لا يمكن قراءة ملامح المشهد السياسي والاقتصادي والمجتمعي في مصر خلال شهر أكتوبرــ الطويل جداــ بمعزل عن سياقات الحديد والنار في الإقليم، الذي بات مسرحا لصراع أكبر من أحجام أطرافه.
الشهر الذي بدأ باجتياح إسرائيلي بري للبنان، أو للدقة محاولات عديدة فاشلة؛ للتوغل البري عقب اعتقاد بضعف أصاب حزب الله اللبناني، بسبب اغتيال عدد من قادته السياسيين والميدانيين، ليتفاجأ الجيش المتوغل بالسقوط في وحل، فاق أسوأ كوابيسه، وبات عدد قتلاه فقرة ثابتة في نشرات الأخبار.
تصاعد حدة الصراع انعكس سلباً على المشهدين الاقتصادي والحقوقي في مصر، فتراجعت إيرادات قناة السويس، وفتحت السجون وأماكن الاحتجاز أبوابها لعدد معتبر من داعمي فلسطين، سواء عبر التظاهر أو رفع “بانر”، أو من خلال السوشيال ميديا.
في الداخل، كان الاقتصاد سيد الموقف، وتناول الكتاب والمحللون موجات التضخم، والغلاء، ومعاناة المواطن المتزايدة، ما بين إشفاق وتفسير وتخوفات وتحفظات، مع وقفة عند كلمة رئيس الوزراء عن اقتصاد الحرب، ومحاولة فهم ما وراء الكلمة وتداعياتها المحتملة.
وكذا احتلت الانتخابات الأمريكية، وتحديدا المفاضلة بين ترامب وهاريس ــ بالنسبة لنا كعرب ــ مساحات معتبرة من كتابات وتحليلات الصحف والمنصات المصرية.
أولا: إيران /إسرائيل.. عن ضربات الردع والتنسيق والمسرحية
في منتصف ليل أول أيام أكتوبر، أطلقت الجمهورية الإسلامية في إيران هجومها “الوعد الصادق 2” مستهدفة العمق الإسرائيلي، لترسخ كابوسية أكتوبر لدى الجبهة الداخلية لدولة الاحتلال، مستخدمة للمرة الأولى صواريخ فرط صوتية “هايبر سونيك”، لا تحتاج لأكثر من تسع دقائق؛ لتصل لأهدافها في العمق الإسرائيلي.
إيران من جهتها، قالت إن صواريخها أصابت 90% من أهدافها، بينما زعمت إسرائيل كعادتها، أن الأضرار طفيفة متوعدة برد قاس.
الرؤية المصرية والعربية للعملية، تراوحت بين الإعجاب الشديد الذي وصف العملية بزلزال الوعد الصادق 2، معتبرا أن دلالات العملية تتخطى عدد الصواريخ المستخدمة لتؤشر على تصدع الردع الإسرائيلي، وزوال عصر هيمنتها على الإقليم.
بالطبع كان هناك من بادر باعتبار الهجوم مجرد فصل آخر من مسرحية سبقته فصول، وتنوعت تعليقات هذا الفريق بين السخرية وادعاء الحكمة والإلمام ببواطن الأمور.
مصر الرسمية، اكتفت بالتحذير من تصاعد الصراع، وحرب إقليمية متدحرجة، قد تطال كافة جغرافيا الشرق الأوسط.
الكاتب عبد الله السناوي، رصد الحرص الأمريكي على منع الانزلاق لحرب شاملة، لا يريدهاــ في رأيه ــ إلا رئيس حكومة دولة الاحتلال نتنياهو.
بينما ثمن الكاتب عماد الدين حسين، فكرة الرد، واعتبر أن عدم رد إيران ــ وحزب الله ــ على ما ارتكبته إسرائيل؛ سيمنحها استعادة للردع والهيبة لا تستحقها.
