انطلاقا من قاعدة أساسية مفادها، أن “الإجراءات الاحتياطية المتخذة قِبل المتهم، هي في الأصل ماسة بحقوقه وحرياته الأساسية، وتمثل مخالفة صارخة ومبدئية لقاعدة قانونية راسخة في كل الدساتير المصرية المتعاقبة، وفي المواثيق الدولية ذات الصلة، وفي الفقه الجنائي الدولي والوطني (قرينة افتراض البراءة)، فضلا عن حقوق وحريات المتهم الأخرى”.

قدمت لجنة العدالة بالمشاركة مع المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ورقة تشتبك مع الجدل الدائر حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وتختص تحديداً، بما يتعلق بـ “المنع من التصرف في الأموال” في هذا المشروع.

ويرى واضعو الورقة، أنه لا بد من “الموازنة وفق معايير دقيقة بين الحقوق والحريات الشخصية للمتهم، وبين مصلحة المجتمع وصيانته، ووضع قواعد صارمة لكل إجراء احتياطي منصوص عليه في القانون؛ لضمان عدم تغليب إحدى المصلحتين على الأخرى”.

ومن خلال هذه الرؤية، وانطلاقا من تلك القاعدة، جاءت الورقة التي ناقشت “المنع من التصرف في أموال المتهم، كإجراء احتياطي، أقرته وقننته مجموعة قوانين، منها قانون مكافحة الإرهاب، وقانون المخدرات، وقانون مكافحة الإتجار بالبشر، وقانون الإجراءات الجنائية.

استعرضت الورقة أولا: إجراء المنع من التصرف في الأموال في المواثيق الدولية، ابتداء بـ “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية”، ثم الاتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية، والاتفاقية الدولية لقمع تمويل الإرهاب، وأخيرا نظام روما الأساسي.

ومن الاتفاقيات الدولية، تنتقل الورقة لرصد إجراء المنع من التصرف والإدارة في التشريعات المقارنة، ابتداء من القانون الإيطالي الذي ورد الإجراء فيه تحت عنوان “عمليات الضبط التحفظية”، وأجاز للنيابة العامة والمدعي بالحق المدني، طلب الضبط التحفظي، إذا كان هناك سبب، يؤدي للاعتقاد بعدم توفر ضمانات لدفع العقوبة المالية، أو مصاريف القضية أو مبلغ آخر، ينبغي دفعه للدولة.

بينما أباح القانون الفرنسي اتخاذ تدابير تحفظية على الأموال والعقارات، أثناء التحقيق في جرائم، حددها القانون بشأن المخدرات وغسيل الأموال، وأضيفت لها لاحقاً الجريمة المنظمة، بهدف الحيلولة، دون الاتلاف أو النقل خارج البلاد لمال، يمكن أن يكون محل مصادرة أو عنصر لدليل.

في القانون الفلسطيني، أجازت المادة 289 من القانون رقم 3 لسنة 2001 اتخاذ إجراءات المنع من التصرف في الأموال، والتحفظ عليها، في أي من الجرائم التي تقع على الأموال العامة، ومنحت هذا الحق للنائب العام، مع ملاحظة أن هذا الأمر يقتصر فقط على حالة المتهم الهارب دون غيره.

في محطتها الثالثة، توقفت الورقة عند مفهوم ماهية المنع من التصرف في الأموال وحدوده، ورصدت خلو القانون من تعريف وتحديد ماهية المنع، تاركا الأمر للفقه والقضاء.

وقدمت الورقة تعريفات متعددة، أولها في الاتفاقيات الدولية، ثم في الفقه القانوني المصري، وثالثا في القضاء المصري.

في الفقرة الرابعة من الورقة، رصد لمراحل التطور التشريعي للمنع من التصرف في الأموال وإدارتها في القانون المصري، تنتقل بعده لترصد المنع من التصرف في الأموال في مسودة التشريع الجديد للإجراءات الجنائية، لتقدم تحليلا مضمونا لأحكام المواد الخاصة، بمنع المتهم من التصرف في أمواله في المسودة، راصدة نطاق الجرائم والأشخاص الذين يجوز منعهم، وسلطة إصدار الأمر.

لتنتقل تاليا من تحليل المضمون للمخالفات الدستورية في مواد المنع من التصرف في الأموال وإدارتها في القانون الجديد.

وفي خلاصتها، تقدم الورقة خمس ملاحظات، وأربع توصيات، واقتراحا، كلها جديرة بالالتفات إليها قبل إقرار القانون بشكل نهائي.

الورقة كاملة: