الهلالية مدينة سودانية باتت عنوانا على كافة جرائم الحرب وتداعياتها في هذا البلد العربي الإفريقي المنكوب، ففيها اجتمعت كل صنوف أبشع الانتهاكات.

تقع مدينة الهلالية في ولاية الجزيرة، على الضفة الشرقية للنيل الأزرق، على بُعد 120 كيلومترًا جنوب الخرطوم.

 منذ ديسمبر 2023، شهدت المدينة سلسلة من الهجمات الوحشية من قبل قوات الدعم السريع، التي دخلت المدينة في محاولة للسيطرة عليها، وعلى البلدات المجاورة في طريقها نحو عاصمة الولاية ود مدني.

 منذ ذلك الحين، تحوّلت المدينة إلى مسرح للعنف والتدمير، وتعرّضت لعديد من الانتهاكات، تشمل الهجمات المسلحة، والتسمم الجماعي، وتدمير المنشآت الحيوية التي كانت تشكل أساس الحياة في المنطقة.

ابتداءً من 26 أكتوبر 2024، فرضت مليشيا الدعم السريع حصارًا خانقًا على سكان المدينة، وشنت هجمات انتقامية على شرق الجزيرة، عقابا لأهلها على إعلانهم الفرحة بخبر انضمام اللواء أبوعاقلة كيكل “قائد قوات الدعم السريع سابقا في ولاية الجزيرة، والذي انضم إلى الجيش السوداني.

 فرحة المدنيين قوبلت بعمليات نهب للمنازل والمحلات التجارية، إضافة إلى احتجاز المواطنين ومنعهم من مغادرة المدينة، ليبلغ عدد الضحايا حتى الآن 232 شخصا، بينهم 166 من المدنيين الذين قضوا؛ نتيجة التسمم الناجم عن تناول طعام ملوث.

الموت سُما

كان أحد الأسباب الرئيسية لهذه المذبحة “الدقيق الملوث”، الذي تم تقديمه لمواطني الهلالية النازحين في مسيد الشيخ الطيب مرين.

 وفقًا لشهادة المواطن محمد السائر، كان الدقيق في الأصل بذورًا مخصصة للزراعة فقط، وتمت معالجته بمواد سامة لمكافحة الفطريات والحشرات، ما جعلها قاتلة عند تناولها، مما أدى إلى مئات الوفيات بين المدنيين الأبرياء.

الدكتور خالد عبد الرحمن جادين، اختصاصي الأحياء الدقيقة وكيمياء الأغذية، قال إن التسمم الجماعي جاء نتيجة لتلك المواد السامة التي أضيفت إلى البذور الزراعية؛ بهدف الحماية من الفطريات، مما أدى إلى تسمم الأشخاص.

 المواطنة خالدة، وصفت الوضع في الهلالية، بأنه “مجزرة”، حيث توفيت العديد من العائلات بشكل متسلسل، ما “جعل المدينة خالية من الأمل”، حسب تعبيرها.

لم يقتصر الأمر على التسمم، بل تعرضت المدينة لتدمير شامل للبنية التحتية، فتم تدمير المستشفى الوحيد في المدينة، ومركز غسيل الكلى، إضافة إلى الآبار والصيدليات، ما جعل الحصول على الرعاية الطبية والمياه النظيفة شبه مستحيل.

النازحون من القرى المجاورة يعانون مع أهل الهلالية من نفس الظروف المأساوية، حيث لا يوجد مأوى أو مساعدات إنسانية.

الاختطاف والابتزاز

شهدت الهلالية أيضًا ممارسات اختطاف وابتزاز من قبل مليشيات الدعم السريع، المواطن مازن صلاح، على سبيل المثال، تم اختطافه قبل أسبوعين، وطُلب من أسرته فدية قدرها 5 مليارات جنيه سوداني “حوالي 2500 دولار”، وما زال محتجزا حتى اليوم.

بخلاف مازن هناك العديد من المدنيين في الهلالية وشرق الجزيرة، وقعوا ضحايا الاختطاف والاحتجاز لفترات طويلة في ظروف قاسية.

حصار خانق

المواطن “الجيلي العاقب”، في شهادته التي أدلى بها في 28 أكتوبر 2024، قال إن سكان الهلالية عالقون في ثلاثة أماكن، مسيد أبوسقرة، مسيد الشيخ عبد الباسط، ومسيد الشيخ الطيب. وقال الجيلي: “لم يُسمح لأحد بالخروج، ولا أحد يستطيع الوصول إلى أماكن آمنة”.  وأضاف أنه تم نهب جميع المنازل بالكامل، ولا أمل في العودة إليها.

المدينة تواجه  أيضاً نقصًا حادًا في الغذاء والماء، وغياب أي نوع من الرعاية الصحية أو الإغاثة، فضلا عن حالات إطلاق النار على المدنيين بشكل عشوائي، ما أسفر عن مقتلهم فورًا، دون تحذير أو فرصة للهروب.

معتصم الأمين، أحد سكان الهلالية، أشار إلى صمت المجتمع الدولي على ما يجري في المدينة. وقال: “غاب صوت الإنسانية، وتعرّضت الأصوات التي تحاول الحديث عن المجزرة لتهديدات مستمرة”.

وأضاف أن الوضع يتطلب تدخلًا عاجلًا من المنظمات الإنسانية الدولية؛ لتوفير الدعم للمدنيين العالقين في مناطق النزاع.

نداءات للإنقاذ

في بيان صادر عن وزارة الخارجية السودانية في 7 نوفمبر 2024، تم التأكيد على أن التصعيد المستمر من المليشيا ضد المدنيين؛ يهدف إلى دفع المجتمع الدولي للتدخل العسكري تحت ذريعة حماية المدنيين، وهو ما يساعد المليشيا على تجنب الهزيمة العسكرية والاحتفاظ بالمواقع التي تحتلها.

من جانبها، أطلقت تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية (تقدم) نداءً إلى المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، مطالبة بالإجلاء الفوري للمدنيين العالقين في مناطق النزاع وتوفير ممرات آمنة لهم، بالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة من غذاء ودواء ومياه نظيفة.