السخرية من الضربة الإيرانية كانت جزءا من مشهد التعليق والتحليل، إلحاقا بعملية الوعد الصادق الأولى، في إبريل، وبينما طفحت السخرية سوادا ولا عقلانية لدى كتاب ومؤثري ” تيار السيادة اللبناني” من نديم قطيش، إلى إليسا، بدا الأمر مختلفا في القاهرة.
صحيح لم يخل الأمر من سخرية خفيفة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما حرصت الكتابات الرزينة على كشف زوايا المشهد، على الأقل من وجهة نظر كاتبيها.
سليمان جودة، رغم عدم تبنيه لمفردة “المسرحية”، إلا أنه تحدث عن الضربات المتبادلة، باعتبارها تجري تحت الرعاية الأمريكية المتبادلة قائلا: “يخطئ العرب لو تصوروا أن إسرائيل، يمكن أن تستهدف إيران بشكل جاد، أو أن إيران يمكن أن تستهدف إسرائيل، بما ينال من قدراتها بطريقة حقيقية.. فكلتاهما تلعب في الإقليم.. وكلتاهما تتحرك على أساس اقتسام الإقليم واستنزاف طاقاته، لا استنزاف الطاقة الإسرائيلية أو الإيرانية.. وكلتاهما تعمل على هذا الأساس وبرعاية أمريكية معتمدة وكاملة”.
الرؤية السابقة جزء من نظرية المؤامرة الإيرانية الإسرائيلية على العرب التي لا يجيب أصحابها أبدا على سؤال “وعلام يتآمر الطرفان؟” كون هدف المؤامرة هنا “العرب” اختاروا ــ أغلبهم على الأقل ـ التطبيع والخيار الإسرائيلي في ثوبه الجديد “الإبراهيمي”، وانحازوا راضين للمعسكر الأمريكي، بما لا يفسر لماذا يتآمر عليهم من اختاروا الانصياع له طواعية.
فكرة كون الضربات المتبادلة مسرحية متفق عليها، يبدو أنها جلبت الطمأنينة مقابل عدم الفعل بالنسبة لكثيرين، بما فيهم كبير الباحثين، وأستاذ السياسة دكتور عمرو حمزاوي، الذي يترفع عن استخدام مفردة المسرحية؛ ليصفها بلعبة التصعيد المحسوب، معتبرا أن ثمة ضرورة ملحة لتعاون كامل بين القاهرة وعمان في مواجهة خطر التهجير القسري، الذي تتبناه حكومة نتنياهو اليمنية، ومغامرة إيران بالسلاح حسب تعبيره.
وقبلها يحذر من خطورة تنصل إسرائيل من حل الدولتين الذي يراه أساسا لحل الأزمة في المنطقةــ كما رجالات الحزب الديموقراطي الأمريكيــ دون أن يجيب عن مدى صلاحية حل مقترح، ومتفق عليه في اتفاقية برعاية دولية منذ 17 عاما، دونما تقدم يذكر، وكيف يمكن أن يراه عاقل لا زال صالحاً للتداول، ناهيك عن عجز أو عدم رغبة الغرب، والمنظمات الأممية في فرض “الحل السحري” على كيان الاحتلال، الذي أعلن برلمانه رفضه القاطع للحل المزعوم.
ربما تكون قوة الردع التي امتلكتها إيران رغم سنوات الحصار، والمقاطعة هي العامل الوحيد الذي يحول دون التدحرج لحرب إقليمية، لكن المؤكد أن صعود نتنياهو على الشجرة والذي طال لأكثر من عام، لم يعد مجدياً معه الأكاذيب القديمة عن السلام العادل والشامل وحل الدولتين، وبالتالي فمن المرجح، أن يطول الاشتباك على جبهات متعددة، وصولا لشرق أوسط جديد فعلاً، إما أن تتمدد فيه إسرائيل، كما قالها نتنياهو صراحة، أو تزول كما أعلنها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية السيد على خامنئي، مرارا.
تضخم.. غلاء.. مبادلة أصول.. الطريق لاقتصاد الحرب
في المشهد الداخلي، لا صوت يعلو على صوت الاقتصاد، ولم يكن أكتوبر استثناء من انشغال المصريين بالهم الاقتصادي، الذي طال شرائح وفئات، ظلت بعيدة لسنوات عن خطوط الاحتياج والفاقة.
