في خبر نشره موقع سي إن إن بالعربي بتاريخ الخميس الموافق 12 سبتمبر الحالي، جاء فيه أنه: وافقت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب المصري على مشروع قانون الإجراءات الجنائية؛ لعرضه على المجلس في بداية دور الانعقاد الخامس عقب انتهاء الإجازة البرلمانية، في الوقت الذي ظهرت فيه اعتراضات برفض بعض بنود مشروع القانون من جهات مختلفة منها، نقابة الصحفيين، وكذلك نادي القضاة الذي رفض تعديل إحدى المواد بناءً على طلب نقابة المحامين- وفق وسائل إعلام محلية- مما دفع البرلمان للتأكيد، على أنه ما زالت أبوابه مفتوحة لمناقشة أية تعديلات على مشروع القانون.
وقد جاء هذا الخبر في اليوم التالي لبيان ذات اللجنة ردا على موقف نقيب الصحفيين، اعتراضاً منه على جور قانون الإجراءات الجنائية على الحقوق والحريات، وقد جاء بذلك البيان، حسب ما نشره موقع المصري اليوم بتاريخ الأربعاء الموافق 11 من سبتمبر، أنه «وإذ طالعت اللجنة كلمة نقيب الصحفيين، حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد؛ ورأت اللجنة، أن كلمته تفتقر إلى الدقة، وتعتمد على مغالطات فجة، حيث تم اتهام مجلس النواب بالتعجل والعصف بالحقوق والحريات، وهو اتهام ينحدر إلى حد الزيف المتعمد، ويهدف إلى إثارة الرأي العام دون أساس موضوعي، حيث تناسى أن عمل كل من لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية واللجنة الفرعية المنبثقة عنها امتد لقرابة العامين”. وذلك بعد أن أشادت بنصوص هذا التشريع المستحدث، على الرغم من كثرة الأقلام المعترضة عليه منذ أول لحظة ظهر فيها، كان من بينها نادي القضاة، ونقابة المحامين، ونقابة الصحفيين، علاوة على العديد من الفقهاء والخبراء القانونيين والحقوقيين.
ولكن وبما أن مجلس النواب في الإجازة السنوية المقررة له ما بين أدوار الانعقاد، وبحسب كونه السلطة التشريعية المختصة بمناقشة القوانين، فقد كان حريا، أن نقوم بالبحث حول كيفية عقد تلك الجلسات لمناقشة قانون على قدر كبير من الأهمية في حياة جموع المصريين، بخلاف أهميته للعاملين بالمجال القضائي أو المهتمين بالشأن العام، وبمطالعة نصوص الدستور المصري الأخير، وما جاء في الباب الخامس، وفي الفصل الأول منه، تحت عنوان السلطة لتشريعية (مجلس النواب) والمتضمن المواد من 101 إلى 138، لم نجد به نصاً يبيح أو يمنع انعقاد إحدى لجان مجلس النواب في الإجازة البرلمانية، وهو ما يعني أن ذلك يخضع للأصل العام، بما يعني أنها إجازة، ولكن حين مطالعة لائحة مجلس النواب الصادرة بالقانون رقم 1 لسنة 2016، وهي اللائحة التي تنظم كيفية عمل المجلس وتشكيل لجانه، وما إلى ذلك من أمور، فلم نجد سوى نص المادة رقم 52 من هذه اللائحة، والتي تنص على أنه:
يضع مكتب اللجنة جدول أعمالها بناء على اقتراح رئيسها، وتنعقد اللجنة بناء على دعوة منه. ويراعى في تحديد مواعيد انعقاد اللجان قربها من مواعيد انعقاد جلسات المجلس وعدم تعارضها معها، إلا في الأحوال العاجلة التي تقتضي ذلك، وبموافقة رئيس المجلس. وفيما عدا الحالات العاجلة، يجب أن توجه الدعوة لانعقاد اللجنة قبل الموعد المحدد للانعقاد بثمان وأربعين ساعة على الأقل، كما يجب أن يرفق بالدعوة جدول أعمال الجلسة. وتستمر اللجان فيما بين مواعيد جلسات المجلس في مباشرة نشاطها؛ لإنجاز ما لديها من أعمال، ولرئيس المجلس دعوتها للانعقاد، فيما بين أدوار الانعقاد، إذا رأى محلا لذلك، أو بناء على طلب الحكومة.
