منذ طبقت مصر برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي، شهد المجتمع تغيرات متواصلة على مستوى الهيكل الاجتماعي، إذ تراجعت الطبقات التقليدية؛ لتحل محلها فئة، أجادت امتطاء موجات المضاربة بالدولار والعقار والذهب؛ لتقفز فجأة لمصاف الأثرياء، بينما تجاهد الطبقات المتوسطة، وما تحتها للبقاء في المكان، دونما طموح في قطع خطوات للأمام.
باتت فئة المنتفعين من أزمات مصر الاقتصادية نهمة ومتعطشة للوجاهة المجتمعية، فأقبلت على شراء العقارات بالمدن الجديدة، خاصة الشاطئية، وإدخال أبنائها المدارس والجامعات الخاصة الدولية والمحلية.
كما غزت الأندية الرياضية التي قررت هي الأخرى رفع أسعارها؛ ليلامس بعضها المليونيّ جنيه، بعد أن كانت متنفسًا لأغلبية المواطنين.
في المقابل، كانت خيارات الطبقة المتوسطة، وما تحتها، محدودة لمواكبة الضغوط الاقتصادية، فقررت تخفيض نسب إنجابها مع ارتفاع تكاليف تربية الأطفال وتعليمهم.
وكذا ترشيد الإنفاق في كل شؤونها، فتخلصت من البروتين الحيواني “اللحمة” لصالح النشويات، وهجرت الكماليات لصالح أساسيات الحياة اليومية.
في هذا الملف قراءة لتداعيات الضغوط الاقتصادية على المواطنين المصريين، خاصة الطبقة المتوسطة التي درج وصفها في أدبيات اقتصادية عديدة على أنها رمانة الميزان في البناء الاجتماعي.
اقرأ..تراجع الزيادة السكانية.. الحكومة: “برامجنا” السبب.. خبراء: فتش عن الاقتصاد
ظلت الزيادة السكانية المبرر الأول، للحكومات المصرية المتعاقبة، تلجأ إليه لتفسير الأزمات الاقتصادية منذ عقود.
فهي، بحسب الحكومات المتعاقبة، التي تأكل ثمار التنمية قبل أن تنضج، وهي التي تزيد العبء على البنية التحتية فتؤدي لتهالكها.
وهي السبب الرئيسي في أزمة العملة مع الحاجة للاستيراد من الخارج، لسد ملايين الأفواه التي تحتاج للطعام، قبل أن تكشف البيانات الحكومية الجديدة انخفاض معدل الزيادة السكانية عام 2023 بنسبة 8% عن عام 2022، وتراجع أعداد المواليد خلال آخر 5 سنوات من 3.5 إلى 2.85 لكل سيدة.
اقرأ.. الغلاء يُكره المصريين على النشويات.. مصر الـ 17 عالميًا في سمنة الأطفال
تُضيق أسعار البروتين الحيواني والخضروات والفاكهة، حاليًا، الخناق على خيارات الطبقة المتوسطة والفقيرة، في توفير غذاء صحي لأبنائها، وتدفعهم نحو الأطعمة الغنية بالدهون والكربوهيدات، ما يشير لتداعيات صحية خطيرة.
وتحتل مصر المركز الـ 17 من بين أكثر 20 دولة على مستوى العالم، يصاب أطفالها بالسمنة المفرطة، بينما يعاني 40% من البالغين في مصر من السمنة.
اقرأ.. نزيف مستمر.. لماذا تهرب الكفاءات المصرية للخارج؟.. وكيف يتضرر الاقتصاد؟
تحولت هجرة العقول والكفاءات من مصر للخارج إلى ظاهرة، تكشف عنها الطوابير الطويلة أمام شركات التسفير بالخارج، والدراسات التي تقول، إن نسبة هجرة العقول بلغت حوالي 60% من إجمالي المهاجرين بصفة دائمة للخارج في الفترة من 1990، وحتى 2019، وهي نسبة تضر بالتنمية والنمو الاقتصادي بكل المقاييس. ويشير توزيع نسب المهاجرين، إلى أن أصحاب المؤهلات العليا يمثلون 92%، بينما بلغت المؤهلات فوق الجامعية (8% موزعة بين 3% دبلوم و4% ماجستير و1% دكتوراه).
اقرأ.. قفزة بمبيعات العقارات.. الأجانب “مشترٍ رئيسي” ومتوسطو الدخل يمتنعون
مع اشتعال أسعار العقارات، يدور تساؤل حاليا حول من يشتري العقار في مصر؟.. والإجابة تكشف بعض ملامحها نتائج أعمال الشركات العقارية الكبيرة بالسوق المصرية.
ويتصدر قوائم المشترين الأجانب والمصريون بالخارج الذي يجمعهم مسمى واحد “تصدير العقار”. بلغ حجم استثمارات الأجانب في العقارات المصرية خلال النصف الأول من العام الحالي 2024 / 2025 (يناير ـ يونيو)، نصف مليار دولا، بنمو بلغت نسبته 54% مقارنة بالفترة المماثلة من العام الماضي مع تراجع العملة المحلية التي عززت من جاذبية وتنافسية العقار في مصر.
اقرأ.. وظائف متميزة ووجاهة- حراك طبقي نحو الجامعات الخاصة.. أي تأثيرات على السلام الاجتماعي؟
تتزايد معدلات الإقبال على الجامعات الخاصة بمصر لأسباب متباينة، ما بين اعتبارها وجاهة اجتماعية بين أصحاب الثروات الذين يتفاخرون بالمبالغ الخيالية التي يدفعونها سنويا للتعليم، وما بين حاجة الأسر الماسة لضمان فرصة عمل لأبنائها في ظل تفضيل بعض المؤسسات المالية والبنكية خريجي جامعات بعينها في الوظائف الشاغرة.
اقرأ.. تصل لـ 2 مليون جنيه.. عضويات الأندية الرياضية بمصر للأثرياء فقط
ظلت الأندية متنفسًا عائليًا لطبقات المجتمع المختلفة، قبل أن تنجرف غالبيتها نحو استهداف الفئات الاقتصادية العليا “upper class” التي لديها القدرات المالية العالية، ويتحول النادي من حاضنة اجتماعية رياضية ترفيهية إلى “كارنيه”، يعطي لحامله تصنيفا اقتصاديًا واجتماعيا.
اقرأ.. البرجوازية الجديدة بمصر.. من المستفيدين من أزمات مصر الاقتصادية؟
ظل المجتمع المصري معروفًا بثلاث طبقات أساسية على مدار تاريخه، المتوسطة والفقيرة والثرية، قبل أن تتغير تلك التركيبة مع سياسات الإصلاح الاقتصادي، التي أنتجت طبقة جديدة للبرجوازيين الذين استفادوا من التقلبات العنيفة لسعر الصرف، واحتكار السلع بقصد المضاربة على أسعارها. واختفت طبقة البرجوازيين التقليديين في المجتمع التي تعتبر الرافعة الاقتصادية والصناعية، وتضم أصحاب الحرف والمهن بمختلف صنوفها؛ ليحل محلها برجوازية جديدة، تعمل في أنشطة هامشية، ومضاربات.