رغم حصول “محمد.أ” الطالب في الثانوية العامة للعام 2023 /2024 على مجموع يزيد على 90% علمي رياضة، يستطيع به الدخول لكلية حكومية، لكن والده تاجر الذهب فضل إلحاقه بكلية خاصة رسومها الدراسية، تتجاوز 160 ألف جنيه سنويًا.

ربما يعتبر تاجر الذهب الرسوم المرتفعة لتلك الجامعة؛ دليلا على جودة التعليم بها، لكن الأهم أن الأمر مصدر تفاخر له بسوق الصاغة، إذ يتغنى ليل نهار، بأن المصروفات الدراسية لابنه في السنوات الخمس، تناهز المليون جنيه (800 ألف جنيه رسوم، و200 ألف جنيه مستلزمات إضافية).

الأمر ذاته تكرر مع  ابنة شقيقه، شريكه في محل الذهب الضخم، والتي أدخلها ذات الجامعة، بنفس الرسوم.

المختلف كان مجموعها الذي لم يتجاوز 75%، والذي لم يؤهلها للالتحاق بكلية حكومية، ليتجاور ابنا العم، من حصل على التسعين مع من حصل الـ 75% في نفس المدرج.

بحسب بيانات وزارة التعليم العالي، يبلغ عدد الطلبة في الجامعات الحكومية والأهلية 2.2 مليون طالب، وبإضافة طلاب الجامعات الخاصة، يصل الإجمالي لـ 3.5 ملايين طالب، أي أن عدد طلاب الجامعات الخاصة بمصر في جميع السنوات الدراسية يناهز 1.3 مليون طالب.

تاجرا الذهب مثال على الطبقات التي استفادت من تبعات الأزمات الاقتصادية بمصر، فارتقت درجات في السلم الاقتصادي، وباتت تبحث عن ارتقاء مواز في المستوى التعليمي والوجاهة الاجتماعية، ولا يؤثر في قرارهما فرص العمل التي يتيحها هذا التعليم لأبنائهما بعد التخرج ففي النهاية، سينضمان لسلك “بيع وشراء المعدن الأصفر”.

التعليم معيار للوضع الاجتماعي

يمكن تقسيم الأسر التي تلحق أبناءها بالجامعات بمصر وفقا للطبقات الاجتماعية، فجزء من الطبقة الثرية، تُعلم أبناءها بالداخل في الجامعات الدولية مثل، الجامعة البريطانية والألمانية والأمريكية، والطبقة فوق المتوسطة تقبل على الجامعات الأهلية والخاصة، بينما الحكومية للطبقات الأقل دخلاً.

على سبيل المثال، تتراوح مصرفات كليتي الهندسة وتكنولوجيا الإدارة في الجامعة الألمانية، ما بين 237 و320 ألف جنيه، مقسمة حسب فئات “حسب التقييم”، بينما تراوحت مصروفات الصيدلة ما بين 215 و290 ألف جنيه، بخلاف 10 آلاف جنيه وديعة معامل، تسترد في نهاية العام وألف جنيه اختبارات تقييم.

الجامعة البريطانية في مصر، تتراوح مصروفاتها سنويا ما بين 190 و235 ألف جنيه حسب الكلية، بينما تتراوح في جامعة حورس بين 50 و230 ألف جنيه حسب الكلية، وتنخفض في جامعة 6 أكتوبر لتتراوح بين 38 و140 ألف جنيه، وفي جامعة «MTI» تتراوح الرسوم بين 48 و159 ألف جنيه، لكن الجامعة تضيف رسوما إضافية ما بين 3 و8 آلاف جنيه للخدمات المعملية.

وفقًا لبيانات وزارة التعليم العالي، يوجد 109 جامعات حكومية وأهلية وخاصة وتكنولوجية بمصر موزعة بين 28 جامعة حكومية، و32 جامعة خاصة، و20 جامعة أهلية، و10 جامعات تكنولوجية، و9 أفرع لجامعات أجنبية، و6 جامعات باتفاقيات دولية، وجامعتان باتفاقيات إطارية، وجامعة بقوانين خاصة، وأكاديمية تُشرف عليها الوزارة، بالإضافة إلى المعاهد.

ارتفع عدد الجامعات الخاصة بمصر بنسبة 39% خلال السنوات العشر الأخيرة، وذلك دون احتساب الجامعات الدولية وأفرع الجامعات الأجنبية، كما ترتفع أعداد الجامعات الأهلية بوتيرة متزايدة، وهي جامعات منبثقة من الجامعات الحكومية، لكنها بمصروفات دراسية مرتفعة تناهز الجامعات الخاصة.

كفاح من أجل مستقبل أفضل

نشأت فكرة الجامعات الخاصة كحل لعجز الجامعات الحكومية عن استيعاب العدد الكبير لطلاب الثانوية في عهد الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء الأسبق، قبل ربع قرن تقريبًا.

