كتبت- إيمان رشدي

دونما مشاركة من الرأي العام سواء مؤسسات المجتمع المدني، أو حتى الأطراف المعنية بقضايا اللاجئين، وافق مجلس النواب، أمس الأحد، بشكل مبدئي، على مشروع قانون تنظيم لجوء الأجانب المقدم من الحكومة.

الخطوة اعتبرتها دراسة بحثية، أعدتها منصة اللاجئين والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عصفا بالحمايات الأساسية للاجئين، وتراجعاً عن الوضع القانوني القائم بالفعل.

كانت الحكومة أعدت مسودة القانون، وسلمته لمجلس النواب في يونيو 2023، ليظل المشروع طوال هذه المدة قيد المناقشة داخل البرلمان، واللافت للنظر هو عدم الكشف عن مواد القانون بشكل كامل.

فراغ قانوني أم ثغرات في الحماية؟

استمرار تطور المشهد العالمي والإقليمي تبعه تدفق أعداد اللاجئين بغزارة في ظل قوانين وطنية قائمة منذ عقود، لا تساهم بشكل أو بآخر في سد الفجوات، ويمكننا القول إن اللاجئين في مصر لا يعيشون فراغاً قانونياً، قدر ما يعانون من ثغرات في الحماية.

أول تشريع يتعلق باللاجئين، تم إقراره، عندما وافق مجلس الشعب “النواب حاليا” على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والبروتوكول الملحق بها، إضافة إلى اتفاقية منظمة الوحدة الإفريقية لعام 1969- ولهما قوة القانون بعد التصديق- مع استمرار غياب تشريع خاص ينظم حقوق اللاجئين بالتفصيل، وقد أعاد دستور 2014 التأكيد على هذا الوضع التشريعي نفسه.

مع الغياب التشريعي، جاءت التصريحات الرسمية حول أعداد اللاجئين متضاربة، بين ما ذكرته الحكومة، والأرقام التي أعلنتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، خصوصا مع غياب التشريع الوطني، وبقاء عملية التسجيل في يد المفوضية لعقود طويلة.

في أغسطس 2023، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3326 بشأن تقنين أوضاع الأجانب المقيمين على الأراضي المصرية، مقابل ألف دولار، ليتم تعديله لاحقا واستثناء اللاجئين.

ثم تم مد مهلة التقنيين لعام آخر، وقد وصفت منصة اللاجئين القرار بأنه– استغلال من منظور عقابي- يخالف القانون ولا يحقق غرضه”.

اللجنة بدلا من المفوضية

3 مواد إصدار، و39 مادة اكتفى بهم مشروع القانون، شملت هذه المواد تعريف اللاجئ، وحددت إجراءات تقديم وتنظيم اللجوء والعقوبات المترتبة على مخالفة أحكام القانون.

تضمنت المواد إنشاء- اللجنة الدائمة لشؤون اللاجئين- تتبع مجلس الوزراء، لمتابعة كافة شؤون اللاجئين، بما في ذلك المعلومات والبيانات الإحصائية الخاصة بأعدادهم.

وبالتالي تم سحب صلاحيات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في منح صفة لاجئ، على أن تتولاها الحكومة المصرية- ممثلة في اللجنة- بعد أن كانت الحكومة تنازلت عنها طواعية عام 1954.

المخاوف

تمثلت أبرز مخاوف الورقة حول اللجنة في مدى قدرتها على تقديم الحماية والالتزام بالمعايير الدولية.

ويشمل اختصاص اللجنة الرئيسي فحص ودراسة واتخاذ القرارات في طلبات اللجوء، وهي عملية محورية، إلا أن مهام اللجنة جاءت قاصرة وغير واضحة.

 كما لم يوضح المشروع معايير وآلية اختيار موظفي هذه اللجنة والعاملين بها، وكيفية تدريبهم وتأهيلهم، ولم يحدد النص أي مدد زمنية مرتبطة بتجهيز هؤلاء.

وأغفل مشروع القانون بشكل كامل تحديد إطار قانوني وزمني منطقي وواضح، يتأسس عليه بناء اللوائح والسياسات الداخلية، وآلية توفير موارد تكنولوجية وأنظمة رقمية، يمكن من خلالها ضمان سيولة عملية التسجيل في ظل الأعداد المتزايدة، فقد أفادت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عن زيادة عمليات تسجيل السودانيين بثمانية أضعاف، حتى سبتمبر 2024.

غياب تفاصيل العملية الانتقالية

الهدف من إنشاء اللجنة، أن تكون الجهة الرئيسية المسئولة عن تنسيق كافة شؤون اللاجئين داخل مصر كبديل عن مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

ويثير الأمر مخاوف جدية حول سياسات نقل البيانات، واختلاف بروتوكولات التسجيل وإدارة الحالة.

