سبتمبر شهر الانفراجات المحدودة، والآمال المعلقة.
الشهر الذي رافقته سخونة غير اعتيادية في الطقس، وغابت عنه “النسمات السبتمبرية المعهودة”، شمل تغيرات لافتة في التموضع السياسي لمصرـ وحراكا، وإن تأخر، بدا واثقا في الملف الأخطر “المياه”، بينما استمر الجدل القانوني والحقوقي حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وإن تعددت جبهاته، ولم يعد قاصرا على المؤيدين والمعارضين فقط.
التصعيد مع إثيوبيا.. خطوتان للأمام.. قفزة للأعلى
في أول أيام سبتمبر، وصل رئيس الوزراء الصومالي لمصر، في منعطف للعلاقات بين البلدين، وصفه سفير الصومال في القاهرة، بأنه “تاريخي في هذه المرحلة”.
ولا يمكن قراءة التطور العلاقاتي بين القاهرة ومقديشو بمعزل عن الاشتباك السياسي/ المائي مع أديس أبابا التي قامت في اليوم نفسه بتعيين سفير لها في إقليم أرض الصومال الانفصالي، رغم تأكيدات الدولة المصرية عبر بيانات وزارة الخارجية والرئاسة، على أن التعاون بين البلدين، والذي وصل ذروته باتفاقية الدفاع المشترك؛ هدفه الأساس دعم وحدة أراضي الصومال، واستقلاله ومحاربة الإرهاب.
خلال سبتمبر ذاته، أرسلت مصر شحنات من المساعدات العسكرية وجنودا مصريين للمشاركة في قوات حفظ السلام الإفريقية بالصومال.
الوجود العسكري في مصر، لا يمثل استفزازا، لكنه يمثل ضغطا حقيقيا على إثيوبيا، بحسب الدكتورة أماني الطويل، وهو “ضغط محسوب”، في إطار صراع متصاعد بين البلدين.
لم تعلن القاهرة رسميا عن تفاصيل شحنة الأسلحة التي أرسلتها للصومال، واكتفى بيان للخارجية المصرية بالإشارة، إلى أن هذه الأسلحة تهدف إلى “دعم الجيش الصومالي وبناء قدراته”.
لكن تقارير إعلامية نقلت عن مسئولين صوماليين، أن شحنه الأسلحة تضمنت أسلحة ثقيلة ومدافع مضادة للطائرات وأسلحة مدفعية.
سرعان ما أعطى الدعم المصري دفعة معنوية للصوماليين، جعلت وزير الدفاع الصومالي يقول في تغريدة له على منصة إكس: “الصومال تجاوز المرحلة التي كانت تُفرض عليه الأوامر.. نحن نعرف مصالحنا، وسنختار بين حلفائنا وأعدائنا”.
المشهد السياسي المصري، بدا مترابطا تماما خلف خطوات الدولة في هذا الاتجاه، وفي مقال له على صفحات الوفد، اعتبر الكاتب سامي أبو العز، أن إثيوبيا تدفع فاتورة الغرورـ بينما نقلت صحف ومنصات عربية عن خبراء، استبعادا لفرضية أن “يكون الوجود المصري مرتبطاً بالتوازن العسكري مع دولة أو أخرى موجودة هناك”.
وفي إطار الرصد لملامح الحراك المصري في القرن الإفريقي ــ سبتمبر جزء لا يستهان به من هذا الحراك ــ يمكن رصد تطور في ديناميات هذا التحرك، خصوصا مع تراجع الدور الإثيوبي، و”خيبة الآمال” التي عقدها الغرب على آبي أحمد، الزعيم الإثيوبي المتوج بنوبل.
في السياق ذاته، يمكن تفسير التقارب المصري الإريتري، عقب ارتفاع حدة التوتر بين الأخيرة وإثيوبيا بسبب؛ عقد إريتريا لمفاوضات مع جبهة تحرير التيجراي الشعبية.
وفي تحليل مهم، اعتبر د.محمد عبد الكريم، أن الحراك المصري في وجه المكايدة الإثيوبية، وفي القرن الإفريقي عموما، يأتي بعد فترة من تراجع حيوية حيوية القرار السياسي المصري، وارتباطه في المقام الأول برؤية الإمارات والسعودية في ترتيبات الأمن في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وكذا رهن خطوات القاهرة كلها تقريبًا في هذا الصدد بالتطمينات الخليجية.
القاهرة/ أنقرة.. مصالح مشتركة و”حساسيات متوارثة”
في الأسبوع الأول من سبتمبر قام الرئيس السيسي بزيارة، وصفت بالتاريخية إلى عاصمة تركيا، ردا على زيارة الرئيس التركي للقاهرة في فبراير الماضي.
تكمن أهمية الزياة في توقيتها المتزامن، وإعادة رسم خرائط القوي والنفوذ في المنطقة، والتي فيما يبدو سيكون للبلدين حصص منها، ورغم التهاب المشهد في غزة، إلا أن ملفي ليبيا والصومال، ربما كانا الأهم في محادثات الرئيسين.
ليبيا الممزقة بين حكومتين إحداهما مدعومة من مصر، ومن مجلس النواب الليبي برئاسة عقيلة صالح، ويرأسها أسامة حماد، بينما يترأس عبد الحميد الدبيبة حكومة الوحدة الوطنية، والمدعومة من تركيا وأطراف أخرى.
التقارب المصري التركي قد ينهي الانقسام الليبي، ويدفع نحو انتخابات عامة وحكومة موحدة، لكن لا مؤشرات واضحة حتى اللحظة عن خطوط النفوذ أو تشابكات المصالح بين البلدين.
