كتب- سمير عثمان
عام دراسي جديد 2024/ 2025، يبدأ ويبدأ معه نظام تعليمي جديد، بعد إصدار وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، محمد عبد اللطيف، عدة قرارات بعد توليه منصبه بأيام، متعلقة بتعديل المناهج الدراسية لمرحلة الثانوية العامة، وبحسب الوزير، فإن التعديل جاء لإعادة تصميم المحتوى العلمي لصفوف المرحلة الثانوية، وتوزيعها بشكل متوازن.
منذ تولى الرئيس السيسي، الحكم في عام 2014، وضعت الدولة المصرية عدة خطط استراتيجية للنهوض بالتعليم، باعتباره ركيزة أساسية لتحقيق خطة الدولة للتنمية المستدامة 2030، حيث يستهدف البُعد الاجتماعي بخطة التنمية تحسين جودة نظام التعليم، بما يتوافق مع النظم العالمية، وإتاحة التعليم للجميع دون تمييز، وتحسين تنافسية نظم ومخرجات التعليم.
الحق في التعليم في ضوء الدساتير والقوانين
يعد الحق في التعليم حقا مؤسسا لباقي حقوق الإنسان، ويعتبر الأداة الرئيسية التي من خلالها يمكن للإنسان المشاركة الكاملة في جميع مناحي الحياة الاجتماعية، والثقافية والاقتصادية وغيرها، والدستور المصري في مواده (19 – 25) تضمن العديد من الحقوق للمواطنين، فيما يخص التعليم، ونصت المادة 19، على أن “التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وتأصيل المنهج العلمي فى التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه في مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقًا لمعايير الجودة العالمية، والتعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقًا للقانون، كما تلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم، لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيًا، حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها”.
كما نصت بقية المواد، على أن الدولة تلتزم بتشجيع البحث العلمي وتطوير التعليم الفني، وتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي على التعليم الجامعي لا تقل عن 2% من الناتج القومي الإجمالي، كما تكفل الدولة تنمية كفاءة المعلمين وتنمية مهاراتهم، وكذا تخصيص نسبة 1% من الناتج القومي للبحث العلمي.
الأمر لا يقتصر على الدستور والقوانين المصرية، ولكن القوانين والمواثيق الدولية أكدت على الحق في التعليم، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 26، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والقانون الإنساني الدولي، بل حرصت المواثيق الدولية على حق اللاجئ في التعليم، حيث نصت المادة 22 من القانون الدولي للاجئين، على أن تمنح الدول اللاجئين نفس المعاملة الممنوحة لمواطنيها، فيما يخص التعليم الابتدائي وأفضل رعاية ممكنة في فروع التعليم الأخرى، بالإضافة غلى ذلك النصوص التي تضمنها المواثيق الأوروبية والإفريقية لحقوق الإنسان بالحق في التعليم.
خطط مصر لتطوير التعليم
أطلقت مصر الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي 2014/ 2030، تحت عنوان “التعليم.. المشروع القومي لمصر”، تلتها خطة إصلاح التعليم 2018/ 2025، ثم خطة قطاع التعليم في مصر 2023/ 2027، وصولًا إلى الخطة الاستراتيجية للتعليم قبل الجامعي 2024/ 2029، والتي استعرضها وزير التربية والتعليم السابق رضا حجازي، قبل مغادرة منصبه وتحديدًا في نوفمبر من العام الماضي، وذلك بعد شهرين من موافقة الجهات المانحة والمشاركة على خطة قطاع التعليم 2023/ 2027. وأخيرا تأتي قرارات الوزير محمد عبد اللطيف “نظام المسارات”، والتي هي في جوهرها وما تطمح إليه، وتأثيراتها المنظورة والبعيدة، إذا قيض لها الاستمرار، جديرة بمسمى “خطة”، وربما قد تكون الخطة الأهم في مسلسل الخطط المتعددة التي طرحت في السنوات العشر الأخيرة. كما سيتم توضيحه.
ورغم سعي الدولة المصرية إلى النهوض بالعملية التعليمية، ومحاولات وزراء التربية والتعليم المتعاقبين على تحقيق خطة تطوير التعليم، إلا أن التعليم في مصر ما زال يواجه تحديات وعقبات مختلفة، على رأسها التغيرات المتتالية للنظام التعليمي على مدار سنوات قليلة نسبيًا، وكذا كثافة الفصول، والتحديات التي تواجه المعلمين وآمالهم في تحقيق الإصلاح، كل ذلك بالإضافة إلى العبء الواقع على الأسر المصرية سواء المادي أو النفسي.
يقول الدكتور حسام بدراوي، أحد المشاركين في وضع رؤية مصر 2030، إن الرؤية شاملة، ولكنها لا تطبق بشكل متكامل، و هي جيدة بما يكفي لتطوير المنظومة التعليمية في مصر، مشددًا على ضرورة أن نعتبر التعليم أولوية، ويحتاج إلى إدارة فاعلة وتنسيق بين جميع الوزارات المعنية من أجل؛ تطبيق الرؤية وتطوير المنظومة التعليمية.
وأكد بدراوي، لـ «مصر 360»، أنه لابد أن نأخذ في الاعتبار أهمية التحديد الدقيق لوضع التعليم الراهن بمنظور مقارن، بما يدور حولنا على المستويين الإقليمي والعالمي، وليس لإرضاء الذات أو إرضاء القيادة السياسية، موضحًا أنه يجب أن يتم دراسة أسباب عدم تطبيق رؤية وسياسات التعليم عبر 25 عامًا متصلة، أو تطبيقها بشكل أدى إلى فشلها وعدم استدامتها.