بدأ أكتوبر بإطلاق الحكومة حوارا مجتمعيا حول الدعم النقدي بديلاً للعيني المعمول به منذ سنوات، ربما مع نشوء فكرة الدعم ذاتها.
الخبير الاقتصادي مدحت نافع، استبق الحوار المجتمعي المرتقب مقترحا خطوة انتقالية من الدعم العيني إلى النقدي، كما يحدث في التعامل مع نقاط الغذاء، ونقاط الخبز على بطاقات السلع التموينية. هذه النقاط يمكن أن تكون قابلة للتحويل إلى نقود في حدود معينة. بمعنى أن النقاط السلعية يمكن لحاملها شراء سلع معينة من منافذ محددة، ويمكن استبدال جانب من تلك النقاط بنقود عبر ماكينات الصرّاف الآلي.
فضلا عن طرحه حزمة من التساؤلات التي يفترض الإجابة عليها قبل انطلاق الحوارــ من وجهة نظره طبعاً.
ومن مربع السياسة، جاء طرحت الكاتبة منال لاشين، معتبرة الفكرة التي سبق وطرحها وزراء ونواب الحزب الوطني قبل 2011 نوعا من تخلي الدولة عن مسؤوليتها.
وقبل حتى إعلان ترتيبات الحوار المجتمعي المرتقب، تحدد موعد المراجعة الجديدة للاقتصاد المصري من قبل صندوق النقد، الأمر الذي راهن المصريون معه على موجة غلاء وتضخم جديدة.
لم يجر الحوار المجتمعي حول الدعم حتى اللحظة، ولا بشائر في الأفق بقرب بدئه، لكن ما حدث بالفعل، كان إعلان رئيس الحكومة، أننا قد “ندخل لاقتصاد حرب”، الكلمة التي سرعان، ما تدحرجت لتصبح أزمة.
البداية كانت التساؤل عن الغاية والدلالة من إطلاق المصطلح في هذا التوقيت، ثم تطمينات عن كونه خاص بالحرص على وجود مخزون من السلع الاستراتيجية، وليس المقصود به رفع الأسعار أو ندرة السلع.
ويبدو أن حدس “الأغلبية الصامتة” كان أكثر حساسية من فقه خبراء الاقتصاد، حيث أعقبت مقولة مدبولي التي تراجع عنها جزئياً، لتعلن لجنة تسعير المواد البترولية رفع أسعار البنزين والمازوت، في إشارة لموجة غلاء وتضخم جديدة، تحاول الحكومة جاهدة السيطرة عليها من خلال إيصال الدعم ــ الذي لا زال حتى اللحظة عينياــ لمستحقيه حسب كلام رئيسها الدكتور مصطفى مدبولي.
أما المحطة الأهم في المشهد الاقتصادي؛ فكانت كلمات السيسي الغاضبة حول إمكانية مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد حال أدت توصياته لتحميل الناس فوق طاقتها، لتنطلق عقبها، جولات إعلامية ونقاشية مع الصندوق، امتدت للشهر التالي، وما زلنا في انتظار ما ستسفر عنه.
جدل “الإجراءات الجنائية” يتواصل.. ومفتتح “اللاجئين”
من الشهر السابق، يتمدد الجدل حول قانون الإجراءات الجنائية، وتشتبك في مشهده أطراف جديدة، من خلفيات سياسية وقانونية وحقوقية متباينة.
وعطفاً على الأوراق البحثية وورش العمل التي فندت، و”فصصت” مواد القانون الجديد؛ بحثاً عن عوار دستوري أو تشريعي، أو مقترحة تحسينات إضافية، كان هناك من توقف عند روح وفلسفة القانون؛ ليكشف أن لتعديلات الأخيرة على قانون الإجراءات الجنائية المطروحة للمناقشة باللجنة التشريعية لمجلس النواب حالياً، طالت 286 مادة في قانون الإجراءات الجنائية الحالي الذي يضم 560 مادة، بما يعني أن نسبة التعديلات تجاوزت 50% من مواد القانون الحالي، إلا أنها رغم ذلك لم تمس روح القانون، ولم تغيّر من فلسفته، ولم تعالج إشكالياته الحقيقية التي كشف عنها واقع التطبيق القضائي منذ تاريخ صدوره في 1950.
