تعد القوانين المكملة للدستور، هي تلك القوانين المرتبطة بالحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، أو هي تلك القوانين التي اعتبرها الدستور، أنها مكملة له، بحيث لا تقبل اجتهاداً أو تأويلاً، وهو ما يدل على أن المشرع الدستوري قد قدّر اتصالها بقواعد الدستور الكلية، وقد أكدت غالبية الدساتير، على أن تتضمن قواعد تشريع تلك القوانين اشتراطات خاصة أو نسقا تشريعيا، يراعي فيه قيمته، سواء كان ذلك من حيث طريقة سنها، أو كيفية التصويت عليها، أو عرضها على المجلسين التشريعيين، حال وجود نظام الغرفتين التشريعيتين، وقد كان الدستور المصري لسنة 1970، يشترط أن يتم عرض تلك القوانين على مجلس الشورى قبل التصويت عليها من قبل مجلس الشعب، ثم جاء الدستور المصري الأخير لسنة 2014، بنصه في المادة 121 منه على أن: لا يكون انعقاد المجلس صحيحاً، ولا تتخذ قراراته، إلا بحضور أغلبية أعضائه. وفي غير الأحوال المشترط فيها أغلبية خاصة، تصدر القرارات بالأغلبية المطلقة للحاضرين، وعند تساوي الآراء، يعتبر الأمر الذي جرت المداولة في شأنه مرفوضاً. وتصدر الموافقة على القوانين بالأغلبية المطلقة للحاضرين، وبما لا يقل عن ثلث عدد أعضاء المجلس. كما تصدر القوانين المكملة للدستور بموافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس. وتعد القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، والأحزاب السياسية، والسلطة القضائية، والمتعلقة بالجهات والهيئات القضائية، والمنظمة للحقوق والحريات الواردة في الدستور، مكملة له. وذلك ما يعني أنه لم يشترط عرضها على مجلس الشيوخ، والذي نظم عمله، بما يعرض عليه من قوانين، تحال إليه من قبل مجلس النواب.
وفي البدء، لا بد وأن نؤكد على انتماء قانون الإجراءات الجنائية إلى هذه الطائفة من التشريعات المكملة للدستور، وذلك بوصفه من أهم القوانين التي تنظم حقوق وحريات المواطنين، خصوصاً في مجال التجريم، كما وأنه من زاوية ارتباطه بالنظام القضائي، فهو متعلق بممارسة إجراءات التقاضي في المجال الجنائي، ومن هنا فلا بد من أن تتم معاملة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الحالي من هذا المنطلق. وعلى الرغم من أن المشرع الدستوري قد جعل لهذه القوانين شرطاً خاصاً حال التصويت عليه من مجلس النواب، وهو شرط الثلثين، إلا أنه لم يسلب مجلس الشيوخ من إبداء الراي فيه، إلا أنه لم يبن في الأفق حتى هذه اللحظة، أنه قد تم أخذ رأي مجلس الشيوخ في مشروع قانون الإجراءات الجنائية من عدمه، حتى وإن كان النص الدستوري قد جاء في مادته 249، أن يؤخذ رأي مجلس الشيوخ في “مشروعات القوانين ومشروعات القوانين المكملة للدستور التي تحال إليه من رئيس الجمهورية أو مجلس النواب”، فإن ذلك لا يعني أن يكون العرض مشروطاً بوجوب الإحالة من مجلس النواب أو من رئيس الجمهورية، بحسب التفسير السطحي، ولكن وجوب أن يحيل رئيس الدولة أو مجلس النواب هذه المجموعة من القوانين إلى مجلس الشيوخ لخطورتها ودقة موقفها، وهذا ما يتفق مع موقف المحكمة الدستورية في هذا الأمر، حتى وإن كان ذلك قبل صدور الدستور المصري لسنة 2019. إذ أن المحكمة الدستورية العليا قد أكدت على أهمية هذه المجموعة من القوانين، بقولها في الحكم رقم 7 لسنة 8 قضائية أنه من المحقق، فإن