يشمل حوض النيل في تعريفه الأوسع 11 دولة إفريقية، يشكل سكانها ما نسبته 40% من إجمالي سكان القارة الإفريقية،ويتشكل الحوض من 3 أحواض رئيسية
الأول هو حوض النيل الشرقي، ويشمل مصر والسودان وإثيوبيا، ويتضمن النيل الأزرق وبعض الأنهر الفرعية، وحوض نيل البحيرات الاستوائية، والذي يشمل الكونغو ورواندا وبوروندي وكينيا وأوغندا ومصر والسودان، ويتضمن هذا الحوض بحيرة فيكتوريا، والتي تعتبر من أكبر البحيرات في العالم، ومصدرا رئيسيا لنهر النيل الأبيض، وحوض النيل الجنوبي، والذي يشمل جنوب السودان وأجزاء من أوغندا وكينيا، ويتضمن هذا الحوض نهر السوباط، وهو أحد روافد النيل الأبيض. ويعتبر النيل أطول أنهار العالم بطول 6650 كيلومترا، ويغطي حوض النيل مساحة قدرها 3.4 ملايين كيلومترا مربعا، ويتميز النيل وروافده بالجريان من الجنوب إلى الشمال.
وفي سياق العمل الجماعي داخل هذا الإقليم، تم تطوير نص الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل- عنتيبي([1]) على مدار نحو عقد كامل من العمل المكثف بين الدول التي سعت لقيامها.
الاتفاقية يتبقي لها أسبوعان لتدخل حيز التنفيذ حسب تصريحات وزير الري الإثيوبي تايي أتسكي سيلاسي، الذي قال أمس أن الاتفاقية ستدخل حيز التنفيذ في 13 أكتوبر الجاري وعقب مرور شهر من إيداع وثائق التصديق في الاتحاد الإفريقي من قبل 6 دول من دول حوض النيل.
دخول الاتفاقية حيز التنفيذ هو المحطة الأحدث في سلسلة من المحطات التي مرت بها الاتفاقية عبر 18 عاما تقريبا، وتاليا نتوقف بالتفصيل عند هذه المحطات
تم تسليم نص أولي للاتفاقية أمام مجلس وزراء شئون مياه دول حوض النيل Council of Ministers of Water Affairs of the Nile Basin States (Nile-COM) في مارس 2006. وأكملت دول “نايلكوم” مفاوضاتها حول الاتفاقية الإطارية في 25 يونيو 2007 مع رفع جميع التحفظات الواردة على نصها باستثناء المادة 14 ب التي خول لرؤساء دول حوض النيل مهمة تسويتها.
وبالنسبة لمصر والسودان، فإن أهم النقاط الخلافية تتركز في ثلاثة بنود، الأول يتعلق بالأمن المائي، حيث لم تشر الاتفاقية إلى الحصص المائية لدولتي المصب مصر والسودان (55.5 مليار متر مكعب و18.5 مليار متر مكعب على التوالي)، بما يعتبر إخلالها بالحقوق التاريخية للدولتين في مياه النيل.
ونص الاتفاق، على أن مرتكزات التعاون بين دول مبادرة حوض النيل تعتمد على الاستخدام المنصف والمعقول للدول، دون توضيح لحجم الحصص، وبند الخلاف الثاني، يتعلق بعدم النص على ضرورة الإبلاغ المسبق من أي دولة عن أي مشروع، تعتزم تنفيذه قد يؤثر على مياه النيل وحصص دول المبادرة.
أما بند الخلاف الثالث، فتمثل في عدم النص على ضرورة موافقة دول المبادرة بالإجماع؛ لتنفيذ أي مشروع جديد وليس بالأغلبية فقط.
دفعت هذه التحفظات وعدم التعامل الجاد معها من قبل “الاتفاقية” مصر إلى تجميد عضويتها بالمبادرة في أكتوبر 2010، كرد فعل على توقيع عدد من دول منابع النيل عليها، قبل التوصل إلى اتفاق حول النقاط الخلافية فيها.
أهمية الاتفاقية
تهدف الاتفاقية إلى إرساء المبادئ والحقوق والالتزامات؛ من أجل ضمان إدارة وتنمية بعيدة المدى ومستدامة لمياه النيل المشتركة.
ووفقًا لبنود الاتفاقية فإن دول حوض النيل، تلتزم بالتعاون في جوانب المحافظة وإدارة وتطوير حوض النيل ومياهه؛ وأن تكون الاتفاقية أساس قانوني لمؤسسة إدارة دائمة، ومشتركة وهي مفوضية حوض نهر النيل Nile River Basin Commission (NRBC)، بحيث تتمتع بشخصية قانونية تقوم بتعزيز التعاون في دول الحوض.
