انتهت الأسبوع الماضي فعاليات القمة الـ 16 لمجموعة البريكس، التي مثلت حدثا، لا يستهان به في مسار العلاقات السياسية والنظام الاقتصادي العالمي، بحسب توقعات مراقبين يمكن أن تمتد تداعياته لسنوات طويلة مقبلة.
في أحد أكثر السيناريوهات تطرفاً، يرى المحلل الأمريكي المتقاعد مايكل مالوف، تفككا محتملا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي “الناتو”، بسبب أزمة الطاقة الناتجة عن الصراع الأوكراني، والتي تسببت في تدهور الصناعات الأوروبية، وأثرت على سياسات أوروبا تجاه الولايات المتحدة.
بعيداً عن التكهنات، تبدو الواقعة الأكثر أهمية التي شهدها حدث البريكس 16 البارز، هو خطوة إطلاق النظام المالي العالمي الجديد متعدد الأقطاب BRICS PAY، بديلا لنظام السويفت المعمول به حالياً.
النظام الجديد الساعي للتخلص من هيمنة الدولار، يستند على تقنية “بلوك تشين” blockchai، أي على أساس أصول رقمية، وسيكون من الممكن تجاوز العقوبات والعراقيل الغربية بفضل هذه الآلية اللامركزية، التي ستتضمن عملات متعددة، وتساهم الآلية في تعزيز النفوذ الاقتصادي لمجموعة “بريكس”، وتسريع ظهور عملة فوق وطنية.
وليس بعيدا عن هذه الخطوة الكبيرة، هو ما ساد المؤتمر من آمال وروح تفاؤل عن إمكانية الإعلان في مستقبل ليس بعيد عن العملة الجديدة، صحيح أن هذا التفاؤل اصطبغ بصبغة رمزية تمثلت في عرض الرئيس الروسي بوتين لعملة رمزية تعبيرا عن آمال معقودة بالتحقق على المدى المتوسط على الأقل.
وتضمنت العملة الرمزية مجموعة من الرسومات على الورقة النقدية مثلت الحيوانات المرتبطة بالدول الأعضاء في مجموعة البريكس.
من جهتها، علقت دورية “دير شبيجل” الألمانية: “سيضطر الغرب إلى تقديم تنازلات لدول الجنوب العالمي والتخلي عن الامتيازات”.
بينما كتبت الموندو الأسبانية معتبرة استراتيجية بوتين هي، “تفكيك النظام الليبرالي، وإنشاء نظام جديد يتماشى مع القيم الاستبدادية، وبالتالي كبديل لمجموعة السبع”. وراهن التحليل على خلافات داخل دول بريكس، تعوق تشكيل جبهة موحدة؛ “فالبرازيل والهند اتخذتا موقفاً متوازناً تجاه الولايات المتحدة، كما أن مصر تعتبر حليفاً لواشنطن”.
لكنها وصفت ما جرى بالقمة بأنه ” استعراض للقوة تجاه الغرب” من جانب بوتين.
“الشرق” من جهته، أسس المجموعة ليس لاستعراض القوة، بل على فرضية مفادها، أنّ المؤسسات الدولية خاضعة لهيمنة القوى الغربية بشكل مفرط، وتوقفت عن خدمة البلدان النامية، وفق موقع “The Council on Foreign Relations”.
وإذا نجحت بريكس في إطلاق عملتها الاحتياطية، فمن المرجح أن يؤثر ذلك بشكل كبير في الدولار الأمريكي، ما قد يؤدي إلى انخفاض الطلب، أو ما يعرف بنزع الدولرة، وهذا بدوره، من شأنه أن يخلف آثاراً على الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية، وفق “ناسداك”.
حساب بريكس بالعربية، كان أكثر تفاؤلا بالخطوة، فقفز فوق احتمالية الآثار المرجحة على الولايات المتحدة؛ ليصفها بأنها” آخر مسمار في نعش الدولار”.
ورغم أنه لازال قيد التطوير كشف الحساب نفسه “بريكس بالعربية” عن “BRICS PAY” (دفع بريكس) الذي سيكون هيكل النظام المالي العالمي الجديد.
وقال النظام: هو نظام دفع من بنك مركزي إلى بنك مركزي، مدعوم بالذهب والموارد الطبيعية، ويشمل أيضاً عملة رقمية مستقرة، مما يسمح بإجراء مجموعة معينة من المعاملات بين الدول.
وأضاف أنه تم عرض بطاقات تجريبية أنيقة لنظام BRICS PAY في المستقبل.
وكالة بلومبرج الاقتصادية قالت، إن الاقتصاد العالمي “في السنوات القادمة سوف يعتمد على دول البريكس أكثر من نظيراتها الغربية الأكثر ثراءً، وفقًا لأحدث توقعات صندوق النقد الدولي”، وهو ما يعطي زخما للعملة والنظام المالي المرتقبين.
من الاقتصاد للسياسة
قمة البريكس الـ 16، لم تتحد الهيمنة الغربية اقتصادياً فقط، بل كانت أول فعالية دولية تتجاوز السردية الإسرائيلية /الغربية حول وقائع يوم السابع من أكتوبر 2023، حيث لم تتطرق إطلاقاً لمزاعم إسرائيل والولايات المتحدة حول المختطفين الإسرائيليين، كون ما قامت به تل أبيب منذ 7 أكتوبر هو جرائم أكبر من الحدث.
وأكدت في بيانها: “دعمها لفلسطين وشعبها وحضر الرئيس الفلسطيني، ولم توجه الدعوة لإسرائيل”.
وهذه النقطة تحديدا تضاعف أهمية الحدث والمجموعة بالنسبة للشعوب العربية، التي سبق، وأهدرت عشرات الفرص لبناء جسور مع مناصري الحق الفلسطيني، والمتحررين من ربقة السردية الغربية عن معادة السامية، وعقيدة الأرض الموعودة، وبقية الخرافات الصهيونية التوراتية.
وربما سيكون على دول المنطقة إعلان موقف حاسم قريبا جدا، مع تسارع الاصطفاف العالمي، وما قد تتدحرج إليه الحرب الأوكرانية.
وإذا كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قد اختار الغياب عن القمة، رغم توجيه الدعوة إليه، والتقى في الوقت نفسه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الفترة نفسها، فإن هذا قد لا يكون مؤشراً نهائياً على الموقف السعودي.
وتتبقى مصر التي أصبحت ابتداء من يناير 2024، عضوا رسميا في المجموعة، والتي يمكن أن تكون البريكس فرصة للحد من اصطفافها بنهاية المطاف مع المواقف الأمريكية، وربما تصبح خيارات البريكس هي الحل الوحيد لمواجهة التعارض بين طلبات صندوق النقد، والسلام الاجتماعي للشعب المصري، كما عبر السيسي في كلمةمؤخراً.