في حين سيكون لتمرير المشروع مع إغفال المدة الزمنية والقواعد الإجرائية الحاكمة للعملية الانتقالية بشكل محدد ومفصل، تداعيات خطيرة للغاية على حقوق واستقرار اللاجئين، بل وملتمسي اللجوء، وكذلك علاقة مصر بمؤسسات الهجرة واللجوء الدولية.

وينبغي أن ينص المشروع بشكل أكثر وضوحا على الوضع والمركز القانوني لمكتب مفوضية شؤون اللاجئين بعد توطين البنية القانونية؛ لتسجيل طلبات اللجوء والنظر فيها.

غياب الحماية

لم يحدد مشروع القانون طبيعة تعاون اللجنة مع المفوضية وغيرها من الجهات المعنية.

كما حرم طالبي اللجوء- حاملي البطاقات الصفراء- من أوجه الدعم والرعاية التي يحصل عليها، من يحمل صفه لاجئ، رغم أن الاتفاقيات الدولية منحتهم حماية استثنائية أهمها الحماية من الطرد، كما أغفل مشروع القانون -والذي تمت الموافقة عليه مبدئيا- طبيعة العمل الفني الذي ستقوم به أمانة اللجنة.

أما عن موارد اللجنة، فجاء مشروع القانون معززا لخطاب، تحمُل الدولة أعباء تكاليف إقامة اللاجئين، في حين أن الهيئات الدولية هي من تتحمل عادة مسئولية تقديم الدعم المالي لهم.

وفيما يخص المواد الإجرائية فرق المشرع بين طالب اللجوء النظامي وغير النظامي بشكل رأته الورقة “التي أعدتها منصة اللاجئين والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية” غير مفهوم، فيما يتعلق بمدة البت في طلب اللجوء.

إضافة لعدم تنظيم فترات بقاء طالبي اللجوء في البلاد لحين البت في الطعن المقدم برفض طلب اللجوء أمام المحاكم.

الاستثناء قد يصبح قاعدة

التوسع في حالات الحرمان من اكتساب وصف اللاجئ، هي سمة مشروع القانون، فلم يكتف بالحالات الواردة على سبيل الحصر في القانون الدولي، بل استحدث حالتين.

الأولى الإدراج على قوائم الكيانات الإرهابية داخل مصر، وهو ما يشكل صلاحية للحرمان من اكتساب وصف اللاجئ حال القيام بجريمه بعد دخول البلاد.

أما الأخرى، فجاءت فضفاضة، حيث نصت على الحرمان في حال ارتكاب أي فعل من شأنه المساس بالأمن القومي أو النظام العام.

الأخطر

المادة العاشرة فتحت بابا واسعا باتخاذ اللجنة، ما تراه من تدابير تجاه اللاجئ في حالات مكافحه الإرهاب، دون محددات واضحة، ولا يستقيم أن يعتمد النص في الضمانات الأساسية على الإحالة للائحة “أي اللائحة التنفيذية للقانون”.

وقرر المشروع مجموعة من الحقوق الأخرى كحرية الاعتقاد، ولكنها مقصور على الأديان السماوية فقط والحق في التقاضي، ولكنه لم يواجه مسألة ارتفاع نفقات التقاضي.

وفيما يتعلق بالحقوق الأساسية من تعليم وعمل وصحة، فقد وضع المشرع قيودا شديدة على مسألة العمل واشترط على اللاجئ إبلاغ قسم الشرطة المختص مع تشديد العقوبات، فيمن يخالف قيود العمل، تصل للحبس لمده ٦ أشهر.

لم تقدم المادة ٢٦، والمتعلقة بإعادة التوطين معايير واضحة حول كيفية اتخاذ قرار إعادة التوطين أو الدولة المستقبِلة.

سابقة

 منحت المادة ٢٧ الحق للاجئين في التقدم للحصول على الجنسية المصرية؛ لتتحول مصر من دوله عبور لدولة موطن، ولكنه أحال الشروط والمعايير اللازمة لذلك للقوانين ذات الصلة.

إغفال الحقوق وغياب الرؤية الإنسانية

جرم المشرع في المادة ٣٧ كل من يستخدم أو يؤوي ملتمس اللجوء، دون أخطار قسم الشرطة التابع له، بل وجعل العقوبة الحبس والغرامة في غياب واضح للسند القانوني والدستوري لتلك المادة.

كما أن بعض الحقوق الأساسية المقررة بمقتضى القانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة أغفلها مشروع القانون، مثل لم شمل الأسرة، كما لم يحدد بوضوح التزامات الدولة.