وتضمن المفوضية استمرار تنسيق مشروعات التنمية الوطنية مع تنمية الحوض بأكمله؛ من أجل تحقيق الاستفادة القصوى من موارد حوض النيل وزيادة المكاسب الوطنية في التنمية من التعاون الإقليمي. وتعمل الاتفاقية على لعب دور رئيس في تحقيق النمو الاقتصادي، وخفض الفقر وتيسير التكامل الإقليمي وتعزيز السلم والاستقرار الإقليميين.
ويمثل إقرار الاتفاقية من قبل جميع دول الحوض دلالة على التزام هذه الدول بالتعاون في تطوير واستغلال مواردهم المائية المشتركة.
ويمكن أن تيسر مثل هذه التطورات الوصول للتمويل الدولي، وتعزيز العلاقات مع الأطراف الدولية وشركاء التنمية من القطاعين العام والخاص.
عملية التصديق
تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ رسميًا بعد 60 يومًا، من تصديق ست دول على الوثيقة وإيداعها في الاتحاد الإفريقي. ويعتبر التوقيع على الاتفاقية خطوة وسيطة، تشير الدول من خلالها لعزمها التصديق على الاتفاقية مستقبلًا، غير أن التوقيع في حد ذاته لم يمثل إلزامًا قانونيًا لها بالتصديق عليها.
ويعني التصديق الالتزام بعدم القيام بأعمال تحد من أهداف وأغراض الاتفاقية التي وقع عليها بحلول مارس 2011 ست دول. ويمكن التداول بشأن نص الاتفاقية، طالما لم تدخل حيز التنفيذ، وفي حال حدوث هذا المر الطارئ، ستخضع الوثيقة الجديدة لعملية من خطوتين، وهما التوقيع والتصديق. ولا يوجد للاتفاقية أثر قانوني على الدول التي لم توقع على وثيقتها أو تصدق عليها. ولا تلتزم دول حوض النيل التي لم توقع أو تصادق على الاتفاقية بها.
ويمكن رصد أهم محطات صياغة الاتفاقية وجهود تطبيقها على النحو التالي:
- الفترة يناير 1997- مارس 2000 اجتماعات لجنة الخبراء لوضع صياغة النص ووثيقة مبادئ العمل وصياغة الحقوق والالتزامات ومؤسسات مبادرة حوض النيل.
- أغسطس 2000- أغسطس 2001 قيام لجنة انتقالية بتحويل النص إلى اتفاق مبدئي.
- ديسمبر 2003- ديسمبر 2005 تشكيل لجنة مفاوضات مهمتها التفاوض لوضع اتفاق مبدئي واجهتها بالفعل تحفظات عديدة، وتقديم نصوص بديلة للاتفاقية، تمثل مواقف مغايرة.
- بدء مفاوضات وزارية في الفترة مارس 2006- يونيو 2007، شهدت المضي قدمًا في الاتفاق المبدئي مع إلغاء جميع التحفظات المسبقة، فيما عدا المادة 14 الخاصة بالأمن المائي التي أحيل البت فيها لرؤساء الدول.
- أغسطس 2008 إطلاق نايلكوم Nile-Com فعادة فتح ملف الاتفاقية على المستوى الوزاري.
- اجتماع كينشاسا 22 مايو 2009 “نايلكوم” اتفاق سبع دول أعضاء على ضم المادة 14ب لقرار لاحق من قبل NRBC، ولم يتم طرح تحفظ مصر والسودان وقت اتخاذ القرار، لكنهما عبرتا لاحقًا عن تحفظهما.
- اجتماع نيروبي 3 يوليو 2009 اجتماع المفاوضين الممثلين للدول؛ وافقت في الاجتماع سبع دول على “نص معدل” مع تحفظات قوية من مصر والسودان.
- اجتماع الإسكندرية 27-28 يوليو 2009 “نايلكوم” قرار مشترك لإتاحة مزيد من الوقت للسعي لاتفاق مشترك.
- عنتيبي سبتمبر 2009، دار السلام ديسمبر 2009، وشرم الشيخ إبريل 2010: Nile-TAC المشتركة، ولجنة المفاوضين، ودارت مداولات حول خيارات المضي قدمًا بشكل جماعي.
- اجتماع شرم الشيخ 13 إبريل 2010: نايلكوم، سبع دول توافق على افتتاح CFA (نص معدل) للتوقيع، موقف مصري وسوداني رافض.
