على خلفية استقطاب حاد بين إثيوبيا ومصر، لا سيما مع انخراط الأخيرة في سياسة نشطة في القرن الإفريقي، أثارت حفيظة إثيوبيا، ودفعتها للادعاء المبطن أو المباشر، أن الحضور المصري في الإقليم، ولا سيما التقارب المصري الإريتري بكل تجلياته ، يمثل تهديدًا لأمنها القومي.

على خلفية هذا الاستقطاب تسير السياسة المصرية في حوض النيل على حبل مشدود بين دول الكتلة “المرجحة” و” الكتلة الإثيوبية”.

وفي ورقة بحثية، يرصد دكتور محمد عبد الكريم آفاق التعاون وتحدياته مع دول الحوض على تنوع مواقفها وملامح سياساتها المائية.

الورقة الصادرة عن مركز التنمية والدعم والإعلام “دام” ترصد حدود المقاربة المصرية، التي أعيد التأكيد عليها من خلال “أسبوع إفريقيا للمياه” في نسخته السابعة التي استضافتها القاهرة.

ينشغل البحث أولا بـ “التصعيدات ” المتبادلة بين الطرفين، والمتمثلة من الجانب المصري بتعزيز أواصر التعاون الثنائي في مجال المياه مع العديد من الدول الإفريقية، وخاصة دول حوض نهر النيل، وبتنفيذ المشروعات المختلفة بتمويل مصري خالص، مثل حفر الآبار وإزالة الحشائش في المجاري المائية، وإنشاء مراكز للتنبؤ بالأمطار، وتأهيل المواني، وبناء سدود لاختزان حصاد الأمطار.

في المقابل، أشارت مبادرة حوض النيل في بيان لها منتصف أكتوبر 2024؛ لتأكيد الاتحاد الإفريقي للوضع القانوني “للإطار التعاوني” رسميًا بعد انضمام جنوب السودان إلى المعاهدة، وبعد مصادقة كل من إثيوبيا وأوغندا ورواندا وبوروندي وتنزانيا على الاتفاقية.

ومن رصد المقاربات إلى رصد اللهجة العدائية في بيان دول الإطار التعاوني، وتجاهل الرئيس السيسي لآبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي في قمة البريس في كازان، وصولا لتأكيدات لاحقة بنجاح الرئيس الإماراتي الذي حضر القمة في “ترتيب مصافحة بين الزعيمين”، إلا أنها لم تخف في واقع الأمر حجم الاستقطابات واحتمالات التصعيد بين البلدين لمستويات غير مسبوقة في تاريخ علاقتهما، لا سيما بعد تجاهل إثيوبيا الدخول في مفاوضات حاسمة مع مصر عقب آخر قمة، جمعت السيسي، بآبي أحمد في القاهرة.

ترصد الورقة البحثية محاولات تعميق عزلة مصر من قبل إثيوبيا، وكتلة اتفاقية عنتيبي، ويقصد الباحث بها الدول التي اصطفت خلف إثيوبيا في التصديق على اتفاقية عنتيبي، وهي أوغندا ورواندا وبورندي وتنزانيا وجنوب السودان؛ أملًا في أن توفر الاتفاقية إطارًا قانونيًا؛ لإعادة توزيع حصص المياه بين دول حوض النيل، وكذلك في تحقيق روافع عملية في علاقات هذه الدول مع مصر والسودان على المدى البعيد.

وينتقل بعدها لرصد كل دولة على حدة؛ محاولا اكتشاف خلفيات موقفها من خلال سياساتها المائية، والعامة.

ومن الكتلة الإثيوبية، ينتقل الباحث للكتلة المرجحة التي تضم دولتي كينيا وجمهورية الكونغو الديموقراطية، واللتان تتمتعان بنسب عالية من حصص الفرد من المياه سنوياً.

ويخلص الباحث إلى خلاصات وتوصيات معتبرة، أجملها في الإقرار، أن القاهرة تواجه تحديات بالغة الخطورة أمام جهودها لتفادي، ما تفرضه اتفاقية عنتيبي بصيغتها وأدواتها الراهنة على أمنها القومي ومستقبل الشعب المصري بشكل واضح.

 ويمثل الدعم السوداني والإريتري للمواقف المصرية، وهي الدول المكونة للكتلة الثالثة المتضررة من دبلوماسية الاستقطاب الإثيوبية في حوض النيل، ركنًا أساسيًا في هذه الجهود، مضافًا لها التفهم الكونغولي والكيني.

كما تتوفر فرص لإعادة التفاهمات مع جنوب السودان، وبوروندي، لتبقى مسألة التوجه العدائي الإثيوبي، وبدرجة أقل الرواندي بحاجة إلى مقاربة مصرية صارمة، وربما صدامية وكاشفة لجدية إظهار وجود خط أحمر حقيقي في هذا الملف مع تكثيف الاستفادة من الخبرات المصرية المتاحة لتوقع وبناء سيناريوهات، وبرامج عمل، للتغلب على هذه التحديات بمنأى عن التأزم البيروقراطي، وتدخلات أطراف خارجية لإعاقة هذه العملية.  

الورقة كاملة :