلاقة الاقتصادية بين دول الخليج ــ الإمارات والسعودية بشكل خاص ـ والمخيلة الاقتصاد ية لمصر في عهد الجمهورية الجديدة.

سنتفق أولا مع تأكيدات الحكومة، على أن الصفقة شراكة استراتيجية، وليست “بيع أصول”، لنجد أن “صندوق أبوظبي” اتفق مع الحكومة المصرية على دفع 35 مليار دولار، مقابل الحصول على حق تطوير منطقة رأس الحكمة. وهي منطقة ساحلية على ساحل المتوسط، تعادل مساحتها 40.6 ألف فدان.

وشملت الصفقة تطوير منتجعات سياحية فاخرة في المدينة، إضافة إلى ميناء ومنطقة حرة، ومرسى لليخوت.

 وأعلنت الحكومة، أنها تتضمن استثمار نحو  150 مليار دولار على عشرة أعوام، مع حصولها على  35%من الأرباح، ما يشير إلى شراكة الحكومة في الاستثمار عبر عمليات الترفيق ومد الطرق وشبكات المياه والكهرباء وغيرها، لكن هذا لم يعن أن تكشف الحكومة بشكل شفاف ورقمي عن تفاصيل الصفقة وطبيعة الشراكة، كما لم ترد على تساؤلات خبراء اقتصاد ومهتمين بخصوص تداعيات الصفقة، وطريقة الدفع التي قال السيسي بنفسه، إن الدفع لا يتم بهذه الطريقة في مثل هذه الصفقات.

صناديق واستحواذات ..

مقابل الصندوق السيادي الإماراتي، وصندوق الاستثمارات العامة السعودي، وهو صندوق سيادي أيضا، برز دور الصندوق السيادي المصري كلاعب في مربع الاستحواذات، وتمثل دوره في الوساطة بين الحكومة المصرية، والصناديق الخليجية، ثم كمدير لعمليات البيع والاستحواذ.

بينما برز دور صندوق النقد الدولى كداعم و”محرض” على عمليات “الطروحات” الحكومية، حيث شكلت خطة بيع الأصول المملوكة للدولة، جزءاً من اتفاق القرض الأخير معه عام  2022، وكانت حاضرة أيضاً بقرض 2016 الذي شملت فيه شروط الصندوق برنامج الطروحات الحكومية الذي تعثر لسنوات، قبل أن يعاد إطلاقه عام 2022.