من بين 10 شركات “يونيكورن” في إفريقيا، كانت شركة مصرية واحدة حاضرة بالقائمة مقابل 6 شركات نيجيرية، ما يكشف الفجوة الكبيرة بين ريادة الأعمال في مصر والقارة السمراء، وغياب الدعم المالي للأفكار الشابة الناشئة التي تتنافس عليها المؤسسات المانحة عالميًا.
“اليونيكورن”: هي شركات ناشئة يتجاوز تقييمها المليار دولار، وحال ارتفاع ذلك المبلغ إلى 10 مليارات دولار؛ يصبح اسم تلك الشركات “ديكاكورن”، أما حال وصولها لـ 100 مليار دولار، تسمى “هيكتوكورن”، وهو مستوى يصعب الوصول إليه إلا في حالات نادرة.
يعود استخدام مفهوم اليونيكورن للخبيرة المالية الأمريكية أيليين لي، في توصيفها لصعود شركات وادي السليكون بأمريكا التي قفزت قيمتها بشكل هائل، وتخطت قيمة أسهمها المليار دولار في معجزة اقتصادية، تشبه حيوان “اليونيكورن الخيالي” (حصان بقرن في وسط رأسه).
تصدرت قائمة الشركات الناشئة في إفريقيا “جوميا” النيجيرية التي أصبحت أول شركة أفريقية، تُدرج في بورصة نيويورك للأوراق المالية خلال إبريل 2019، لتتحول إلى شركة عامة نموذجية بمليار دولار، وبدأت “جوميا” بلاجوس، نيجيريا عام 2012، وتوسعها إلى 14 دولة إفريقية بحلول عام 2018.
في قائمة الشركات أحادية القرن أيضًا “إنتر سويتش” وهي، شركة نيجيرية تعمل بمجال المدفوعات المتكاملة والتجارة الرقمية، تأسست عام 2002 كشركة محلية، قبل أن تتوسع بعد استحواذ شركة “فيزا” على حصة أقلية بالشركة التي تقدر قيمتها حاليًا بأكثر من 2 ملياري دولار.
نيجيريا تهيمن على “يونيكورن” القارة
تضمن القائمة أيضًا فلوتر وويف وهي، شركة نيجيرية للتكنولوجيا المالية تقدم حلول الدفع للشركات بجميع أنحاء القارة، وتأسست عام 2016 فقط، وجمعت 725 مليون دولار من المستثمرين، وأصبحت قيمتها 3 مليارات دولار في 2023؛ لتصبح الشركة الناشئة الأكثر قيمة في إفريقيا.
كما تشمل “أو باي” وهي، شركة نيجيرية لتحويل الأموال ودفع الفواتير، وتأسست عام 2013، وأصبحت قيمتها حاليا 2.7 ملياري دولار، وكذلك “ويف” وهي، شركة سنغالية للتكنولوجيا المالية، تقدم خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول وتحويل الأموال، وارتفعت قيمتها؛ لتبلغ 1.7 مليار دولار، بقاعدة مستخدمين تضم 6 ملايين فرد، يمثلون ما يقرب من 75٪ من السكان البالغين في السنغال وحدها، قبل أن تتوسع في كوت ديفوار، وبوركينا فاسو، ومالي، أوغندا، وغامبيا.
يأتي في المركز السابع بين شركات أحادية القرن في إفريقيا “أنديلا” وهي، شركة تطوير برمجيات نيجيرية تعمل على ربط المطورين الأفارقة بشركات التكنولوجيا العالمية، واستطاعت رفع قيمتها لـ 1.5 مليار دولار بعد جولة تمويلية بقيمة 200 مليون دولار بقيادة صندوق تابع SoftBank، وهو صندوق رأس المال الاستثماري البالغ 30 مليار دولار.