وتابع، أنه تقدم سابقًا بمقترح يساهم في رؤية التطوير، وهو تشكيل مجلس أعلى للتعليم، يضمن استدامة التطبيق، مهما تغيرت الحكومات، ولكنه كالعادة نشأ مبتورًا – حسب وصفه- وتكوينه أغلبه سلطة تنفيذية وليس مجتمع الخبراء ومتخصصين.
من جانبه، يرى الدكتور محمد خليل، الخبير التربوي، أن تعدد خطط تطوير التعليم يأتي بسبب؛ التحديات التي تواجهها الدولة، وتتغير كل عام عن العام السابق، مشيرًا إلى أن كل خطة، تكون مكملة لما قبلها ولا تلغيها كليًا.
وأكد خليل أن كل وزير يشغل المنصب يكون لديه طموح وخطة للتجديد، بينما يعمل المستشارون الموجودون بالوزارة على تنفيذ خطة الوزير بدمجها مع الخطط السابقة، مشيرًا إلى أن الخطط يتم تطويرها، بما يتماشى مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي القائم، بما يضمن عدم وجود عائق أما التنفيذ وتطوير العملية التعليمية.
طبقًا للخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم 2024/2029، فإن عدد طلاب التعليم قبل الجامعي بلغ 25 مليون 494 ألف 232 طالب للعام الدراسي 2022/2023، بزيادة تقترب من نصف مليون طالب عن العام الدراسي 2021/2022، والمعلن في الخطة التي سبقتها 2023/2027.
مشكلات متزايدة وحلول غائبة
وفقًا لخطط وزارة التربية والتعليم لتطوير التعليم، وكذلك رؤية مصر 2030، اتفقت على المشكلات التي تواجه قطاع التعليم في مصر، وهي نفس المشكلات التي اتفق عليها الخبراء والمختصون، بينما لخصت الخطة الاستراتيجية الأخيرة أهم التحديات التي تواجه التعليم في مصر، والتي تتمثل في كثافة الفصول والتعليم خارج المدارس، وانتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، وغياب الطلاب، وكذلك الامتحانات العامة بشكلها الراهن، والتي تزيد العبء على الطلاب والأسرة معًا، وعدم توافق البنية التحتية للتحول الرقمي في التعليم سواء للطلبة أو المدرسين، فضلًا عن تغير النظرة المجتمعية للتعليم الفني، ووجود فاقد تعليمي نتج عن انتشار كوفيد 19، وذلك إضافة إلى عملية تمويل التعليم، وتدريب المعلمين، وزيادة الإنفاق على التعليم، ومواجهة التسرب التعليمي، وعجز المعلمين، بالإضافة إلى مشكلة تزايد عدد السكان بشكل مستمر.
النظام التعليمي الجديد.. “المسارات المختلفة”
طبقًا لخطة إصلاح التعليم 2018/ 2025، فإن طلاب الصف الأول الإعدادي خلال السنة الدراسية 2024/ 2025، هم الدفعة الأولى التي ستشهد تطبيق النظام التعليمي الجديد لمرحلة الثانوية العامة، والمعتمد على المسارات المختلفة.
فبحسب وزارة التربية والتعليم، فإن العام 2027 سيشهد تطبيق نظام المسارات بدلًا من اقتصار المرحلة الثانوية على نظامي علمي وأدبي، والمسارات الأربعة التي سيتم تطبيقها هي مسار القطاع الطبي، والقطاع الهندسي، والعلوم الإنسانية، والذكاء الاصطناعي، ووفق هذه المسارات، يدرس الطالب المواد التي تؤهله في المسار الذي اختاره، والذي يؤهله بدوره إلى كليات بعينها في المسار المحدد.
يقول الدكتور تامر شوقي أستاذ علم النفس التربوي بجامعة عين شمس، إن هذه المسارات سيتم تطبيقها بداية من عام 2027، على أن يلتحق الطالب بأحد المسارات التي تؤهله للكلية المناسبة لتخصصه الذي اختاره مبكرًا، موضحًا أن النظام الجديد يعتمد على ربط الدراسة بالواقع الذي يعيشه الطلاب، من خلال مناهج تتماشى مع رؤية الدول المصرية، وتساهم في تحقق التنمية.
وأضاف شوقي لـ “مصر 360″، أن النظام القديم كان يعتمد على مناهج منفصلة عن الواقع الذي يعيشه الطلاب، ويعتمد على الحفظ، أما النظام الجديد يعتمد على مناهج متطورة ومرتبطة ببعضها البعض خلال مراحل التعليم قبل الجامعي المختلفة، وتناقش القضايا المجتمعية المحلية التي تواجهها مصر، مشيرًا إلى أن المناهج الجديدة تنمي القدرة على التفكير والإبداع والرؤية التكاملية لجميع المشكلات، وكذلك إعداد الطالب وربطه بسوق العمل واحتياجاته، مشددًا على أن هذه الأنظمة هي التي تعتمد عليها النظم العالمية سواء المدارس الأمريكية أو البريطانية.
«في الحلقة الثانية مميزات وعيوب النظام التعليمي الجديد، وكيف ينظر المجتمع إلى هذه التغييرات؟ وما هي أبرز المؤشرات الدولية لقياس جودة التعليم وموقع مصر منها؟