“تقارب الضرورة” كما يصفه الباحث هاني الأعصر، في ورقة بعنوان “التطبيع الحَذِر: حدود تطور العلاقات المصرية- التركية وآفاقها المستقبلية”، أسفر عن عدة نجاحات في ملفات مختلفة، بينها التوافق على إعادة افتتاح مكتب للوكالة التركية للتعاون والتنسيق (تيكا)؛ بهدف ضمان تدفق المساعدات لقطاع غزة، وكذا الوصول لتصور مشترك حول أزمة حرب غزة.
فيما يخص الملف الأكثر حساسية، وهو ملف المعارضة الإسلامية في الخارج، وجماعة الإخوان المسلمين، والذي شكل حجر العثرة الأساسي بين البلدين، لما يزيد عن عشر سنوات، نجح الجانب التركي في توظيفه لإبداء حُسن نواياه حيال القاهرة، عندما أعلن ــــ بعد أيام من زيارة الرئيس أردوغان إلى القاهرة في فبراير الماضي ــــ عن إسقاط الجنسية عن 50 شخصاً، ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، من بينهم القائم بأعمال المرشد محمود حسين وزوجته؛ بعدما اكتشفت السلطات “تلاعبهم بالشروط التي حصلوا وفقها على الجنسية التركية عبر تملُّك العقارات بقيمة محددة بالدولار”.
فيما اعتبر متفاءلون ــ بينهم الكاتب عماد الدين حسين ــ أن حراك العلاقة بين البلدين قد يقود لنتائج إيجابية بامتداد شرق المتوسط، ما يعني حل الخلافات المستمرة بين تركيا وكل من اليونان وقبرص، ويتيح استفادة جميع الأطراف من ثروات الطاقة الموجودة فى مياه المتوسط.
وكذا ستنعكس إيجابًا على الأزمة السودانية، والأوضاع فى القرن الإفريقى، خصوصًا الصومال.
أكثر من محلل استفاض في مسار العلاقات الاقتصادية، وإمكانات تعظيمها لصالح البلدين، وكذا مجالات التعاون الأخرى، معتبرين أنه من شأن تحسن العلاقات بين القاهرة وأنقرة، أن يسهم فى تعميق وتنويع أطر تعاونهما الثنائي، لتطال مجالات الأمن والدفاع.
جدل “الإجراءات الجنائية” يتصاعد.. محامون وحقوقيون وقضاة في عين العاصفة
كان من المفترض بعد أن استغرق إعداد مسودة قانون الإجراءات الجنائية الجديد عاماً ونصف العام، أن يحظى مشروع القانون بتوافق معتبر حول مواده وبنوده، لكن ما حدث هو “انفجار الموقف ” فور الإعلان عن انتقال مشروع القانون من اللجنة الفرعية التي أعدته الي لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب لمناقشته.
القانون يُفترض، أنه سيحل محل القانون الحالي الذي يعود تاريخه إلي العام 1950، أي إلى ما قبل جلاء القوات الإنجليزية عن البلاد بالكامل.
ورغم مشاركة ممثل لنقابة المحامين في جلسات مناقشة وإعداد المسودة بحسب تأكيدات أعضاء لجنة المسودة، إلا أن النقابة كانت صاحبة الخطوة الأولى في الاعتراض والتجييش ضد القانون الذي رأت، أنه يخل بحق الدفاع، وينتقص من قدرة المحامي على الالتزام بالدفاع عن موكله.
أبرز ما شهده سبتمبر من جدالات مشروع القانون الجديد، كان دخول نادي القضاة على الخط، حيث أصدر بيانا، يعترض فيه على تعديل نصوص بعض المواد التي تنظم حسن سير العمل بالجلسات، وحفظ النظام بها.
وقال البيان، إن مجلس القضاء الأعلى، والنيابة العامة، ووزارة العدل، شاركوا النادي الاعتراض على هذه المواد، لأنها “تخل بنظام الجلسات بالمحاكم، وتغل يد القاضي عن فرض النظام داخل الجلسة في حالة الإخلال بنظامها”.
بعدها بأقل من أسبوع، أصدر بيانا آخر، قال فيه إن بعض مواد القانون تشوبها عدم الدستوريةـ وأكد رفضه لمقترحات المواد “مسجلا موقفه في سجلات التاريخ وذاكرة الوطن”.
وتوالت التعقيبات وردود الأفعال من مختصين ومهتمين بالشأن القانوني والحقوقي، وفي حين اعتبر النائب عصام هلال عفيفي، وكيل اللجنة التشريعية بمجلس الشيوخ، أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وما يتضمنه من تعديلات وأطروحات جديدة، يعكس رغبة القيادة السياسية والدولة المصرية فى إقرار المفهوم الشامل لحقوق الإنسان، وتحقيق العدالة الناجزة فى المجتمع، رأت فيه المحامية بالنقض نهاد أبو القمصان طريقا ممهدا لحبس الجميع.
المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، طرح عبر ورشة على مستوى الخبراء تحفظات عديدة على القانون الجديد، وطالب قانونيون، من بينهم عصام الإسلامبولي وناصر أمين وباسم طارق، بسحب مشروع القانون ــ كان هذا قبل موافقة اللجنة التشريعية عليه بشكل نهائي، وإحالته للجنة العامة بمجلس النواب للموافقة عليه ــ وإعادة طرحه للحوار المجتمعي، فيما غرد صوت وحيد لصالح مراعاة السياق، ومحاولة التعديل بدلاً من الرفض.
الجدل حول القانون، انتقل لمستويات متعددة وصولا إلى منظمات حقوقية دولية، اعتبرته “تقويض لحماية حقوق المحاكمة العادلة، وتمكين لموظفي الأمن المنتهكين للحقوق والقوانين”.