أعلنت هيئة الإسعاف المصرية منذ أسبوعين عن زيادة أسعار خدماتها غير الطارئة، ووفقًا للزيادة الجديدة، تتراوح تكلفة نقل الحالات غير الطارئة عبر سيارات هيئة الإسعاف داخل المحافظة من 450 جنيهًا إلى 3775 جنيهًا، بينما تتراوح تكلفة نقل الحالات غير الطارئة بين المحافظات من 550 جنيهًا إلى 9100 جنيه، بحسب المسافة.
وقد أرجع مصدر مسئول بهيئة الإسعاف سبب زيادة أسعار الخدمات غير الطارئة إلى ارتفاع أسعار المحروقات وصيانة السيارات وتكلفة الأطقم الطبية العاملة عليها، مما اضطر الهيئة إلى تحريك الأسعار لمواكبة الزيادة في التكلفة؛ للحفاظ على تقديم خدمة جيدة للمواطنين من خلال ضمان تطوير أسطول سياراتها، وقالت عضوة الهيئة البرلمانية للحزب المصري الديمقراطي سميرة الجزار، بحسب تقرير لموقع سي إن إن بتاريخ 16 أكتوبر الماضي، إنها تقدمت بطلب إحاطة للبرلمان لتوجيهه للحكومة بعد زيادة أسعار خدمات الإسعاف؛ مما يرفع من عبء التكلفة على المرضى، والتي تصل في بعض الحالات إلى 5 آلاف جنيه (102.91 دولارا)، خاصة وأنه من المفترض أنها إحدى الخدمات الصحية الأساسية المقدمة للمواطنين مجانًا، مشيرة إلى أن زيادة أسعار خدمات الإسعاف يخالف المادة 18 من الدستور التي تكفل حقوق المواطنين في الرعاية الصحية.
وإذ يؤكد دستور منظمة الصحة العالمية، على أن التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، ويشمل الحق في الصحة الحصول على الرعاية الصحية المقبولة والميسورة التكلفة ذات الجودة المناسبة في التوقيت المناسب. ويعني الحق في الصحة، أن الحكومات يجب أن تهيئ الظروف التي يمكن فيها لكل فرد أن يكون موفور الصحة بقدر الإمكان. وتتراوح هذه الظروف بين ضمان توفير الخدمات الصحية وظروف العمل الصحية والمأمونة والإسكان الملائم والأطعمة المغذية. ولا يعني الحق في الصحة الحق، في أن يكون الإنسان موفور الصحة.
كما يقضي التعليق العام للجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بأنّ الحق في الصحة لا ينطوي على توفير خدمات الرعاية الصحية في الوقت المناسب فحسب، بل ينطوي أيضاً على محددات الصحة الدفينة، مثل توفير المياه النقية والصالحة للشرب ووسائل الإصحاح الملائمة وإمدادات كافية من الأغذية والأطعمة المغذية المأمونة والمساكن الآمنة وظروف مهنية وبيئية صحية، وتوفير وسائل التثقيف الصحي والمعلومات الصحية المناسبة، بما في ذلك في مجال الصحة الجنسية والإنجابية. كما أشار التعليق العام رقم 14، أن الحق في الصحة هو حق جامع، لا يشمل توفير الرعاية الصحية فحسب، وإنما يشمل توفير العوامل المحددة الأساسية للصحة، مثل المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي والغذاء المأمون والسكن والظروف المهنية الجيدة.
كما جاء النص في المادة 18 من الدستور المصري على أن: لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل.
وأكدت على ضمان الخدمات الصحية بكافة تفاصيلها وأنواعها المحكمة الإدارية العليا في حكمها رقم 13960 لسنة 60 قضائية، على: أن صون حقوق المواطنين وحرياتهم يندرج ضمن الغايات الأساسية للمبادئ الدستورية والقانونية، والتي يتقدمها على الإطلاق حق الحياة، وينعطف عنه في الأساس الحق الطبيعي والإلزامي في الصحة ورعايتها، وهو ما يغدو الوسيلة الوحيدة لتقرير الحق في الحياة الذي نصت عليه الدساتير والقوانين، وأنزلته الشرائع السماوية الثلاث، وأوجدته الديانات المختلفة والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان كافة، وقد ساير المشرع الدستوري المصري ذلك دساتيره المتعاقبة، وحيث إن مبدأ الالتزام الدستوري والقانوني للدولة ومؤسساتها بالرعاية الصحية والعلاجية للمواطنين يلزم أن يتوافق مع مبدأين آخرين، يضاهيانه أهمية وهما “مبدأ جودة العلاج”، والذي يعني مجابهة الأمراض بأفضل الوسائل العلاجية من خلال الفحوصات والتشخيص والدواء أو العمليات الجراحية وخلافها، ومبدأ “وقتية العلاج”، لأن كفالة الدولة علاج مواطنيها يجب أن يرتبط بآنية العلاج وسرعته؛ لكونه ينحدر إلى هاوية الإهمال حين يجتمع مع البطء الروتيني والبيروقراطي في الإجراءات الإدارية؛ لإنفاذ العلاج على أرض الواقع، وتشكل هذه المبادئ الثلاثة إطار المنظومة العلاجية المتكاملة المتفرعة عن الحق في الصحة الذي تغياه المشرع الدستوري، فلا يتمخض عن انزواء أي منها سوى استمرار الحالة المرضية وتطورها التصاعدي أو استحضار الموت قهرا.
فهل مع تزايد أسعار خدمة الإسعاف، يتناسب مع كل هذه المبادئ الدستورية والقانونية والقضائية؟ وكذا المبادئ الحقوقية الدولية، مع التزايد المضطر في خدمات سيارات الإسعاف، حيث سبق من خمس سنوات، أن قامت هيئة الإسعاف بزيادة كافة الأسعار المقررة لخدماتها، ذلك على الرغم من نص قرار رئيس الجمهورية رقم 139 لسنة 2009، بإنشاء هيئة الإسعاف نفسها، وقد جاء بنص المادة الثانية من هذا القرار بقانون أنه: تهدف الهيئة إلى تحقيق الأهداف الآتية:- إتاحة خدمة الإسعاف الطبي بالمجان لجميع المواطنين والمقيمين بجمهورية مصر العربية في حالات الحوادث والكوارث والطوارئ، وغيرها من الحالات التي يصدر بشأنها قرار من مجلس إدارة الهيئة، أياً كان النظام العلاجي أو التأميني الذي يخضعون له.
فهل من الناحية الواقعية، يتناسب هذا القرار مع ما يعانيه الشعب المصري من زيادة حدة الفقر التي اكتسحت الطبقة الوسطى؟ وزادت معدلات الفقر إلى مستوى، لم يسبق في الحياة المصرية، حيث لم يبق أي نوع من أنواع الخدمات، لم تتزايد مقرراته المالة، بل بات كل شيء مدفوع الأجر على نحو لم يسبق له مثيل، كما أن انخفاض قيمة الجنيه المصري بات مؤثرا بشكل موحش على قيمة السلع والخدمات، حتى أصبح المواطن المصري محاصراً ما بين الفقر والاحتياج.
كما أن ذلك يودي بالنصوص الدستورية المؤكدة لحقوق المواطنين في الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية مفرغة من مضمونها، ولا تمس الحياة الواقعية بأي طريقة أو من أي زاوية لتحقق مضمون القاعدة الدستورية وتؤكد سيادتها، أو تؤكد على خضوع الدولة لأحكام الدستور، بحسب ما يقتضيه مبدأ خضوع الدولة للقانون وسيادة القانون.