في المرتبة السابعة “شيبر كاش” الناشئة بمجال المدفوعات التي ارتفعت قيمتها 2 ملياري دولار، وتركز بشكل خاص على ممر التحويلات المالية من الولايات المتحدة إلى إفريقيا، والذي يمثل ما يقرب من 30٪ من جميع التحويلات الدولية إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
“حالاً” الممثل الوحيد لمصر بين الكبار
في المركز الثامن، جاءت “حالا” المصرية وهي، منصة رقمية تربط بين المستهلكين والتجار والشركات الصغيرة، وتقدم خدمات مالية مثل، قروض الأعمال والتمويل الاستهلاكي والمدفوعات وخيارات الشراء الآن والدفع لاحقًا، وحلول التجارة الإلكترونية، وتقدر قيمتها بمليار دولار.
كانت أخر الشركات المنضمة لقائمة اليونيكورن بإفريقيا نيجرية أيضًا وهي، “مني بوينت” التي تأسست عام 2015، وهي عبارة عن نظام مالي شامل يدعم 10 ملايين شركة وفرد من خلال حلول مبسطة للمدفوعات والخدمات المصرفية والائتمان وإدارة الأعمال، وبحلول أكتوبر الماضي، أصبحت قيمة الشركة تقدر قيمتها بمليار دولار أو أكثر.
شهدت الأشهر الستة الأولى من العام الماضي إعلان، ما لا يقل عن ثلاث شركات ناشئة مصرية نقل مقراتها إلى العاصمة السعودية مع المحافظة على مكاتبها في القاهرة.
لماذا لا تنعتش الشركات المصرية الناشئة؟
تعاني الشركات الناشئة المصرية من تراجع حجم التمويلات الموجهة إليها، والتي بلغت نسبتها عام 2023 نحو 70%، رغم زيادة عدد الشركات نفسها بنسبة 32% على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا .
كما لا يوجد نظام تشريعي موحد، يتم تطبيقه على الشركات الناشئة، حيث ينطبق على الشركات المصرية أربعة قوانين مختلفة: قانون الشركات المصري رقم 159 لعام 1981، قانون الملكية الفكرية رقم 82 لعام 2002، قانون العمل المصري رقم 12 لعام 2003، وقانون الاستثمار رقم 72 لعام 2017، ما تسبب في تشتت رواد الأعمال وعدم قدرتهم على تحديد الإجراءات القانونية بشكل مبسط.
أما التحدي الأكبر لرواد الأعمال والمستثمرين في التعامل الضريبي. حيث تواجه الشركات تقديرات جزافية لمأموري الضرائب وتأخر الفحص الضريبي لعدة سنوات، ما يترتب عليه تحمل الشركات لأعباء مالية إضافية مقابل التأخير وضريبة إضافية، تفوق الضريبة الأصلية، بجانب عدم مرونة بعض المأموريات في تقسيط الضريبة والإصرار على التحصيل دفعة واحدة.
لكن ذلك لا يمنع وجود مشكلات هيكلية تعاني منها تلك الشركات في مصر منها، غياب دراسات الجدوى، التي تعتبر العنصر الأهم في المشروع، خاصة دراسة التكاليف والأرباح المتوقعة والتوسعات، بجانب الجدوى التسويقية والفنية والمالية، وأعباء التمويل، وكيفية السداد.
تشير التقديرات، إلى أن غياب الدراسات الخاصة بالسوق والمنافسة والبيئة الاجتماعية واتجاهات العملاء تقف وراء تعثر ما يزيد على 40% من الشركات الناشئة حول العالم، وهو الأمر الذي تكرر مع شركة “هدمة” التي اتجهت لتصميمات معقدة تحتاج لـ ”كتالوج” لفهمها، و”كابيتر” التي توسعت بصورة أكبر من قدراتها، وكذلك “سيركي” المتخصصة في تسويق المجوهرات.
إغراءات الخليج تجذب الشركات الناشئة
في المقابل، تقدم الدول الخليجية دعمًا كبيرًا لرواد الأعمال؛ فالسعودية على سبيل المثال أطلقت البرنامج الوطني لتطوير التكنولوجيا عام 2016، الذي تُقدّر ميزانيته 2.5 ملياري ريال في سبيل توفير آليات العمل اللازمة للمستثمرين ورواد الأعمال السعوديين والأجانب.