- 14 مايو 2010 افتتاح CFA للتوقيع، وتوقيع أربع دول (هي أوغندا وإثيوبيا ورواندا وتنزانيا).
- شهدت مدينة عنتيبي الكينية في 14 مايو 2010 توقيع أربع دول من حوض النيل وهي إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا بالأحرف الأولى على اتفاقية عنتيبي بعد حوالي 10 سنوات من المفاوضات بين دول الحوض التسعة “من أجل تقاسم أفضل لمياهه”. بينما أكدت كينيا في بيان تأييدها للاتفاقية دون التوقيع، ولم يحضر مندوبا الكونغو الديمقراطية وبورندي إلى جانب مصر والسودان.
- عقب اجتماع 14 مايو 2010 مباشرة، أكدت القاهرة على لسان وزير الري المصري محمد نصر علام، حينذاك عزمها على اتخاذ “جميع الإجراءات اللازمة؛ للتأكيد لجميع المنظمات الدولية، أن هذه الاتفاقية ضد القانون الدولي وغير ملزمة لمصر، وتمثل تعديًا على حقوقها المائية”. وأنه سيتم الاتصال “بجميع دول الحوض لإقناعهم بالعودة إلى مائدة المفاوضات للتوصل إلى حل بدلًا من الانشقاق”. وأن مصر ستلجأ إلى القانون الدولي للحفاظ على حقوقها، مضيفا أنه من الناحية العملية” ليس هناك أي خطورة على “حصة مصر أو استخداماتها” لمياه نهر النيل؛ لأن ذلك” مصان فعليا وعلى مستوى الاتفاقيات الدولية”.
- 19 مايو 2010 كينيا توقع على الاتفاقية في نيروبي.
- 28 فبراير 2011 بوروندي توقع على الاتفاقية في بوجومبورا.
- 13 يونيو 2013 إثيوبيا تصادق على الاتفاقية.
- 28 أغسطس 2013 رواندا تصادق على الاتفاقية.
- 26 مارس 2015 تنزانيا تصادق على الاتفاقية.
- 15 أغسطس 2019 أوغندا تصادق على الاتفاقية.
- 2024 بوروندي تصادق على الاتفاقية.
- 2024 جنوب السودان تصادق على الاتفاقية.
مستقبل موقف مصر والسودان من اتفاقية عنتيبي
مثل دخول اتفاقية عنتيبي حيز التنفيذ بتصديق جمهورية جنوب السودان عليها في يوليو الفائت، متغيرًا خطيرًا لكل من مصر والسودان، لا يمكنهما تجاهله أو التقليل من حجم تهديداته عليهما.
تنفيذ الاتفاقية يعني إقامة مفوضية حوض النيل؛ لتحل محل مبادرة دول حوض النيل؛ لتكون الأولى بصلاحيات وسلطات أكبر، وتحظى باعتراف كبير من قبل جهات المياه الدولية والمانحة للمعونات الإنسانية والتنموية (لدول حوض النيل).
كما يرى بعض الخبراء، أن دخول الاتفاقية حيز التنفيذ سينهي جدل مستمر حول “المعاهدات الاستعمارية المتعلقة بنهر النيل”، ويضع مصر والسودان في مآزق حقيقية في سبيل الدفاع عن مصالحهما، لا سيما أن اتفاقية دول حوض النيل قد صيغت على نموذج UN Watercourses Convention الذي أقرته أكثر من مائة دولة في العالم في العام 1997، ودخلت حيز التنفيذ في العام 2014، وهو ما يؤشر بشكل مباشر على تمتع اتفاقية حوض النيل بقدر من التفهم الدولي على الأقل.
[1] جاءت الاتفاقية الإطارية للتعاون بين دول حوض النيل– عنتيبي في 12 بابًا لتغطية تعريفات الاتفاقية الإطارية للتعاون؛ وتفصيل المبادئ العامة؛ وتحديد مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول؛ والالتزام بعدم التسبب في ضرر جسيم، والحماية والمحافظة على حوض النيل ونظامه الأيكولوجي؛ وتبادل المعلومات والبيانات؛ والخطوات التخطيطية؛ وتقييم الأثر البيئي والحسابات؛ والتبعية في حماية وتطوير حوض النهر؛ وسبل الوقاية والتخفيف من الظروف الضارة؛ ثم حالات الطوارئ. انظر النص الكامل.
- نص الاتفاقية الإطارية لحوض النيل: الهيئة المصرية العامة للاستعلامات مارس 2011.