ونص القانون وقتها، على ألا يكون غرضها الأساسي تحقيق الربح، وأن تهدف بصفة أساسية إلى نشر التعليم الجامعي والارتقاء به.

ورغم ارتفاع مصروفات الجامعات الخاصة، قد تضطر بعض الأسر تحت وطأة المجموع المنخفض لأبنائها إلى الاستغناء عن أصولها، من أجل إلحاق أبنائها بالشرائح الأقل من الجامعات الخاصة، خاصة كليات الطب والصيدلة وطب أسنان.

علي هاشم، الموظف بمصلحة حكومية، كان من بين تلك الفئة، إذ باع حوالي فدان أرض من أجل الإنفاق على ابنه الذي يدرس بكلية الصيدلة في إحدى الجامعات الخاصة، بعدما قل مجموعه في الثانوية العامة بنحو 2% عن المطلوب لأقل كلية صيدلة في التنسيق.

يقول هاشم، إن اختيار الجامعة لم يتضمن أسبابا تتعلق بجودة التعليم أو مدى ارتباطها بجامعات أجنبية عريقة، المعيار الأول والأخير كان المصروفات الإجمالية لسنوات الدراسة، فقطعة الأرض المتبقية بحوزته، لا يمكن التفريط بها فهي من أجل زيجة ابنته.

الأمر ذاته ينطبق على منى حسن، المدرسة بإحدى المدارس  الخاصة، والتي أنفقت غالبية حصاد العمل بالخليج 10 سنوات مع زوجها على تعليم ابنتها إدارة الأعمال في إحدى الجامعات الدولية من أجل؛ تحقيق مستقبل أفضل لها.

تقول منى: “شقيقتي تعمل في بنك كبير، وأكدت لي أن الأولوية للتعيين في البنوك حاليًا لخريجي الكليات الدولية والأجنبية بمجال البيزنس وإدارة الأعمال، ومن أجل اختصار طريق مستقبلها المهني أنفقنا عليها بسخاء، حتى يمكنها اللحاق بسوق العمل”.   

تضيف منى، أن الأولوية في المناصب حاليًا لخريجي تلك الجامعات، قائلة: “غالبية الوزراء والمديرين في الشركات حاليا خريجين لجامعات أجنبية.. المستقبل لم يعد للجامعات الحكومية أو الخاصة.. الدولية فقط”.

نقابات تتحفظ على التعيينات

تبدو تلك الرؤية صحيحة، فيما يتعلق بمجالات مثل التجارة وإدارة الأعمال لكنها قاصرة فيما يتعلق بالطب، فمجلس النقابة اشترط لقيد خريجي كليات الطب الخاصة في مصر، والتي لم تبدأ بها الدراسة، ضرورة أن تستكمل الكلية جميع اشتراطات الإنشاء والدراسة، وأن تمتلك مستشفى بعدد أسرة مناسب لتدريب الطلاب، وإلا فلن يتم قيد خريجيها بالنقابة، وبالنسبة للكليات الخاصة التي بدأت الدراسة بها فعليا، تُمنح فترة سماح ثلاث سنوات لتوفيق الأوضاع المذكورة، وإلا لن يجري أيضا قيد خريجيها بنقابة الأطباء.

في مجال الهندسة، تتوقف وضعية خريجي الجامعات الخاصة على مجالس إدارات الشركات، فبعضها عائلي يرأسها شباب من خريجي الجامعات الخاصة أساسا ولا يمانعون في تعيين خريجي هذه الجامعات، أما الجيل القديم، فلديه تحفظات على خريجي تلك الكليات، ويرون أن دخولهم الكلية كان نابعا من امتلاك القدرة المالية فقط، ولن يتحملوا وظائف مثل السيركي أو مهندس مشروعات، يقف في عز “البرد ـ أو الحر” وسط العمال. 

أي تأثير على السلام الاجتماعي؟

الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حذر من تأثير التدليل للجامعات الأهلية والخاصة على مستقبل السلام الاجتماعي بمصر؛ فالجامعات الحكومية ،تجتذب الأعداد الأكبر من خريجي التعليم الثانوي بمصر، وهم الأكثر تفوقا، تُعدهم الحكومة بتعليم من الدرجة الثانية في الجامعات الحكومية التي تستقطب تسعة أعشارهم، وتُعد بتعليم متميز للقلة التي تقدر على دفع مقابل هذا التعليم، وهى عموما الأقل تفوقا بحسب الدرجات التي يقبلها تنسيق الجامعات الأهلية والخاصة.

أضاف السيد، أن الوظائف المتميزة بمصر ستذهب لخريجي الجامعات الأهلية والخاصة الذين لا يجدون لهم فرصة للعمل في الخارج، ولكنهم سيحصلون على هذه الوظائف ليس بقدراتهم، ولكن بحسب مكانة وصلات أسرهم. متسائلاً: هل هذه هي الوصفة المناسبة لتعزيز السلام الاجتماعي بمصر؟