وتُقدم المملكة العديد من الحوافز التي شجعت رواد الأعمال على نقل شركاتهم إليها، بما في ذلك الدعم الجزئي لرواتب الموظفين؛ بناءً على حجم الشركة الناشئة، والاستشارات المجانية التي تقدمها وزارة الاستثمار السعودية، والمكاتب المعفية من الإيجار، والإعفاء الضريبي، ووجود مركز شامل لجميع المعاملات الحكومية والتراخيص؛ لتسهيل عملية التسجيل.
وتقدم الإمارات تمويلاً يصل إلى 2 مليوني درهم، أو نسبة تمويل تصل إلى 70% من قيمة الأصول للشركات الناشئة مع مدة سداد مرنة تصل إلى 72 شهرًا، واستطاعت الإمارات حاليا، أن تتربع على عرش شركات اليونيكورن عربيًا؛ فمن بين 7 شركات عربية ناشئة، تخطت المليار دولار كان للإمارات 5 منها.
تشمل الشركات الإماراتية في القائمة كلاً من: “فيستا جلوبال” الإماراتية لحلول الطيران الخاص، التي بلغت قيمتها السوقية 2.5 ملياري دولار، كما ضمت القائمة أيضاً “كيتوبي” للمطابخ السحابية (مطبخ على الإنترنت تقوم بإعداد الطلبات، وتسليمها لمندوب التوصيل، دون التعامل مع أي جمهور) بقيمة 1.55 مليار دولار، و”تابي” للمدفوعات، وشركة الخدمات التكنولوجية الإماراتية “أندلوسيا لابس”، وشركة “دوبيزل” للإعلانات المبوبة.
يشير الخبير الاقتصادي مصطفى عادل، إلى إحصائية أخرى، توضح الشركات الناشئة التي تجاوزت قيمتها السوقية “مليار دولار”، ومؤسسيها من المولودين خارج أمريكا، وكان في القائمة شركة مصرية واحدة، بينما كان نصيب الهند 90 شركة، والكيان الإسرائيلي 52، وكندا 42، وأوكرانيا 12.
تشير القائمة، إلى أن لبنان تصدرت الدول العربية في تلك القائمة بأربع شركات، بينما كان نصيب مصر والعراق والسعودية والمغرب شركة لكل منهما؛ ليصبح إجمالي الدول العربية 8 شركات فقط بالقائمة.
يضيف عادل، أن “الشركات الناشئة ” هي عبارة عن مشروع ناشئ، تقوم فكرته على ابتكار شيء جديد كليًا أو تطوير وتوسيع أفكار متواجدة بالفعل، معتبرا تراجع ترتيب مصر والدول العربية في تلك القائمة، يشير إلى عدم الاهتمام العربي بدعم الأفكار الجديدة بالابتكار.
تعد الشركات الناشئة بمصر مساهما رئيسيا في التوظيف، إذ فتحت 562 شركة ناشئة مجال العمل لنحو 13 ألف فرد، وأغلبية تلك الشركات بقطاع التجارة الإلكترونية بنحو 2718 وظيفة، تمثل 21% من الإجمالي، تليها التكنولوجيا المالية (2037 موظفًا) وتكنولوجيا التعليم (1.572 موظفًا).
في المقابل، يقول مسئول بالبنك المركزي، إن الدولة لم تقصر فيما يتعلق بدعم الشركات الناشئة، خاصة عبر مبادرة النيل التي لديها العديد من البرامج المعدومة من البنوك وتدعم الابتكار، وتقدم الاستشارات ولديها نماذج نجاح.
لكن المسئول يقول، إن ذلك الاهتمام كان كلمة السر وراء زيادة عدد الشركات الناشئة التي تعمل في مجال التكنولوجيا المالية، ومقدمي خدمات الدفع المبتكرة بمصر زيادة مطردة؛ لتصل إلى أكثر من خمسة أضعاف خلال الفترة (2017– 2022).
وقال إن عدد شركات التكنولوجيا المالية في مصر بلغ نحو 177 شركة عام 2022، من بينها 139 شركة ناشئة، تقوم بتقديم حلول خاصة بالتكنولوجيا المالية فقط، ونحو 52 شركة ناشئة تقدم خدماتها للعملاء بالخارج.