وفي انتظار إقرار القانون عبر الجلسة العامة للبرلمان، ومن ثم التصديق عليه؛ ليصبح نافذا، واصل الحقوقيين الإشارة إلى مناطق الظل والنور في مواد القانون؛ بحثا عن “عدالة جنائية ومحاكمات منصفة”.
الجديد هنا، هو فتح اشتباك قانوني حقوقي جديد حول “اللاجئين” انطلاقاً من قانون جديد، بات قيد الإطلاق على مسارات الاعتماد.
كانت الحكومة ناقشت ملف اللاجئين من خلال متاعبه الاقتصادية وأعبائه الإضافية على اقتصاد منهك، قبل أسابيع طويلة، ربما في خطوة تمهيدية للقانون الجديد، عقب إجراءات تقنين أوضاع تم تمديدها أكثر من مرة.
أستاذ السياسة المخضرم دكتور علي الدين هلال، طالب الحكومة بضبط المصطلح أولاً، قائلا إنه من غير الموفق استمرار الحكومة في الحديث عن وجود عدد 9 ملايين لاجئ ولاجئة في مصر، وعن التكلفة المالية التي تتحملها من جراء ذلك.
ووضع يده على الفارق الهائل بين الرقم الذي تزعمه الحكومة “تسعة ملايين لاجئ”، والرقم الذي تعتمده مفوضية اللاجئين الأممية، والذي يلامس حاجز الستمائة ألف لاجئ.
هلال استند على تقرير أممي بتاريخ 2022، وطالب الحكومة بالتوقف عن الحديث لحين تدقيق أرقامها وتوثيق عدد اللاجئين، دونما احتساب للمقيمين في مصر، ممن لا يحملون جنسيتها، والذين يتوزعون على تصنيفات أخرى مختلفة.
على الجانب الحقوقي، بدا الأمر أكثر من مجرد خلاف على التوصيفات، بقدر ما حمل الكثير من القلق على مسارات إقرار القانون، وهل ستتاح فرصة مناقشته مجتمعياً، أم ستحرم المنظمات الحقوقية ووحدات المجتمع المدني من المشاركة وإبداء الرأي؟
الجدل حول صفة لاجئ سينهيه القانون الجديد بعودة حق منح الصفة للدولة المضيفة، وهو الحق الذي سبق أن تنازلت مصر عنه طوعا، حسب خبير دراسات الهجرة وشؤون اللاجئين الدكتور أيمن زهري، الذي قال، إن “مصر تنازلت طواعية منذ عام 1954 عن بعض صلاحياتها، فيما يخص اللاجئون، ومنها حق منح صفة لاجئ إلى مفوضية اللاجئين، وهو حق سيعود للدولة المصرية وفق القانون الجديد، إذ إنه ليس من اختصاص مفوضية اللاجئين في أي مكان في العالم، منح صفة لاجئ، بل هو حق للدولة المضيفة”.
زهري قال أيضاً عن القانون الجديد الذي يتضمن إنشاء لجنة منوط بها إدارة الملف: ” القانون الجديد واللجنة المصرية التي سوف تتشكل تبعاً لذلك، لن يعطيا اللاجئ أي حقوق إضافية، إلا ما ضمنها القانون الدولي، كما أنها (اللجنة) لا يمكنها أن تمنع أي حقوق، فهي بمثابة توطين للاتفاقيات الدولية التي وقَّعت عليها مصر. وعلى سبيل المثال، لا يمكن لمصر أن تفرِّق بين لاجئ دخل بطريقة شرعية، وآخر دخل بطريقة غير شرعية، الاثنان لهما الحقوق نفسها”.