وهذا النص لا يوحي سوى، بأن الأمور تسير في مجراها الطبيعي، ولا يكون دعوة انعقاد اللجان النوعية للانعقاد في الإجازة التشريعية إلا في أحوال بعينها، حسب الفقرة الأخيرة من هذا النص (ولرئيس لمجلس دعوتها للانعقاد فيما بين أدوار الانعقاد، إذا رأى محلا لذلك، أو بناء على طلب الحكومة). وعلى الرغم من الصياغة المفتوحة للنص في كلمة “إذا رأى محلا لذلك”، فإن التفسير المنطقي لأصول الأمور التشريعية تؤكد على عدم الانعقاد إلا في أحوال ضرورية وملحة. وهذا ما يؤكده نص المادة 179 من هذه اللائحة والمضافة بالقانون رقم 136 لسنة 2021، والتي تؤكد على ممارسة اللجان بحثها لمشروعات القوانين بشكل طبيعي، حتى ولو كانت تلك القوانين محالة لها من دور تشريعي سابق، فإن ما عليها أن تستكمل ما بدأته في الدور التشريعي الجديد.
هنا نعود إلى نقطتنا الرئيسية، والمنحصرة في مناقشة قانون الإجراءات الجنائية في الإجازة التشريعية، ودون الخوض فيمن يكون صاحب طلب الانعقاد، سواء كان رئيس المجلس أو الحكومة، إلا أن السؤال المبدئي ينحصر في كيفية انعقادها في الإجازة، وما هي الضرورة الملحة أو الدافعة إلى هذا الانعقاد، إذ أن أمامها دورا تشريعيا كاملا، تبحث فيه نصوص القانون على مهل، وأن تعرضه على المتخصصين من الفقهاء والقانونيين والحقوقيين، وكافة الجهات المعنية بالأمر، لا أن تكون هناك عجلة في مناقشته وإقراره من قبل اللجنة التشريعية والدستورية.
وأرى أن على اللجنة التشريعية والدستورية، بدلا من أن تصدر بيانا في مواجهة نقيب الصحفيين لمجرد كونه أحد أهم المعترضين على نصوص قانون الإجراءات الجنائية، أن تبرر لكيفية انعقادها في الإجازة البرلمانية، قبل أن تعيد نقاش هذا القانون إلى نقطته الأولى، حتى يستوفي حقه من العرض والمناقشة، ما بين أهل الخبرة وذوي الرأي القانوني، أو أن تحيل هذا المشروع إلى لجنة مشكلة من كبار فقهاء القانون الجنائي من الجامعات المصرية، مضافا إليها أهل الخبرة من العمل القانوني والحقوقي والقضائي، وذلك لتجاوز ما ظهر من النصوص المعروضة من أوجه اعتراض أو من سلبيات، فطن لها العديد من الكتاب والجهات المعنية بهذا القانون، فلا يمكن أن يكون هذا التشريع سليما، على الرغم من اعتراض الجهات القائمة عليه مثل نادي القضاة، أو نقابة المحامين، أو نقابة الصحفيين.
إذ أن الأمر يهم المجتمع بأسره، ويتشابك مع حريات المواطنين الخاصة وحقوقهم في التقاضي والمحاكمات العادلة، وكفالة حقوق الدفاع، بخلاف تشابكه مع حريات الرأي والتعبير.
قول ختامي: تعد مصر من أكبر الدول المشهود لها في الكفاءة العلمية القانونية، فهي صاحبة الريادة في سن التشريعات، حتى أن معظم الدول العربية قد استعانت بالخبراء المصريين لتطوير تشريعاتهم، فهل نقف عند حد مشروع به كل هذه السلبيات، دون أن يكون لفقهائنا وعلمائنا دور في بحث نصوص هذا المشروع؟ كما أن الهيئات القضائية ونقابة المحامين بها من الخبراء والعلماء، ما يضاهي أساتذة القانون، فهلا تستعين الدولة بهذه الخبرات التي تحت يدها في مناقشة مشروع قانون له من الأهمية، ما يتشابك مع أغلب أوجه النشاط الحياتي، بما يتناسب مع ما احتواه الدستور من حقوق وحريات.