اقترب موعد الانتخابات الأمريكية، وبات العالم ينتظر بعد بضعة أيام اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية، وهل سيعود دونالد ترامب، أم ستأتي كامالا هاريس؟
صحيح أن كثيرين في عالمنا العربي يعتبرون، أنه لا فرق بين مرشح ديمقراطي وآخر جمهوري، وأن “الجميع مثل بعضهم” وكلاهما أسوأ من بعض، وهي قراءة مفهومة في ظل انحياز الحزبين (بدرجات مختلفة) لإسرائيل، ولكنها لا تقرأ الواقع بشكل جيد؛ لأن هناك فروقات بين المرشحين، صحيح أنها جزئية وليست جوهرية، وخاصة فيما يتعلق بالنظر إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
مؤكد، أن دعم إسرائيل من ثوابت النظام السياسي الأمريكي، وأن الخلاف بين الحزبين هو في تفاصيل السياسات، وليس جوهرها، خاصة أن الجناح التقدمي وحلفاءه في الحزب الديمقراطي، والذي يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ويدعم حق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة، لا زال بعيدا عن الوصول للسلطة.
والحقيقة، أن هناك قضيتين يطرحها كل مرشح في الانتخابات الرئاسية، وينعكسان بشكل مباشر على العالم العربي، وعلى القضية الفلسطينية: الأولى تتعلق بالموقف من المهاجرين، ومن أبناء الحضارات “غير البيضاء” وغير الغربية، والثاني الموقف من القضية الفلسطينية ومن وقف الحرب على غزة.
فيما يتعلق بالقضية الأولى، فإن كامالا هاريس بحكم لون بشرتها وأصولها العرقية “غير الأمريكية” فهي أكثر انفتاحا على الثقافات والديانات الأخرى، وتدعو للمساواة العدالة بين كل الأمريكيين بصرف النظر عن لون بشرتهم، وأن تاريخها كمدعية عامة يؤكد تمسكها بدولة القانون ومبادئ العدالة والمساواة.
أما ترامب فقد كرر في كل خطاباته تصريحات عنصرية صريحة أو مبطنة، ويكفي أن خطابه الذي ألقاه في ولاية بنسلفانيا الأمريكية بعد محاولة اغتياله، وصف فيها المهاجرين الأجانب بالأشرار والمحتلين، وأنهم يأخذون مكان الأمريكيين في العمل، واستغل وجوده وسط حشد عمالي كبير؛ ليركز على أن مشكلة البطالة؛ بسبب المهاجرين، وهنا يلاحظ كيف تحولت ميول جانب كبير من الطبقات الشعبية والعمالية في أمريكا وأوروبا من اليسار إلى أقصى اليمين، وخرجت دراسات كثيرة حول هذه الظاهرة، وهو كلام كرره مرات عديدة بعدها.
وقد “عاد وزاد” مرات عديدة في مطالبته “تنفيذ أكبر عملية ترحيل في تاريخ أمريكا”، وأن العديد من المهاجرين هم “سجناء سابقون” في بلدانهم الأصلية، وهم المسئولون عن ارتفاع معدلات الجريمة وترويع الأمريكيين، وهو ما نفته كتابات أمريكية علمية متخصصة، بل أشارت البيانات الإحصائية تراجع جرائم العنف في الولايات المتحدة، وهذه أحد أزمات خطاب ترامب المتناقضة مع العلم ولغة الأرقام.
ستبقى مشكلة خطاب ترامب، أنه لا ينطلق من الحق السيادي لأي دولة بوقف الهجرة أو تقليصها أو طرد المهاجرين غير النظاميين، إنما في موقفه الحقيقي ضد “الرجل غير الأبيض”، سواء كان مهاجرا أو أمريكيا من أصول إفريقية، أو لاتينية أو عربية أو هندية، وهنا علينا في العالم العربي، أن نعتبر أننا سنكون في مرمى خطاب التمييز الحضاري والثقافي الذي يتبناه ترامب. على عكس هاريس التي تتبنى الانفتاح الثقافي واحترام الحضارات الأخرى وعدم التمييز بين المواطنين الأمريكيين؛ بسبب أصولهم العرقية، وهي كلها أمور يجب أن تكون محل تقدير من الشعوب التي تنتمي إلى حضارات غير غربية قبل الدخول في نقاش، أو خلاف حول مواقفها السياسية من العديد من الملفات.
أما بالنسبة للقضية الفلسطينية؛ فمعروف أن ترامب هو الذي نقل السفارة الأمريكية للقدس، وانحيازه لإسرائيل فج، ويصل لدرجة القبح، وهو ما اتضح حين قال أكثر من مرة، إنه مطلوب ترك إسرائيل؛ لكي تتم عملها في غزة، وأن ترسل لها أمريكا ما تريد من السلاح، أي أنه يعتبر أن قتل الأطفال والنساء، ليس أمرا مهما، ولا يثير أي اعتراضات من جانبه، ولم يتحدث عن هدنة أوقف إطلاق نار مؤقت، ورفض قرارات محكمة العدل الدولية بمطالبة إسرائيل بحماية المدنيين، واعتبار أن هناك شبهة لقيامها بجرائم إبادة جماعية.
هاريس طالبت مرات عديدة بحماية المدنيين الفلسطينيين وبإنهاء الحرب، وموقفها أفضل قليلا من موقف بايدن من الحرب في غزة، ولكنه لا يمكن وصفه بالموقف العادل الذي يعمل على وقف الحرب، لأن ذلك يتطلب في السياق الحالي، أن تتخذ هاريس لو أصبحت رئيسة قرار وقف شحنات السلاح لإسرائيل.
الحقيقة أن نموذج دونالد ترامب، لم يكن هو اليميني المحافظ الذي سبق وحكم كثير من زعمائه الولايات المتحدة، إنما هو نمط فج في الحكم والإدارة فيه كثير من الكذب والتدليس وتخريب المؤسسات وكراهية العلم، والعداء للصحافة، ويبدو الأمر متناقضا تماما، حين نجد بعض من يقولون، إنهم من مؤيدي الدولة في مصر يدافعون عن ترامب، دون أي تحفظ، ويتناسون أن جزءا من أحد أسباب خسارته الانتخابات الماضية أمام بايدن، هو عشوائية الإدارة وكراهيته وإهانته لمؤسسات الدولة بتهميشها والإساءة لكثير من قادتها الأكفاء.
نظريا، يفترض أن الشعوب الحية لم تعد على استعداد، أن تقبل حكم رئيس، يؤيد توجهاته السياسية (اشتراكيا أو ليبراليا أو يمينيا محافظا)، وتتجاهل عشوائيته في الإدارة وسجله الجنائي، وإدانته في قضايا احتيال وعنصريته البغيضة؛ لأن تجاهل هذه الجوانب سيؤدي إلى تقويض الأسس التي قام عليها النظام السياسي الأمريكي، وصنعت تقدمه وأيضا أي نظام في العالم يرغب في التقدم.
تجربة ترامب السابقة في الحكم وتجربته المحتملة في حكم جديد، تقول إنه سيكون أسوأ من “كامالا هاريس”، صحيح أن الفروقات بين الاثنين في القضية الفلسطينية قد تعد بين السيئ والأسوأ، إلا أن هذا الفارق في الدرجة وفي الرسالة الحضارية يجعل بالقطع ترامب أسوأ من هاريس.