لا موعد حتى اللحظة يخص مناقشة القانون الجديد، ومن ثم التصديق عليه، بالتزامن مع تزايد سخونة الملف؛ بسبب الأوضاع الجيوسياسية المحيطة بمصر، والمتوقع أن ترتفع معها أعداد اللاجئين المحتملين.
كمالا وترامب والعرب.. بين اليأس والرجاء
رغم متغيرات العام الماضي عقب عملية السابع من أكتوبر، والتي أكدت تطابق وجهتي نظر “الفيل والحمار” الأمريكيين تجاه المنطقة، حيث تسابق الرئيس الأمريكي الحالي ونائبته المرشحة على المقعد عالي المستوى، الملونة القادمة من مجتمع المهاجرين كمالا هاريس، ومنافسها الممثل النموذجي لثقافة “الواسب” تسابق الجميع على إعلان الدعم والتأييد لإسرائيل التي أعلن رئيس حكومتها نيته التوسعية في المنطقة، وإدانة حق الشعوب في المقاومة والشماتة باستشهاد قادة المقاومة.
نتيجة الانتخابات الأمريكية شغلت مساحات هائلة من “الميديا العربية”، وكتابات المحللين وأصحاب الرأي.
عودة أخرى للكاتب عبد الله السناوي، الذي رصد ما اعتبره أزمة هاريس قائلا، إنها “عند الأمتار الأخيرة تعترضها أزمات، يصعب تجاوز آثارها بسهولة مثل، انحسار دعم وتأييد يسار الحزب الديمقراطي وقواه الشابة، التي شاركت بفاعلية في الاحتجاجات الطلابية الكاسحة بجامعات النخبة، ضد مجازر غزة المروعة والتواطؤ الرسمي معها. ابتعدت في الوقت نفسه عن قاعدتها المفترضة، ونحت إلى اليمين في برنامجها الاقتصادي”.
وبشكل مباشر يجيب الكاتب محمد المنشاوي على سؤال “أيهما أفضل لمصر.. ترامب أم هاريس؟” مستعينا بسجل كل من المرشحين مع مصر؛ ليصل لنتيجة مفادها، أنه “لا يكترث المرشحان والحزبان بقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا في الشرق الأوسط ولا خارجه. ويظهر ذلك في موقف إدارة بايدن تجاه حلفائها التقليديين بالشرق الأوسط، رغم لغة الخطاب الانتخابي القوية عام 2020. ولم تتعرض هاريس لأي من هذه القضايا الهامشية، والتي تُستغل فقط لخدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية الاستراتيجية والصريحة. وتجاه هذه القضايا، يتخذ ترامب موقفا أكثر صراحة ووضوحا، إذ لا يكترث بقضايا الديمقراطية وغياب الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان في أي مكان حول العالم”.
واختار الكاتب عماد الدين حسين، أن يطرح سؤال مختلفا عن “لمن سيصوت عرب أمريكا” مشيرا لتحول في رؤيته عقب زيارة أخيرة لأمريكا، حيث كان يعتقد أن العرب ينطلق موقفهم التصويتي انعكاسا لموقف المرشح من إسرائيل، لكنه اكتشف أن الأمر مختلف، حيث التقى هناك عربا، ممن يحملون الجنسية ولهم حق التصويت؛ ليفاجأ بأحدهم” سيصوت لترامب، لأنه يعارض حق الإجهاض والمثلية الجنسية إلى حد ما، مقارنة بالتأييد السافر من الحزب الديمقراطي لهاتين القضيتين”.
و”عربي آخر قال، إنه سيصوت لترامب أيضا، لأنه سيخفض الضرائب، مقارنة بالمرشحين الديمقراطيين الذين يؤيدون رفع معدل الضرائب”.
ويخلص حسين، إلى أنه “لا يوجد نمط تصويتي واحد لغالبية العرب، بل أصواتهما متفرقة، وبالتالي فتأثيرهم ما يزال قليلا مقارنة باللوبي اليهودي الراسخ، والمؤثر منذ عشرات السنين”.