عبارة “القوانين المكملة للدستور”، وإن كانت جديدة كل الجدة، فريدة في بابها، ولا تعرفها الدساتير المقارنة، إلا أنها تحمل في أعطافها ضوابط تحديد معناها، ذلك أن الدستور من ناحية قد ينص في مادة أو أكثر من مواده، على أن موضوعا معينا، يتعين تنظيمه بقانون، أو وفقا للقانون، أو في الحدود التي يبينها القانون. بيد أن صدور قانون في هذا النطاق لا يدل بالضرورة- ومن ناحية أخرى- على أن أحكامه مكملة للدستور، ذلك أن الموضوع الذي أحال الدستور في تنظيمه إلى القانون، قد لا تكون له طبيعة القواعد الدستورية، وليس له من صلة بها، بل يعتبر غريبا عنها وخارجا بطبيعته عن إطارها. ومن ثم لا يكفي لاعتبار تنظيم قانوني معين مكملا للدستور، أن يصدر إعمالا لنص في الدستور، بل يتعين- فوق هذا- أن تكون أحكامه مرتبطة بقاعدة كلية، مما تتضمنها الوثائق الدستورية عادة كتلك المتعلقة بصون استقلال السلطة القضائية، بما يكفل مباشرتها لشؤون العدالة دون تدخل من أية جهة. فالقاعدة المتقدمة- وما يجري على منوالها- مما تحرص الدساتير المختلفة على إدراجها في صلبها، باعتبار أن خلوها منها يجردها من كل قيمة، فإذا اتصل بها تنظيم تشريعي قرر الدستور صدوره بقانون، أو وفقا للقانون، أو في الحدود التي يبينها القانون، دل ذلك على أن هذا التنظيم مكمل للدستور.
ومن هذه الزاوية، التي تعد حجر الأساس لقيام دولة القانون، واحترام مبدأ سيادة القانون، ألا يتم الاكتفاء على متابعة النص الدستوري بشكل حرفي في الاكتفاء بأغلبية الثلثين حال التصويت على هذا المشروع، بل أرى أنه من الضروري لحماية المجتمع، وللبعد عن مظنة الانحراف بسلطة التشريع، أن يحال ذلك المشروع قبل عرضه على المؤتمر العام لمجلس النواب إلى مجلس الشيوخ لدراسته، وإبداء الرأي فيه.
وإن كان لزاما، وبعد كم السخط المجتمعي الذي ظهر مع ظهور مشروع قانون الإجراءات الجنائية، بما يؤكد على أنه لم تأت نصوصه متجاوبة مع الاحتياجات المجتمعية، وبشكل أخص من المحامين أو الصحفيين، وهاتين الفئتين قد أبديتا اعتراضات شديدة على النصوص المتعلقة بهما، وهو ما يؤكد على أن ذلك المشروع لم يأت انحيازاً لاحتياجات مجتمعية، بقدر ما توحي به نصوصه من انحيازات بالغة لجانب السلطة “صاحبة مشروع القانون”، وهو الأمر الذي ينذر بعواقب، لا يحمد عقباها حال إقرار القانون على صورته الحالية.
وهذا الأمر تؤكده اعتراضات نقابة الصحفيين، والتي جاء بعدها، بحسب ما تناولته المواقع الإخبارية بحذف نص المادة 267 من مشروع القانون، كما أن هناك اعتراضات على العديد من النصوص، أبدتها نقابة المحامين، وهو ما اتبعه أيضا بعض الاستجابات لتعديل بعض النصوص.
فهل قانون قد أتى بصورة لا تتفق والاحتياجات الشعبية، ولا تتناسب مع طموح أهم الفئات المخاطبة بأحكامه، له أهمية في أن يصدر على هذه الصورة، أم أن الأمر يجب الوقوف عنده والتريث في خطواته، وعرضه بشكل أكثر انسجاما مع الاحتياجات المجتمعية، على أن يتضمن هذا العرض والمناقشة أولي الأمر من أهل الخبرة والتخصص، إذ أن الفقه القانوني المصري، وعلى الأخص الجنائي منه، له قيمة علمية على مستوى دول العالم بأسره، وأن صدور مثل هذا التشريع قد يضر بسمعة مصر وبسمعة قانونها، وأهل القانون فيها، وبضمان احترام حقوق المواطنين الذين هم في حالة تماس مع نصوصه.