بالتزامن مع تحولات جذرية يشهدها إقليم القرن الإفريقي الكبير في مسارات العلاقات الثنائية بين دوله، يأتي التقارب المصري الصومالي المتزايد منذ مطلع العام الجاري.
لقراءة الورقة كاملة:
ويأتي هذا التقارب ،فيما تشهد مصر، ما يمكن تسميته بطفرة حقيقية في سياساتها الإفريقية في الإقليم (البحر الأحمر والقرن الإفريقي الكبير وضمنًا في حوض النيل)، تجلت في إمساك القاهرة للمرة الأولى منذ سنوات بزمام المبادرة في الدفاع عن مصالحها ومصالح الدول الشقيقة، السودان والصومال تحديدًا، وفي مستوى تحالف “مرحلي” مع إريتريا وربما جيبوتي.
يرصد الباحث المختص بالشأن الإفريقي د. محمد عبد الكريم في ورقة، يصدرها مركز التنمية والدعم والإعلام”دام”، ملامح هذا التقارب، وما يمثله من فرص وتهديدات.
الطفرة
الطفرة تتضح حسب الباحث في تغير لهجة القاهرة منذ يوليو الفائت تجاه الأزمة في السودان، والتأكيد المستمر والواضح على سيادة السودان، ووحدته واحترام مؤسساته القائمة (القوات المسلحة السودانية ومجلس السيادة الانتقالي) مع ضرورة عدم تدخل أطراف خارجية في إذكاء الأزمة (في إشارة ضمنية للإمارات والسعودية والدول الداعمة لهما في الملف).
وكذا وثبت مصر إلى أبعاد جديدة تمامًا تمثلت في نجاح القاهرة في تعميق تعاونها مع الصومال، مع وصول هذا التعاون إلى مرحلة إرسال قوات مصرية للمشاركة في قوات الاتحاد الإفريقي الجديدة، المتوقع بدء عملها في يناير 2025 بعد مطالب حثيثة داخل مجلس السلم والأمن الإفريقي بإصلاح ديناميات العمل الجماعي الإفريقي في عمليات حفظ السلام ومواجهة الإرهاب والصراعات المسلحة.
وينتقل الباحث إلى رصد وتدقيق ما أسماه ملامح التعاون المؤجل بين مصر والصومال، حيث جاء توقيع البلدين علي اتفاقية الدفاع المشترك بعد تأجيلات متكررة، ولأسباب متنوعة بين تحفظ إدارة الرئيس الصومالي السابق محمد فرماجو (على خلفية ارتباطه الوثيق بالنظام الإثيوبي ورضوخه المتكرر لتوجيهات السياسة الخارجية الإثيوبية، لأسباب مفهومة ووجيهة في سياقات الحالة الصومالية وقتها)، وبين عجز القاهرة عن حسم خياراتها وحدود هذه الخيارات في ظل رهن (مستهجن في واقع الأمر بغض النظر عن أسسه) لسياساتها الإفريقية في دائرتها اللصيقة بتصورات حلفائها في الخليج العربي ومشروطياتها التي تعارضت كليًا، كما اتضح لاحقًا لدى دوائر مصرية موسعة، مع أمن مصر القومي، بل وهددته في صميم أسسه.
وأفضت- ضمن عوامل أخرى تتعلق بإدارة مصر بالأساس لملفاتها- إلى تأجيلات كارثية في قرارات السياسة الخارجية المصرية في ملفات حساسة مثل، سد النهضة والأزمة في السودان وأمن البحر الأحمر.
متأخرة
وهكذا يمكن فهم أن “الاتفاقية” جاءت متأخرة في واقع الأمر، وأنها بالأساس قاعدة لتعاون ثنائي بين البلدين، وليست “مجرد” أداة لمواجهة النفوذ الإثيوبي خارج حدوده.
الورقة تتوقف أيضا عند خراطة الصراع بين مصر وإثيوبيا، حيث يرى الباحث، أن وصول المساعدات العسكرية المصرية للصومال نهاية أغسطس الفائت، كشف عن مجموعة من الحقائق منها مدى عمق الصراع القائم بين إثيوبيا ومصر من جهة، وطبيعة نظرة إثيوبيا للصومال “كمجال نفوذ” في أقل تقدير، أو كدولة خاضعة للهيمنة الإثيوبية ومصالحها ووصايتها بشكل مباشر في تقديرات أخرى.
وكذا حجم التهديدات التي تواجه الصومال، وتنذر بتقويض سيادته وسلامة أراضيه بعد جهود صعبة لتحقيق قدر من الاستقرار والنجاح في مجمل جهود إعادة بناء الدولة، ولا سيما ملف دعم الجيش الصومالي والقوات الأمنية الفيدرالية.
وتزامن مع الخطوات المصرية المباغتة في واقع الأمر حتى الآن، تصاعد التوتر المصري الإثيوبي في ملف سد النهضة بشكل واضح بعد إرسال مصر خطابًا مهمًا لمجلس الأمن الدولي مطلع سبتمبر الجاري، “إثر تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي حول المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة”.
ومن ملامح الصراع، ينتقل الباحث لأزمة الاصطفافات الإقليمية في القرن الإفريقي، راصدا الرهانات الصومالية المصرية، وكيف كشف الوضع الراهن في الصومال عن تحولات ملفتة في الاصطفافات الإقليمية في إقليم القرن الإفريقي. واتساقًا مع ذلك ثمة ملاحظة هامة، وهي أن التقارب المصري- الصومالي وتبلوره في شكل اتفاقات على الأرض، لم يتشكل في الفراغ أو خارج حركة هذه الاصطفافات الإقليمية الآخذة في التشكل.
ويتواصل الرصد الجيو سياسي الجاد للباحث؛ ليصل الي خلاصة مفادها، أنه رغم أن التقارب المصري- الصومالي يعد شأنًا خاصًا بدولتين مستقلتين، فإنه أثار تداعيات إقليمية متلاحقة، لا سيما من قبل إثيوبيا و”جمهورية إقليم الصومال” الداعية للانفصال عن جمهورية الصومال الفيدرالية.
ووصلت تلك التداعيات إلى حد التهديد بوقوع “حرب” مع القوات المصرية المزمع نشرها في الصومال في الأسابيع المقبلة؛ تمهيدًا لبدء عملية قوات الاتحاد الإفريقي مهامها في الصومال لحفظ السلام به مطلع العام المقبل.
وعند وضع هذا التقارب في سياقاته الإقليمية، وضمن تحركات مصر الأخيرة للذود عن مصالحها ومصالح دولة شقيقة (الصومال في الحالة الراهنة)، فإنه يمكن فهم مخاوف أديس أبابا، التي لم تكف عن إثارة الخلافات مع مصر، وتنظر لملف سد النهضة، ومياه النهر النيل، على أنه أداة حرب حقيقية ضد مصر وشعبها.