بينما يبدو الكاتب أسامة سرايا، أقل تفاؤلا، وهو يكتب عن “انتظار الرئيس الأمريكي المقبل”، حيث لا يشعر بالتفاؤل حول مصير الإقليم، ولا يعتقد أن الرئيس القادم قادر على وقف عربدة “القاتل الإسرائيلي”.
ويبدو أن صيغة التساؤل والمقارنة هي المفضلة، لمن تناولوا الموضوع فها هو خالد أبو بكر، يكتب “من يفضل الشرق الأوسط.. هاريس أم ترامب؟”
ويرى أبو بكر، أن إسرائيل تفضل ترامب كونه “فهو رجل في دعم تل أبيب، لا يعترف بأنصاف الدعم أو ثلاثة أرباعه، وليس لديه سقف محدد تحت بند التوازن الدولي.. فمن غير المرجح إتيانه بأي سياسة غير التشدد المفرط تجاه إيران، ودعم المشروع الإسرائيلي في تقطيع أوصال غزة والتهام الضفة الغربية”.
بينما العرب، حسب رأيه يتعاملون “مع كلا المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة هذه المرة بسياسة الصمت الشديد، وعدم الحديث تصريحا أو تلميحا لميل كل دولة إلى مرشح بعينه، لكن إذا فتشت في جوف كل حكومة عربية، ستجد أن فيها شغفا بدونالد ترامب، وذلك لسبب مفصلي، وهو أنه لا يدس أنفه في الشئون الداخلية للدول، على خلاف الديمقراطيين الذين لا يجدون غضاضة في ذلك”.
الكاتب والخبير الاستراتيجي دكتور عبد المنعم سعيد يلخص “إشكاليات الانتخابات الأمريكية”
كونه خبيرا في الشأن الأمريكي، منطلقا في رصد الإشكالية الأولى من فكرة الأبيض في مواجهة الملون، والتي تستند على تراث طويل من القهر والاستعباد للسود والملونين.
الإشكالية الثانية، حسب سعيد هي “علاقة الولايات المتحدة مع العالم، وهل لها رسالة عالمية فيه تنبع من جوهرها القائم على الهجرات الكبرى والمستمرة، والتي كانت في البداية من الأوروبيين البيض، والآن فإن موجاتها تأتي من الجنوب. في البداية كانت الإشكالية تقوم على التمايز ما بين البيض البروتستانت والكاثوليك؛ ولكن مع القرن العشرين باتت أقليات مثل الإيطاليين والإيرلنديين، ينظر لها من عل، باعتبار الأولى من العصابات والثانية من السكارى”.
وفي مقال آخر يرصد عبد المنعم سعيد مشوار ترامب نحو البيت الأبيض، مؤكدا أن الميزان يميل لصالحه، لكن “مفاجآت الانتخابات الأمريكية كثيرة، بقدر ما كان فيها من محاولات الاغتيال والعنف”.
ويتوقف الكاتب عبد اللطيف المناوي عند نقطة تنافس أمريكيين من أصلين مختلفين، وهو أمر نادر الحدوث، ويرى أن كون كمالا امرأة لا يعطيها ميزة، رغم “أنه حسب الكثير من التقارير الصحفية المنشورة في صحف عالمية ذائعة الصيت، إن النساء تتقدم في أمريكا بسرعة كبيرة، فهن أكثر تعليما من الرجال، ويعملن في الصناعات الخدمية المتنامية، ويحصلن على دخل أعلى من دخل الرجال بشكل متزايد. هذا ربما خلق نوعًا من الإحباط لدى الرجال، وربما يسعى ترامب لاستغلاله جيدا، حيث إنه أذاع مؤخرا؛ تحذيرًا على منصته الخاصة بالتواصل الاجتماعي، قال فيه: «الرجولة تحت الهجوم”.
وانطلاقا من |أن الانتخابات تجري في أمريكا، وفي العام 2024، يرى المناوي أن الفرصة سانحة لنراجع الصورة المرسومة لأمريكا في أذهاننا.